الدكتور هاني الحديثي: الصراع الفضائي بين إسرائيل وإيران

الدكتور هاني الحديثي: الصراع الفضائي بين إسرائيل وإيران

الدكتور هاني الحديثي
حرب على تقاسم النفوذ أم هي حرب وجود؟وهل سيتم توسع نطاقها  لتشمل الإقليم المحيط بها ام هي وسيلة ضغط لإرغام ايران على القبول بما يطرح عليها في جولات المفاوضات؟
رغم تصريحات اسرائيلية بالقلق من ممارسة الضغط عليها من قبل إدارة ترامب لوقف الهجمات الاسرائيلية على ايران قبل ان تحقق مقاصدها ،فانه و من وجهة نظري فان الاعتداء الاسرائيلي على ايران مقصده إسناد للمفاوض الامريكي مع المفاوض الإيراني لإرغام الأخير على القبول بما قدم له من خطة عمل خلال جولات المفاوضات  يتم بموجبها السيطرة على نسبة منخفضة للتخصيب يتناسب والاستخدامات المدنية وهو الامر الذي يؤمن مقصد  أمريكي -اسرائيلي  في عدم بروز قوة نووية في الشرق الأوسط تنافس او تهدد الأمن القومي الإسرائيلي  دليلنا في هذا التنسيق بينهما على إنجاز الضربة الاسرائيلية لمصادر القدرة الإيرانية.
ان ذلك يجنب الولايات المتحدة مجازفة أخذ زمام الأمر مباشرة من قبلها لما يمكن ان يترتب على ذلك من تداعيات خطيرة على القواعد والمصالح الأمريكية عبر تحولها الى حرب تشمل حلفاؤها واصدقائها تجد الولايات المتحدة نفسها في حل منها في الوقت الحاضر طالما  يمكن ان تستبدلها بالإسناد الاسرائيلي المباشر الذي يرغم ايران على القبول بما هو مطلوب منها على طاولة المفاوضات إلى جانب توفر الرغبة بايجاد نسق من السلام بين ايران واسرائيل ربما يصل حد التطبيع مستقبلا سوف ينسحب سلبا على حساب بلدان المحيط العربي عبر  التوافق بينهما   في مناطق المحيط الاقليمي العربي.
التداعيات :في حال تشكل ردود افعال إيرانية فعالة كما بدأ يحصل  فعلا بعد مرور نصف يوم على الفعل العسكري الاسرائيلي ضد المنشآت الايرانية ،فان الموقف يتحمل تدخل قوى أخرى رئيسية او فرعية تؤدي إلى تصعيد الموقف عسكريا .
ان الدعم الأمريكي و الأوروبي  لاسرائيل بشكل مباشر ومعلن سيكون متوقعا   في حال تطور الموقف لغير صالح اسرائيل وتهديد امنها القومي ، في حين سنجد( الأذرع الإيرانية) في المنطقة ستتولى  دخولها الحرب والمشاركة فيها عمليا وهذا يشمل العراق ولبنان واليمن ومناطق أخرى في بلدان الخليج العربي دون ان نغفل الموقف الباكستاني المؤيد لايران بحكم التنسيق الهندي -الإسرائيلي بالضد من برنامج باكستان النووية.
لذلك فان سيناريوهات الموقف يمكن ان تحدد بالاتي:
1- نجاح اسرائيل في تدمير منصات إطلاق الصواريخ الإيرانية و تحقيق دمار واسع في منشآتها الحيوية بشكل يمكن ان يخضع المفاوض الإيراني للعودة الى طاولة المفاوضات والقبول بالحد الادنى من الممكن قبوله دون التأثير على هيبة وكرامة النظام الإيراني .هنا ينبغي ان ناخذ بنظر الاعتبار طبيعة الشخصية الفارسية في العناد الملازم لها وصعوبة البحث عن خط وسط كونها معروف عنها تختار غالبا بين الموت او الفوز وهو السبب الذي دفع ايران للإصرار على الحرب مع العراق ثمانية سنوات ولم تكن تقبل بادنى من النصر أو الموت الذي عبر عنه الخميني حين اجبر على الموافقة على وقف إطلاق النار بوصف ذلك وكانه يتجرع كأس السم  مهيأ نفسه للانتقام بأول لحضة سانحة ،  وهي الفرصة التي استثمرها عبر التنسيق الكامل مع الإدارة الأمريكية لتدمير القدرات العراقية في العدوان الأطلسي الذي شن  عليه عام 1991 اثر قرار غزو الكويت عام 1990 م حيث تم التوثيق لاحقا لدور جواد ظريف في التنسيق مع مادلين اولبرايت  لتحقيق نصر مشترك استمرّت مراحله حتى احتلال العراق عام 2003 م بتنسيق مشترك  عبر عنه مرارا الرؤساء الإيرانيين خاتمي وأحمد نجادي  ورموز النظام الإيراني الآخرين  (لولا ايران لما استطاعت الولايات المتحدة من احتلال العراق).
2- نجاح ايران في إيقاع اكبر قدر من الاذى في الكيان الاسرائيلي يدفع قادة الكيان لضربات تدميرية دفاعا عن الانهيار للكيان ربما تستخدم فيه قدرات اسرائيل الاستراتيجية  المحمية بقدرات استراتيجية للولايات المتحدة وعموم بلدان الغرب التي ترفض قطعا  انهيار الكيان الاسرائيلي وهو احتياطيها الاستراتيجي في الشرق الأوسط.
3- دخول أطراف أخرى في الموقف لتجنيب المنطقة والعالم أزمة اقتصادية كبرى متوقعة وتترك تأثيراتها الخطيرة على الأمن الدولي والاقتصاد العالمي  وبصيغة  تقديم سفينة إنقاذ  لايران وللعالم وهو الدور الذي يمكن ان تقوم به كل من روسيا والصين حيث تؤكد ايران استعدادها لاغلاق مضيق هرمز  في حال تطور الصراع إلى مستويات شاملة.
الموقف العربي : للأسف فان غالبية العرب (الرأي العام ) يتداولون الموقف من منطلقات عاطفية أو مذهبية او دوغمائية مع او ضد انطلاقا من معطيات السلوك الإيراني  في التدخل بالشأن العربي أينما تواجد النفوذ الإيراني وما تحقق من تدمير للقدرات المادية وظاهرة التهجير وتدمير منظومات المجتمعات الوطنية وخاصة في العراق وسوريا ولبنان واليمن ، او من منطلقات ولائية لاصلة لها بالمصالح العربية  العليا او من منطلق الموقف المبدأي من القضية الفلسطينية  على الأقل إعلاميا او تبريرات لاتخاذ هذه المواقف المتناقضة متناسين او غافلين عن واقع العداء الاستراتيجي الذي يشكله الكيان الاسرائيلي على العالم العربي والمتخادم  مع العداء الفارسي التاريخي مع العرب  ، فكليهما شكلا تهديدا جديا للأمن العربي على امتداد قرون.
الأنظمة العربية وخاصة الخليجية تشعر بالقلق الجدي انطلاقا من حقيقة التداعيات الخطيرة  على امنها القومي في حال توسع نطاق الحرب ، لذلك فإنها عبرت عن رفضها للسلوك العدائي الذي اعتمدته اسرائيل في استخدامها القوة ضد ايران، لأجل ذلك  تسعى لتطويق الموقف والعودة الى طاولة المفاوضات الايرانية -الأمريكية تفاديا للتداعيات الخطيرة خاصة ان بعض البلدان الأوروبية عبرت عن استعدادها للدفاع عن اسرائيل في حال تعرضها لتهديدات شاملة.
ان ماتقدم يعبر عن غياب رؤية عربية استراتيجية لواقع التحديات التي تحيط العالم العربي ،فكلا القوتين الإيرانية و الاسرائيلية ليستا معنيتين بالشأن العربي إلا من زاوية نشر النفوذ لصالحهما على حساب المصالح العربية .لذلك فان الانحياز لأي منهما تحت اية ذريعة لايخدم المصالح العليا للامة  بل ان تلك المصالح العليا تستدعي البحث عن الفرصة لفرض رؤية عربية مستقلة تبتعد عن التطبيع مع اسرائيل بذات الوقت تبتعد عن التبعية الدوغمائية لايران.
وهنا فان العرب عموماً والمتأثرين منهم بشكل خاص بحكم الواقع الجغرافي عليهم (بلدان المحيط الاقليمي )ان ياخذوا بنظر الاعتبار التحولات الجدية الداخلية التي يمكن ان تعصف بكلا القوتين اللتين طالما تخادمتا في المصالح الاستراتيجية على حساب العالم العربي وبشكل خاص البلدان المحيطة بكل منهما او الفاصلة بينهما خاصة ان الشعوب الإيرانية يمكن ان تجد فرصتها للانتفاض ضد النظام الذي تعاني من قمعه لتطلعاتها القومية وقد بدأت ملامح ذلك بالظهور عبر بيانات تصدرها الحركات القومية التي سبق واشعلت ثورتها ضد النظام الديني عام 2022 م والتي كادت تطيح بنظام ايران السياسي لولا موقف إدارة جوبايدن حينذاك المناوىء للتغيير الذي تطمح له الشعوب الإيرانية.
كاتب عراقي