هل سيخفض نتنياهو قوته أمام إيران بعد أن أدى إلى تدمير تل أبيب؟

هل سيخفض نتنياهو قوته أمام إيران بعد أن أدى إلى تدمير تل أبيب؟

 

د. بسام روبين
لطالما حاول بنيامين نتنياهو أن يصدر صورة القائد القوي القادر على حماية إسرائيل من محيطها المتوتر، مستغلا التهديد الإيراني كورقة إنتخابية وأداة لبث الرعب في نفوس ناخبيه وتحشيد الداخل الإسرائيلي خلفه، ولكن يبدو أن السحر إنقلب على الساحر، فها هي تل أبيب تقصف، والداخل الإسرائيلي يهتز لأول مرة بهذا الشكل منذ عقود، لتطرح تساؤلات جوهرية عن قدرة نتنياهو الحقيقية على قيادة إسرائيل في هذا المنعطف التاريخي الحرج،
لقد أخطأ نتنياهو التقدير عندما ظن أن إيران ستكتفي بالتصريحات النارية أو بالمناوشات عبر وكلائها، فكان الرد الإيراني على إغتيال القادة في دمشق مختلفا تماما عما تعودت عليه إسرائيل، ولم تكتفِ طهران بالرد الرمزي، بل وجهت صواريخها الدقيقة والمباشرة نحو العمق الإسرائيلي، متجاوزة بذلك خطوط الردع التي طالما إعتقد نتنياهو أنها حمراء لا تمس.
الضربة الإيرانية  المدمرة كانت كفيلة بتحطيم صورة التفوق الإسرائيلي أمام شعوب المنطقة، وزرعت الرعب في قلوب المستوطنين، وجعلت من نتنياهو نفسه هدفا للغضب الشعبي والعسكري معا، لا سيما بعدما ظهر كمن يجر بلاده إلى حرب إقليمية شاملة بلا إستراتيجية خروج.
وفي ظل هذه التداعيات، لم تعد المسألة تتعلق فقط بهيبة نتنياهو أو سمعته، بل أصبح السؤال الأكثر إلحاحا في الأوساط الإسرائيلية والدولية، هل يملك نتنياهو القدرة على الإستمرار، أم أن الحسابات السياسية والأمنية الجديدة ستدفعه نحو الإستسلام والإنسحاب تحت غطاء إعادة التقييم؟
ما زاد من تعقيد المشهد أن نتنياهو، في سبيل الحفاظ على منصبه، خسر دعم المؤسسة الأمنية التي باتت ترى فيه عبئا سياسيا أكثر منه قائد أزمة، وأصبح محاطا بأصوات تطالبه بالرحيل، ليس فقط من المعارضة، بل من داخل منظومة الحكم التي بدأت تتهالك تحت وطأة التصعيد الإيراني والفشل في غزة.
وفي الوقت ذاته، لا يمكن تجاهل الدور الأمريكي، الذي بدا أكثر برودا هذه المرة، حيث لم تسارع واشنطن إلى إنقاذ نتنياهو كما فعلت في مرات سابقة، بل بعثت رسائل غير مباشرة تدعوه إلى ضبط النفس، والتوقف عن المغامرات التي قد تشعل المنطقة بالكامل وتجر الجميع إلى المجهول.
أمام كل هذه المتغيرات، يبدو أن نتنياهو يقترب من لحظة الحقيقة التي لم يكن يتوقعها، لحظة إدراك أن إسرائيل الكبرى التي روج لها ليست أكثر من وهم على رمال متحركة، وأن قبة حديدية لم تعد تحميه من سقوط سياسي بات وشيكا.
فهل يستسلم نتنياهو أمام إيران؟
ربما لن يعلنها صراحة، ولكنه سيحاول إعادة التموضع، والإنسحاب التكتيكي من المشهد، متذرعا بضرورة إعادة ترتيب الأولويات، أو إتاحة المجال لحكومة طوارئ وطنية، لكنه في الحقيقة سيكون قد خسر آخر أوراقه، بعدما تسبب في أسوأ كارثة أمنية تمنى بها إسرائيل منذ تأسيسها.
ولعل التاريخ سيتذكر أن نتنياهو، الذي تلاعب بالخوف من إيران لعقود، كان هو ذاته السبب في فتح بوابة النار عليها، وسببا مباشرا في تدمير جزء من تل أبيب، وفي زعزعة ذلك الكيان الذي طالما تغنى بـتفوقه العسكري على محيطه .

كاتب اردني