هناء عبيد: استكشاف الإبداع في “غيمات فوق الغيم” للأديب زياد جيوسي

هناء عبيد
كان لي الحظ الوفير في لقاء الأديب الفلسطيني زياد جيوسي في معرض عمان الدولي في مدينة عمّان والّذي أقيم في سبتمبر من عام 2024. وقد أهداني مشكورًا كتابين؛ الأول أحلام فوق الغيم وهو يتناول مجموعة من القراءات النقدية، والثاني كتاب ياسمينات باسمة وكتابات وجدانية.
يقع كتاب أحلام فوق الغيم في 264 صفحة من الحجم الكبير وقد صدر بدعم من وزارة الثقافة في الأردن عام 2022.
غلاف الكتاب يحتوي على لوحة فنية رسمت بإتقان بريشة الفنان رائد يوسف قطناني، يظهر فيها يد تمسك بطرف باب خشبيّ في محاولة لفتحه؛ ربما توحي هذه اللوحة إلى الأمل الّذي ينتظرنا خلف الكلمات، فالقراءة تفتح أبواب السّماء برحابة لتمطرنا ثقافة وعلمًا ومعرفة.
أما العنوان أحلام فوق الغيم فقد يشير إلى أن الغيمات قد تكون محمّلة بوافر الأمل ولا بدّ أنها ستمطرنا يومًا بما وراء الأحلام.
كتب مقدمة الكتاب الشاعر مختار العالم وقد وضح باقتضاب ما يحويه الكتاب الّذي قُسّم إلى ثلاثة مرافئ وبيّن كل الأعمال الّتي تناولها الأديب زياد جيوسي.
القسم الأول مرافئ الرواية وفيها يعطينا رأيه الصريح بالسرد ويقيّم العمل بكل مصداقية بعيدًا عن المجاملات.
القسم الثاني مرافئ السرد وتناول فيه الكاتب قراءات حول كتابات نثرية أسماها سرديات.
القسم الثالث مرافئ الشعر قام فيه بتسليط الضوء على الصور الحديثة في الشعر العربي.
الإهداء
جاء الإهداء لشجرة اللوز الأخضر
ختام لطفي جيوسي زوجته
لأبنائه ذؤابة ومصطفى والمعتز بالله ومحمد.
كما كان له كلمة شكر لكل من ساهم في إنجاز هذا العمل الأدبي القيم.
مواضيع كل مرفأ رتبت حسب الحروف الهجائية للكتّاب
بدأ قسم مرافئ الرواية بعنوان فراشة أحلام بشارات، وهي رواية للفتيان، عنوانها اسمي الحركة فراشة، تحدث لنا من خلالها عن أهمية تسليط الضوء على أدب الاطفال وبيّن مدى حاجتنا إليه إذ نادرًا ما يتم الكتابة في هذا الأدب، وقد أثنى على أسلوب الكاتبة ولغتها السهلة الفصحى وعن موضوع الرواية الّتي تثير العديد من التساؤلات في أذهان الفتيان، وقد تحدث عن موضوع الرواية الّتي سلطت الضوء على أهل فلسطين وعلاقتهم مع المحتل وتداعيات الاحتلال على الشعب الفلسطيني، وقد أثنى على مهارة الكاتبة.
يافا أم الغريب
ثم جاءت رواية يافا أم الغريب للكاتبة أسماء ناصر أبو عياش
وقد أثنى الأستاذ زياد على أسلوب السرد في الرواية الّتي ذكرته بيافا حين زارها وفاءً لوصية جده له، وزرعت مشاهد يافا من جديد في ذاكرته.
الحب والحرب والرصاصة 666
للروائية تفاحة بطارسة
استعرض نقاط قوة وضعف الرواية ووضح لنا أن ما ميز الروائية؛ هو قدرتها على الكتابة عن مخيمات لم تعش بداخلها، فهي تعيش في الأردن.
وقد استمرت القراءات مع جميع الروايات الّتي تناولها بنفس الأسلوب، حيث بين نقاط الضعف والقوة في كل رواية موضحًّا موضوع كل رواية وظروفها، كذلك تحدث عن التقائه بالكتّاب وعن علاقة الصداقة الّتي تربطه بهم.
أما القسم الثاني فكان مرافئ السّرد حيث النصوص النثرية والخواطر وقد بدأها بثرثرة الأيام للكاتبة جليلة الجشي، الّذي أشار فيه إلى حجم انتماء الكاتبة للأرض والوطن.
ثم عرج على بوح روح الكاتبة ثريا وقاص في شذرات كتابها الأول الدائرة في المنتصف.
وهكذا استمر مع كل كتاب وكل مبدع يطلعنا على أقلامهم الجميلة موضحّا مكامن القوة والجمال والضعف أحيانًا إن استلزم الأمر.
في القسم الثالث من الكتاب “مرافئ الشعر” نتعرف على العديد من الشعراء وأعمالهم الإبداعية، وقد بدأ القسم بعنوان الوجه الآخر لابتهال القرنفلة للشاعرة أميمة يوسف.
إن ما يميز قراءات ورأي الأديب زياد جيوسي؛ هو الموضوعية والصدق فهو يتحدث عن كل موضوع بحيادية، حيث يذكر قوة الكاتب، كما يوضح عيوب النص بأسلوب راقٍ جدًّا دون تهجم على الكاتب، فهو يذكر دومًا بأنه يخاطب النص لا صاحبه، مشيرًا إلى نقاط الضعف بكل مصداقية ومسلطًا الضوء على اللغة، الموسيقى، المنطق في الأحداث، أسلوب السرد، كما أنه يعرفنا ويحدثنا عن الشاعر أو الروائي وظروفه الّتي أنتجت هذه النصوص الإبداعية.
من خلال هذه القراءات الثرية الّتي قدمها لنا الأستاذ زياد تعرفنا على العديد من الأقلام المبدعة وأعمالها الإبداعية، ولا شك أن في ذلك دافعًا كبيرًا للتعرف على هذه القامات المهمة في عالم الأدب.
وقد كان للأماكن أهميتها الّتي سلط الضوء عليها إذ استطعنا أن نزور معه الشواطئ والبحور والصحراء والوديان ونستمتع بالحدائق وياسمينها ووردها الجوري، نشتم عطرها نتراقص مع الفراشات.
كما جبنا معه عبر الأزمنة المتعددة. وتعرفنا على مشاعر وأحاسيس الإنسان الّتي تتشابه في وطننا العربي القابع تحت مظلة القهر والظلم.
أحلام فوق الغيم، إبداع أدبي ثريّ قدمه لنا الأديب زياد جيوسي بكل شفافية ومصداقية، من خلال لغة عربية فصحى سلسة، وهو جدير بالاقتناء، ويتساوى بجماله مع عدسته البديعة الّتي تقتنص لحظات السّعادة بذكاء.