سعاد خليل: الثقافة الشعبية والتواصل بين الثقافات العربية والأفريقية

سعاد خليل: الثقافة الشعبية والتواصل بين الثقافات العربية والأفريقية

 

 

سعاد خليل
يُعد التراث الشعبي مرآة صادقة تعكس هوية الشعوب وذاكرتها الجمعية، فهو يمثل خلاصة التجارب الحياتية، والمعتقدات، والعادات، والفنون التي توارثتها الأجيال عبر العصور. ومن خلال هذا التراث، تظل المجتمعات متصلة بجذورها رغم التحولات الزمنية المتسارعة. ويُبرز التراث الشعبي في العالمين العربي والأفريقي تنوعًا غنيًا في أنماط التعبير الثقافي، يعكس تعدد البيئات واللغات والمعتقدات، لكنه في الوقت ذاته يكشف عن وحدة عميقة في القيم الإنسانية، مثل الكرم، والبطولة، والانتماء إلى الأرض والمجتمع. فالقصص الشعبية، والأمثال، والرقصات، والحِرَف التقليدية، وغيرها من أشكال التعبير، تُشكّل جسور تواصل بين الشعوب العربية والأفريقية، وتجسّد روحاً مشتركة رغم اختلاف المظاهر. في هذا المقال، نسلّط الضوء على أهمية التراث الشعبي، وسبل الحفاظ عليه، ودوره في تعزيز الهوية والوحدة الثقافية في ظل العولمة.
والتراث الشعبي كما يعرف، هو مجموع العادات والتقاليد والمعارف والفنون التي تنتقل من جيل إلى آخر بشكل غير رسمي، ويعكس أسلوب حياة الناس ومعتقداتهم في بيئاتهم المحلية. يتميز هذا التراث بتنوع عناصره التي تشمل الحكايات والأساطير، والأمثال الشعبية، والأغاني والرقصات، والموسيقى التقليدية، واللباس، والمأكولات، والحرف اليدوية، وحتى طقوس الحياة اليومية مثل الأعراس والمناسبات الدينية. في الثقافتين العربية والأفريقية، يظهر التراث الشعبي كخزان ضخم من الحكمة والتجربة الإنسانية، إذ تحمل كل رقصة أو مثل شعبي قصة تعبّر عن الواقع الاجتماعي وتؤسس للهوية الجماعية.
هذا هو تعريف التراث الشعبي المتعارف عليه ، ولكن في دراسة كتبها حلمي شعراوي عن التنوع والوحدة في الثقافات العربية والافريقية وبمقدمة ذكر فيها ما كادت الإنسانية تفيق من تلويح الحرب الباردة بصراع اسلحه الدمار الشامل حتي باتت تخضع لأهوال التلويح بها ثانية من خلال الصراعات الإقليمية المدمرة بدورها ، وذا كنا  قد بالغنا في مرجعية الأبعاد الأيديولوجية  للأولي فها نحن نعاني مرة اخري باسكالا من الاضطراب في التعامل مع المرجعية الثقافية المثالية ، وها نحن نتجاهل امكانياتها في القبول بالأخر مع احترام تنوعها ،  او دفع سياساتها لأشكال من التبادل والتوحد من خلال هذا التنوع نفسه بديلا لاعتبار التنوع ضربا من التفتت والتقسيم ،ولابد انه يلفت النظر كثيرا حجم ما يكتب عن حوار الثقافات والحضارات في الوقت الذي يجري تصدير اليات ومقولات صراعاتها وتوتراتها ، وقد يسهل علينا في هذا المدخل ارجاع اشكال التوتر الي دائرة العلاقة بين الشمال والجنوب او مضاعفات الهيمنة المركزية ، وهذا ليس موضع بحثنا هنا ، ولكننا سنبدو اكثر تفاؤلا بمعالجة العلاقة الثقافية في دائرة الجنوب جنوب ، لأنني من الواثقين بان مستقبل الإنسانية سيتشكل هنا في النهاية ، ولان إمكانيات الالتقاء بمستويات ثقافية مختلفة وابرزها مجال الثقافة الشعبية ÷ وهو الاكثر حئا لو تابعنا بعض عناصر هذه الثقافة بالتفهم الاعمق والنوايا الحسنة ، فانه بغير ذلك قد لا تتوصل معا الا في دائرة حرب الثقافات الجهنمية الدائرة في هذه الأيام . هذه مقدمة البحث الذي كتبه حلمي شعراري .
ونظرا لطول هذه الدراسة سنجزئها الي مقالتين لمن يهتم .
أولا: العولمة والثقافات الكبرى
كان من اهم اثار مركزية العولمة لا القبول بالتوع الإنساني ، تزحزح المركز من الثقافة الغربية التي عرفناها مرتبطة بالتحديث او التغيير بالمعيار الأوروبي او مرتبطة بتصدير مقولات الاستشراق او الانثروبولوجيا الكولونيالية التي توقفت عندها معظم الاحكام علي تراثنا وعناصر ثقافتنا لتصبح في جواء المركزية الامريكية التي لا تسعي الي حوار بل تعرض حتمية القبول بأمركة العالم ، ومن ثم نظل في مجاهدة مجهدة وفي حال من المواجهة وليس في حال حوار او توافق ن وفي اطار مفهوم الثقافة الغربية علي الأقل دارت حوارات التحديث وادوار الطبقات الوسطي ، كما ظهرت مقولات الثقافة الوطنية والتراث الشعبي في مواجهتها كعناصر توحيد وحوار سواء في ظل الدولة الوطنية او في ظل حركة الجامعة مثل الجامعة العربية والافريقية والإسلامية بل والسلافية والهندية . الخ..
كان ذلك عام قوة تصدت لنفي الثقافات الوطنية والقطع مع لتواريخ الوطنية علي نحو ما حاولته بعض المدارس الاستعمارية المعروفة، وفي هذه الاجواء دري الدفاع بالثقافة عن الوحدة الوطنية، او مواجهة الوطني للغربي والتحرري للمحافظ.
وفي هذه الأجواء أيضا تكشفت عنصر الصراع أحيانا بين بعض الثقافات المتوسطة ان جاز التعبير، ولثقافات الفرعية المحيطة، ثمل مشكل الثقافة العربية مع بعض الثقافات الأفريقية او مشكلة السواحيلية و الهوسا مع الثقافات المحيطة، الخ ..
استطاعت موجات التحدي لوطني التي سادت عقب لحرب العالمية الثانية ان تتصددي بذرحه ما لعولمة التحديث الغربية، وان لم تتناقض معها مشروعات الدولة الوطنية في تلك الفترة ، الي حد كبير لكنا نستطيع ان نرصد اطروحات كبري طرحتها حركة النهوض هذه في مواجهاتها تلك مع الثقافة الغربية ، تارة ومع لشمال ، تارة اخري ، لقد تطور مفهوم التراث الشعبية والثقافة الشعبية  عن اطار الانثروبولوجيا والاستشراق الي حد بعيد وتعددت مراكز هذا التراث في انحاء العالم العربي وافريقيا .في رد مباشر علي مراكز الدراسات الأنثروبولوجي وعقدت مؤتمرات إقليمية ودولية علي أساس مقولات الثقافات الوطنية حتي دخلت اليونسكو ودفعت به الي سقف المعركة في مؤتمر السياسات الثقافية الوطنية بالمكسيك عام 1982 والتي دفعت وزيرا فرنسيا للحديث في هذا المؤتمر عن الامبريالية الثقافية امام دهشة ممثل للعالم الثالث .
كذلك شاهدنا تطورا في تناول الحديث عن اللغات الوطنية والتعامل مها وخاصة الافريقية في مواجهة مع عمليات نفي هذه اللغات علي يد اللغات الأوروبية الكبرى، وكانت مجموعة مؤتمرات اللغات الافريقية علي ارض القارة بداية تعمل منظمة الوحدة الافريقية في لمجال الثقافي نتيجة موجة الاعتراف باللغات الوطنية لغات عاملة في اكثر من دولة عقد استقلالها (لسواحيلية في شرق افريقيا، الهوسا ، والولوف ، والفولانية ويرها في غرب القارة والربية نفسها في الشمال المغاربي .. الخ .) وانشئت اثر ذلك مراكز هامة للغات التراث الأفريقي لاحظ التسمية في انحاء القارة أيضا (زنجبار ، ليبرفيل ، الكونغو ، النيجر .ولم يكن ذلك أيضا  بعيدا عن رعاية اليونسكو في شارة واضحة من قبل الافارقة للقبول بالتنمية الثقافية في اطر الحوار العلمي الدائر حول قضاياها ،وليس مصادفة أيضا ان يكون لمجال الثقافي احد اول العناصر التي يدور حولها التعاون العربي الافريقي وان تعقد حول العلاقات الثقافية العربية والافريقية اولي ندوات الحوار في الخرطوم والشارقة عم 76 سابقة علي قيام المصرف ا لعربي لأفريقيا او صناديق التعاون الفنين والمالي الخ ،واذكر كيف كان نقاش حادا في الشارقة حول مشاكل هذه العلاقة من صور الأسود في الادب والفنون العربية، حتي تجارة الرقيق ،وحول كتب التعليم الأوروبية التي مازالت حتي ذلك لحين علي حد سواء ولعله من واقع هذا الحوار لجاد الذي انتقل بالحال وجدية الي عمان وداكار سنة 8283  والرباط والقاهرة وحي كيب تان 1996 هو الذ دفع  الي اصدار موسوعة التاريخ العام لإفريقيا بتمويل عربي افريقي منذ أوائل الثمانينات ، كما دفع المنظمة العربية اللتربية والثقافة والعلوم الييكسو ان تتعاون بجدية مع منظمة الوحدة الافريقية في عقد الاتفاقيات الثقافية واهمها اتفاقية إقامة المعهد الثقافي الافريقي العربي AACI التي عقدت منذ عام 1984 وان لم يقدر لهان يقوم بالفعل في باماكو الا عام 2002.
اعجبتني هذه الدراسة التوثيقية فأحببت نقلها للقراء لما فيها من تفاصيل مبينة بالتواريخ ولن نخرج عن اطارنا في موضوع مقالنا عن التراث الافريقي والعربي وربطهما معا ، فقط اردت ان ابين العولمة وكيف تنادت منتديات شمال جنوب وقامت علي رعايتها شخصيات وطنية بارزة مثل الراحل جوليوس نيرير واحمد بن بيلا كما قامت منتديات الحوار العربي الأوروبي والحوار الثلاثي الأوروبي العربي الافريقي وكلها تنشد الوصول الي نظام عالمي جديد يحترم حقوق بلدن الجنوب في التنمية كما يخدم حقوق ثقافاتها في التعبير .
توتر الثقافات العربية الافريقية:
نستطيع ان نبدأ هنا بالقول ان الثقافة الشعبية قد نجحت فيما لم تنجح فيه الي حد كبير الثقافة الرسمية بالنسبة للعلاقات العربية الافريقية فعلي مستوي الثقافة الرسمية مازلنا نجد انكاس التوترات العربية ، الافريقية ن تاريخية او حديثة في كثير من أنماط الإنتاج الفكري علي الجانبين وبمكننا ن نرصد هنا مجال التاريخ / والإعلام ، والفكر السياسي من الهيمنة والصور المتبادلة ففي مجال التاريخ والاعلام ،والفكر السياسي عن الهيمنة والصورة المتبادلة ، ففي مجل التاريخ مازال الجانب الافريقي يتناول دخول الإسلام لإفريقيا كغزو عربي ، او مغربي ، فرض الدين واللغة واحيانا ، كما فرض بعض الأوضاع الاجتماعية والانقسامات الطائفية ، وهناك أساتذة  كبار مثل علم الانثروبولوجيا الشهير كويس براءلايعتبر اللغة العبرية افريقية ، كما اتخذ هذا الموضوع جدلا ملحوظا ند انشاء منظمة الوحدة الافريقية واشد حدة عند وضع دستور الاتحاد الاحدث كثيرا .
ومثل ذلك قبل عن تدمير المسلمين العرب للممالك الافريقية، وشاهر وقائعها تدمير مملكة غانة لإتاحة الفرصة لقيام مملكة موالية للعرب والإسلام هي مملكة مالي فيما بين القرن الحادي عشر والثالث عشر الميلادي ودليل ذلك عند البعض متعدد الوجوه احدها ان التاريخ القديم وذكر مملكة غانا قدر اهتمامه بإبراز ملوك مالي بل وبعضهم دون غيره ممن اغدقوا المال او نزحوه الي العالم الإسلامي مثل منسا موسي .. الخ..
اما مسالة تجارة الريق فحدث عنها ولا حرج حيث نال العربي من الاتهام والقذف ما لم تنله أحيانا التجارة في الملايين عبر الاطلنطي، ولم يتوقف هذا الاتهام وشدته حتى في أجواء لاحتفال بمرور مائتي عام علي اعلان تحريم تجارة الرقيق. حيث راجب الكتابات عن تجارة الرقيق الأطلنطية وتدميرها للمجتمعات والاقتصاديات الافريقية فضلا عن سوء أحوال الرقيق في الامريكيتين، ولم يمنع ذلك الجانب الافريقي من ان يعقد مؤتمرا خاصا في كيب تاون عام 2002  حول تجارة الرقيق العربية منذ قيام الدولة العربية حتي قيام سلطة العثمانيين الإسلامية ، وفي دراسات هذا المؤتمر الهام رصد عدواني واخر موضوعي للظاهرة التي لم نجد التفسير والتحليل الموضوعي بنفس القدر .
اما عن صورة العرب في كتب التاريخ والتعليم للأجيال الافريقية فضلا عن الاعلام الافريقي ، وكلا المصدرين تعرف انه تم تأسيسهما في  الفترة الاستعمارية ن فإننا نستطيع ان نرصد الكثير لولا اننا لا نريد ان نقحم هذه التفاصيل علي موضوعنا هنا ، المشكلة المنهجية التي يواجها هذا المضوع هي طبيعة الموقف الثقافي العربي من التناول الافريقي ، ذلك ان المرخين  المحدثين الرب لم يستطيعوا التسلح بقدر كاف من الموضوعية ليقدموا تحليلا علميا مشتركا مع زملائهم الافارقة ، ولكنهم اتخذوا موقفا دفاعيا ملحوظا طول الوقت ،بل اننا نستطيع ان نسجل بموضوعية أيضا ان كثيرا من الأدبيات العربية في التاريخ والادب ، مازالت تصمم علي معالجة عناصر هذه الموضوعات ، فضلا عن الدفاعية برؤية أصحاب الرسالة الحضارية التنويرية ن بسبب نشر الإسلام والعروبة في افريقيا بما يذكر المفكرين الافارقة بميراث الكتابة الأوروبية عن العبء الحضاري للرجل الأبيض ن اما عن نشر اللغة العربية وشرعية وجودها في القارة فلم يتناولها  الباحثون العرب كحقيقة اجتماعية لشعوب قائمة في القارة  خالطت بها شعوبا اخري علي ارض نفس القارة ، مهما كان لها من هيمنة او نفوذ كقضية اخري في سيسيولوجيا التثاقف والتكامل ، ولكن الادبيات العربية اكتفت بإبراز ما تحتويه للغات الافريقية من أصول ربية مثل السواحيلية والهوسا ، الخ. بما جعل سيسيولوجيا اللغة تتحول الي دراسات في الهيمنة الثقافية.
حقيقة هذه الدراسة طويلة وبها نقاط ومراجع تاريخية تبين مدي العلاقة للتراث والتقارب للعرب والافارقة سننتقل لفقرة اخري من الدراسة وهي تمثلات الوفاق في الثقافة الشعبية.
سنكتفي هنا وسنواصل الجزء لثاني في المقال القادم .