الدكتور طارق ليساوي: في ظل الاعتداء الإسرائيلي على إيران: أكلت من ثمار نضال الفلسطيني.

الدكتور طارق ليساوي: في ظل الاعتداء الإسرائيلي على إيران: أكلت من ثمار نضال الفلسطيني.

 

 

الدكتور طارق ليساوي
أشرت  في مقال ” الإبراهيمية مقابل  السلام” إلى أن  معاهدات السلام مع الكيان الصهيوني قامت في البداية  على أساس الأرض مقابل السلام، و هو ما أكدت عليه  اتفاقية كامب ديفيد لعام 1978، و معاهدة السلام الأردنية الإسرائيلية و التي يشار  إليها باسم معاهدة وادي عربة، التي وقعت بين الأردن وإسرائيل في 26 أكتوبر 1994..و بعد ” الأرض مقابل السلام” ، أصبح الشعار المعمول به ” التطبيع مقابل السلام” و صارت الرواية التالية و الأخيرة تقول ” الإبراهيمية مقابل السلام” و غدا يقال :” الدجال مقابل السلام” و إلا فإن القنابل الذكية و الغبية لن تتوقف عن قصفنا بحجج الدفاع عن النفس و حماية أمن كيان استيطاني إحلالي إجرامي..كتبت المقال سويعات قبل العدوان الصهيوني على إيران و استهداف منشئاتها العسكرية و المدنية و إغتيال قيادات عسكرية و مدنية إيرانية، في خرق سافر لسيادة بلد عضو في الأمم المتحدة، و انتهاك واضح للقانون الدولي و تهديد السلم و الأمن الدوليين من أوسع الأبواب ، فمن أعطى لهذا الكيان القوة و الجرأة على  القيام بكل هذه الأفعال الجرمية و الانتهاكات الوحشية؟!

أحلام الهيمنة

إن انتزاع القرار السياسي من مخالب القوى السياسية والعسكرية العظمى، ليست بالمهمة السهلة او المتاحة للجميع، فعالم اليوم يفيض بأكثر من 200 دولة ، كلها يحركها هاجس التحول لقوى مهيمنة و عظمى وتراودها أحلام التحكم و السيطرة على جوارها ومجال الحيوي بلغة المانيا النازية، التي يكرر الكيان الصهيوني ذات ممارساتها و ساديتها على الشعوب العربية و الإسلامية، و في مقدمة المتضررين و المستهدفين الشعب الفلسطيني عامة و الغزاوي خاصة .. لكن كم من دولة تصنع اليوم قرارها السياسي بكل سيادية واستقلالية ودون الخضوع لإملاءات الغير؟
 تكاد هذه الدول تعد على أصابع اليد الواحدة، فبالإضافة الى الدول الخمس دائمة العضوية في مجلس الأمن وصاحبة حق الاعتراض “الفيتو”، هناك خمس دول أخرى على أبعد تقدير مرشحة لانتزاع هذه المكانة وتقاسم النفود الإقليمي والدولي في عالم ما بعد الغطرسة الصهيو-أمريكية، و التي تتجه تدريجيا نحو الانحصار والانكسار ..

موقف مشرف

وطيلة الأسابيع الماضية فالأحداث المتتالية، تكشف عن ميلاد قوى مرشحة لانتزاع قرارها من أيدي القوى المتغولة وخاصه القوى الغربية ومن ضمن المرشحين جمهورية باكستان الإسلامية التي استطاعت لجم التغول الهندي في إقليم كشمير، واليوم أعلنت هذه الدولة الإسلامية  على لسان وزير دفاعها اصطفافها الكامل والواضح الى جانب الجمهورية الإسلامية الإيرانية التي تسعى بدروها لتعزيز سيادتها و استقلال قرارها السياسي ..
 الموقف الباكستاني الداعم لإيران هو اعلان و اعتراف بحق ايران في تصنيع القنبلة النووية والانضمام إلى النادي النووي والى الدول ذات السيادة العلمية،  صحيح أن الكيان الصهيوني يمتلك ترسانة نووية عسكرية، لكن هذا الكيان الوظيفي الطفيلي الانتهازي ، ما كان له أن يحقق هذا التفوق  لولا دعم وتوجيه من قبل صناعه والمتحكمين في نشأته وتطوره ونموه والضامنين لتفوقه المصطنع  و الداعمين لتغوله..و أعني  الولايات المتحدة الأمريكية وغيرها من القوى الغربية التي لعبت دور محوري في نشأة الكيان و كتابة شهادة ميلاده وضمان استمراريته كلما تعرض لخطر وجودي ..

العدوان على إيران

ولم يكن الصهاينة بالأمس ليتجرؤوا على قصف طهران على بعد يومين من المفاوضات المزمع عقدها حول البرنامج النووي الإيراني، لولا الضوء الأخضر من إدارة “أبرهة الأشقر” الذي يظن بأن هذا الأسلوب العدواني سيضعف الموقف الإيراني خلال المفاوضات التي صارت اليوم بين قوسين، وقد تصير إلى زوال اذا ما تمكنت إيران خلال الأيام المقبلة عن تفجير قنبلتها النووية و الإعلان رسميا عن الانضمام إلى النادي النووي، و بنظري فإن لها  كامل الحق -بحكم القانون الدولي و التهديد الصريح لأمنها القومي و سيادتها من قبل العدو الصهيوني- في الحصول على سلاح الردع النووي ما دام أن  دولة الاحتلال تتوفر على هذا السلاح وتصول وتجول في المنطقة كيفما شاءت ولعل العدوان الصهيوني على إيران فجر الجمعة 13 يونيو مسوغ واقعي  و قانوني بل و شرعي ، لضرورة امتلاك السلاح النووي من جانب ايران، بل أصبح من الضروري على البلدان العربية أن تسعى بدورها للحصول على السلاح النووي لتحقيق الردع عملا بقوله تعالى : ﴿ وَأَعِدُّوا لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ وَمِن رِّبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآخَرِينَ مِن دُونِهِمْ لَا تَعْلَمُونَهُمُ اللَّهُ يَعْلَمُهُمْ ۚ وَمَا تُنفِقُوا مِن شَيْءٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنتُمْ لَا تُظْلَمُونَ﴾( الأنفال-60).

الرد الإيراني

فالرد الإيراني بعد الهجوم العدواني فجر الجمعة 14 يونيو 2025 ، جاء في مساء ذات اليوم واتسع نطاقه و حجمه  و أهدافه كميا و نوعيا ، كما أن حجم الخسائر التي تكبدها الكيان الغاصب غير مسبوقة ، فحجم الأضرار التي تعرض لها الكيان كبير ة و غير مسبوقة ، و ما يتم تداوله من أخبار هو الحد الأدنى الذي تم تسريبه ، فالكيان يفرض تعتيم إعلامي  بشأن الخسائر.. و هو ما يعني أن إيران تمكنت من إمتصاص الصدمة الأولى، و تمكنت من تغدية مؤسساتها المستهدفة و استبدلت القيادات التي تم اغتيالها، رغم أن  الضرر الذي أصاب إيران لم يكن هينا ، فالهجوم الصهيوني تم التخطيط له بشكل دقيق ، فالكيان الصهيوني يدرك  أن إيران تمثل  خطرا وجوديا له، ولذلك فهو مستعد لتحمل المخاطرة من أجل إفشال  المشروع النووي، لأن الوجه الأخر للمعادلة يعني نهاية الكيان ، بمعنى نجاح إيران في الحصول على السلاح النووي سينهي أسطورة التفوق النووي الصهيوني..

الإعلام المتصهين

فمنهجية عمل الاعلام الصهيوني و الغربي و الاعلام العربي المتـصـهين تقوم على التزييف و التضليل و التضبيع و الاستحمار ، فهو يصور الجلاد ضحية و الضحية جلاد، و المقـاوم و المدافع عن أرضه و عرضه “متـطرف” و “دولة الإرهـاب و الإبـادة و اغتـصاب الارض و تحريف التاريخ، تدافع عن نفسها على أرض هي في الاصل تم احتلالها منذ مطلع القرن العشرين بتهجير و إبـادة اهلها و حصار و تجويع البقية الباقية، فلسـطين أرض محـتلة و مـقاومة الاحتلال حق مشروع ..فالإعلام المنحاز للصــهاينة يقلب الحقائق و يزيف المصطلحات و يصور الافعى الرحيمة تنقذ السمكة من الغرق في الماء ..

لعبة قذرة

و من ذلك، محاولة إشعار نار الفتنة الطائفية و المذهبية بين شعوب المنطقة، و الإساءة الى المقاومة التي أحرزت انتصارات مجيدة بمواجهة الاحتلال الإسرائيلي، و هذه اللعبة القذرة و الفرقة المصطنعة ستحرق العرب جميعا، بتاريخهم ماضيا وحاضرا، وستدمر مستقبلهم، ولن يستفيد منها إلا العدو الصهيوني والقوى الاستعمارية الطامعة بخيرات ومقدرات وطاقات المنطقة…

رُب ضارة نافعة

ندين الهجوم الصهيوني على إيران ، و نشيد بالرد الإيراني الذي وجه القصف إلى قلب الكيان ،  ، و كان الرد قويا و مزلزلا لبنيان الكيان الصهيوني و حمل رسائل قوية، بأن صبر إيران الاستراتيجي قد نفذ ، وقد أضاء ردها سماء البلدان العربية و جعل أهل غزة يرقصون فرحا بهذا الرد..و هنا لا يمكننا المزايدة على من دفع ضريبة الدم و التهجير و الإبادة الجذرية طيلة سنة ، فأهل غزة أدرى بشعابها و أعلم بمسرحية الرد الإيراني كما تم ترويج ذلك في وسائل الإعلام العربي المتصهين!!

طوفان الأقصى

و من “حسنات” معركة طوفان الأقصى ،  تسليط الأضواء على إنخراط المقاومة اللبنانية و اليمنية و العراقية و الإيرانية في دعم و إسناد المقاومة الفلسطينية في غزة، و اختلاط و تمازج الدماء “السنية” و “الشيعية” في بوتقة واحدة و معركة مصيرية عدوها واحد لا يفرق بين الحسن و الحسين و بين معاوية و علي رضي الله عنهم جميعا..
و أن العدوان الصهيوني على إيران  و ما سبقه و أعقبه من تضحيات جسيمة في صفوف المقاومة و حاضنتها الشعبية، سيكون بإذن الله محطة مفصلية في طريق ترميم الخلافات بين أقطاب الأمة و تقريب وجهات النظر و تفتيت عقبات الخلافات التاريخية المتراكمة منذ 14 قرنا.. و لعل بداية الغيث ، الموقف الذي عبر عنه وزير الدفاع الباكستاني “خواجة آصف” يوم السبت16 يونيو  2025 ، و حث فيه الدول الإسلامية على التوحد ومواجهة “إسرائيل” بشكل جماعي، محذراً من أن عدم التحرك الآن سيؤدي إلى عواقب وخيمة على العالم الإسلامي بأسره.وأكد آصف، خلال جلسة في البرلمان الباكستاني، أن “إيران ليست وحدها في هذا العدوان”، مشيراً إلى أن “إسرائيل” استهدفت بالفعل اليمن وفلسطين أيضاً..وحذّر من أن دور سيأتي على  الجميع “ما لم يتحد العالم الإسلامي اليوم”، داعياً منظمة التعاون الإسلامي إلى عقد اجتماع طارئ على الفور وصياغة موقف موحد ضد العدوان الإسرائيلي.

و بدورنا نضم صوتنا لصوت وزير دفاع باكستان، و نعيد التأكيد على أن  الهدف الاستراتيجي للكيان الصهيوني ، تفتيت الدول العربية و الإسلامية  إلى دويلات وحكومات صغيرة وأقليات متناحرة متناثرة. تجهض من خلالها دور قوى الصمود والمقاومة ، لتبقى الدولة المهيمنة في المنطقة.

و نفس الأمر يسري على أمريكا و باقي القوى الغربية و التي تضع على جدول أهدافها  حماية إسرائيل و تأمين  مصالحها في المنطقة و تأبيد  السيطرة على دول وشعوب المنطقة، و نار الفتنة الطائفية و المذهبية و سياسة فرق تسد، وسيلة ناجعة و فعالة لتحقيق أهدافهم وضمان مصالحهم..فكلما تفاقمت حدة الانقسامات والخلافات في المجتمعات، فإن ذلك يصب في تعزيز قدرتهم على الهيمنة، وتحقيق أطماعهم في السيطرة على الإقليم و من خلاله على العالم فمن يسيطر على المنطقة يسيطر على العالم ..

فمستقبلنا المشترك في الوحدة و التكامل و مقاومة الاحتلال و التغلغل الصهيوني بأوطاننا و تأمين الجبهة الداخلية بالمصالحة و الحوار و إدارة خلافاتنا بالعقل و الحكمة و تغليب المصالح المشركة و دفع المفاسد المؤكدة.. والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون…
كاتب و أستاذ جامعي من المغرب  ..