نزار حسين راشد: قصة “المجذوب”

نزار حسين راشد: قصة “المجذوب”

نزار حسين راشد
كنت أعتقد أن شخصية المجذوب هي شخصية وهمية ابتدعها خيال الكُتّاب وتظهر فقط في الأفلام والروايات،إلى أن جاء يوم وكنت منسرباً في الزّحام في أحد شوارع القاهرة،شدّ سمعي صوت عالٍ برنّة مميزة،وكأنّه رفع صوته عن قصد ليسمع من حوله ويجذب انتباههم كان الرجل يشير بيديه معلناً:
عالشمال مترفين عاليمين شحاتين،ظننت أنه مجرد مجاز يقصد به أنّ العالم منقسم لفقراء وأغنياء،وبعفوية كاملة نقّلت بصري بين الشمال واليمين،على الشمال كان هناك رجال بملابس أنيقة ومظهر لامع، ونساء مرفهات بملابس باذخة،وعلى اليمين أناس بملابس مهلهلة يقصد بها الستر أكثر من حسن المظهر،أعدت التدقيق متشككاً لعلّ خيالي هيّأ لي هذه الصورة،ولكن لا ،كان هناك تفسير منطقي لهذا الفرز،فجمعور اليمين مزدحمون على موقف الباص بانتظار الأتوبيس العمومي،أما على الشمال فهم هاربون من زحام اليمين ومتحهون للموقف الخاص حيث اصطفت سياراتهم الخاصة والذي انتقي موقعه فعلاً في الجهة المقابلة لموقف الباص،
 وسمعت تعليقاً خافتاً كأن الشخص يحدث نفسه : والله معاه حق المجذوب ده.وإذن فها هي شخصية المجذوب تتجسد أمامي طالعة من بطون الرواية أو قافزة من شاشة السينما
وباستثنائي لم يعر أحدٌ المجذوب انتباهاً  باستثناء التفاتات  مستطلعة قصيرة لا  تكادتثبت حتى تغضي، فإما أنهم غارقون في مشاغلهم وأفكارهم الخاصة أو أنّ المشهد مألوف ومعتاد بالنسبة لهم،وعلى عجل تبعت المجذوب المسرع الخطى وبالكاد لحقت به واستوقفته : يا شيخ…يا شيخ!
توقف الرجل:
– انت مش من هنا يا ابني،عاوز مساعدة،عاوز حاجة؟
– حاب اتعرف عليك يا شيخ!
– واحد من أهل الله.
– عنوانك لو حبيت ازورك يعني.
– عنواني أرض الله.
أسرع الشيخ الخطى وانتهى اللقاء.
وكان هذا طبيعياً،فالإسم والعنوان يرفعان الهالة من حولك ويعيدانك إلى وضعك الطبيعي،واحد من الناس باسم وعنوان،لا واحد من أهل الله وعنوانك أرض الله وتختفي في الزّحام.
وفكّرت المجذوب هو شخص متوقد الذهن محلّق بتوقده فوق العادي والمألوف،وطريقة تعبيره وتلخيصه للموقف مثل رسّام الكاريكاتير،يوجز لك الفكرة بإضاءة جانبيها.
المجذوب بعمامته الخضراء وجلبابه وعباءته المفتوحة كان مثالاً للنظافة وليس كما تخطيء الروايات والأفلام في تصويره مهلهلاً ومتسخاً بل هو الحكمة تمشي على قدمين بكل ظرفها ونقائها .
كاتب من الاردن