محمد بن دريب الشريف: التحليل الإسرائيلي على الجمهورية الإسلامية… استنتاجات ونتائج متعددة

محمد بن دريب الشريف
لاشك ان قرار توجيه ضربه عسكرية للجمهورية الاسلامية الايرانيه قد أتخذ منذ وقت مبكر وبالأخص بعد السابع من أكتوبر عام 2023 م
وکان العقل العسكري الإسرائيلي يفكر بكل جدية للتحول من مواجهة ما يسميه أذرع ايران في فلسطين المحتله ولبنان وسوريا الى المواجهة المباشرة مع النظام الايراني لكن حالت بينه وبين تنفيذ ما يريد عوائق منها أولاً ما يتعلق بالداخل كإقناع بعض القوى السياسية المؤثره في الداخل الاسرائيلي وكذلك جمع المزيد من المعلومات والاحتياجات العسكرية اللازمه لتنفيذ مثل هذه الضربه التي قد تعقبها حرب مفتوحه مدمره تنتهي بإنتهاء أحد الطرفين. ومنها ايضاً ما يتعلق بالخارج وخصوصاً حلفاء اسرائيل الذين كرس نتنياهو كل جهوده منذ توليه رئاسة الوزراء في الفتره السابقه والحاليه لإقناعهم بضرورة التصدي لإيران والحيلولة دون امتلاكها البرنامج النووي المتكامل وبعد عمليات طوفان الأقصى في السابع من أكتوبر (الذي كانت الجمهورية الاسلامية المتهم الأول بتمويله والتخطيط له) مارس نتنياهو كل وسائل اقناع حلفائه بضرورة الهجوم العسكري على ايران لكنه لم يجد التفاعل الكافي من قبل إدارة بايدن وحين تولى ترامب رئاسة أمريكا لم يعد الطموح الإسرائيلي يقتصر على أخذ الموافقه الأمريكية وشن الهجوم المأمول فحسب بل سعى نتنياهو لإشراك الأمريكان في هذه العملية العسكرية وبرغم قناعة ترامب بضرورة ذلك إلا أنه ربط هجومه وكذلك أي هجوم قد تشنه إسرائيل بمصير الإتفاق النووي الذي دعاء له بلغة التهديد والوعيد وبعد التيا والتي ذهب الأيرانيون لطاولة المفاوضات ولكن أنتهى الوقت الذي حددته الإدارة الأمريكية قبل التوصل لإتفاق نووي يضمن حق إيران المشروع في إمتلاك الطاقه النوويه ….
في اليوم ال61 من منذ إعلان ترامب عن المدة الزمنيه التي وضعها كمدى زمنى يجب خلاله التوصل لإتفاق والمقدر ب60 یوماً شنت اسرائيل عدوانها الهمجي على إيران!
مركزة كل قوتها المهاجمة على ثلاثة محاور هامة وخطيره
المحور الأول : قيادي
إستهداف القادة العسكريين والعلماء النوويين وإستشهد إثر هذا الهجوم ما يزيد عن عشرة من قيادات الصف الأول واربعة عشر عالماً ننوياً
والمحور الثاني : منشئآت ومواقع حيويه
إستهداف المنشئآت النوويه والوقود الصاروخي وورشات أجهزة الطرد المركزي وتخصيب اليورانيوم
والمحور الثالث : الدفاعات
وإستهداف كل ما يتعلق بمنظومات الدفاع الجوي والرادارات
وعند هذا المحور الأخير سنقف لتحليل كل جزئياته لإنه يمثل المقياس الأهم لأمرين في غاية الأهمية
– مديات هذه المواجهه وزمنها
– النتائج والثمار
فالملاحظ: أن الكان الصهيوني ركز بشكل اساسي خلال هجومه على منظومات الدفاع الجوي أكثر من أي شيء آخر فبدأ بإستهداف ما يمكن أن نسميه بوابات الجغرافيا الايرانيه وتركزت الضربات على إقليم اذربايجان الشرقي والغربي وجزاء من اقليم ایلام بالدرجة الأولى وكرمانشاة وصولاً الى محافظة همدان واقليم لرستان وهذه الاقاليم والمحافظات تعد من أهم البوابات لجغرافيا الجمهورية الإسلامية لإعتبارات عدة منها كون هذه الاقاليم هي الأقرب للجغرافيا الممتدة الى فلسطين المحتله
وكذلك كون هذه الاقاليم تعد المناطق الحدودية لدول لها علاقاتها الخاصة والمتميزة مع إسرائيل بإلاضافة الى وجود قواعد عسكرية اسرائيلية وأمريكية ايضاً في هذه الدول المجاورة لإيران كدولة ( أذربيجان )
من هنا يمكن القول إن إسرائيل كانت بصدد شق طريقين احدهما من الأجواء الاذربایجانیه والثاني من الاجواء العراقيه وصولاً الى طهران عاصمة الجمهورية الإسلاميه.
في اليوم الأول نالت مدينة تبريز وحومتها النصيب الأوفر من الإستهداف في اللحظات الأولى من الهجوم كما هو الحال مع كرمانشاه ثم همدان وكل من هذه المحافظات تحتوي على قواعد جويه كبيره ومتطوره وحاولت الجمهورية الاسلامية منذ وقت مبكر تزويد هذه القواعد في هذه المحافظات بمنظومات دفاع جوي متقدم لان هذه البوابه تعد بالنسبة لإيران الخاصرة الرخوة باعتبار انها حدودية مع بلدان يتواجد فيها قواعد عسكرية امريكية واسرائيليه كأذربايجان والعراق التي تضم اراضيها عدد من القواعد الأمريكية وكما انها تعد الحدود الغربية والشماليه الغربيه لإيران وهي جغرافيا يابسة تمتد الى الأراضي الفلسطينيه بمعنى ان هذه الحدود هي ملاصقة للعراق وبعده الأردن وصولاً للأراضي المحتله ..
في هذه المحافظة والأقاليم صبت إسرائيل كل جهودها الجوية وفتحت الباب للإختراق الجوي الأول الذي أستهدف محافظة إصفهان وآراك وقم وطهران وكل منهما يحتوي إما على محطة وموقع نووي خاص بتخصيب اليورانيوم أو ورشات ومصانع أجهزة طرد مركزي ووقود ومياه ثقيله .
بعد الأختراق الأول عاودت إسرائيل مجدداً ضرب هذه الأقاليم لإستكمال عملية التخلص من الدفاعات الجويه والرصد والمنظومات الرادارية وأستمرت هذه الهجومات العنيفة على هذه المناطق حتى ليلة البارحه ومن هنا أعلنت أسرائيل بشكل رسمي استحكام سيطرتها على الأجواء الايرانيه .ولهذه العملية وهذا الإعلان دلالات سياسية وعسكرية
فيما يتعلق بالدلالات السياسية كانت اسرائيل بصدد تأجيج الوضع الداخلي والدفع بالعملاء والمرتزقة الى دائرة الشغب والتمرد على النظام وتركيزها بشكل كبير على أقليم أذربايجان الإيراني الذي تطمع فيه كلٌ من دولة أذربايجان مع حليفتها الإستراتيجية تركيا وفيما يتعلق بالدلالات العسكرية فهي دعوة لحلفائها بالمشاركة في هذه العملية بإعتبار أن الطريق ممهده الى طهران وهناك فرصة كبيره ليس للتخلص من البرنامج النووي فحسب بل من النظام الإسلامي في إيران أيضاً.
ومن القرائن التي تؤيد هذا التوجه الأسرائيلي هو رسالتها الرسمية للبيت الأبيض – عقيب ذلك الإعلان – متضمنة دعوة للولايات المتحدة للمشاركة في هذه العملية …
إن المعطيات في المناطق الغربية والشمالية الغربيه توحي بإن الكيان الصهيوني لم يأخذ في حساباته إستهداف المنشئآت النوويه فحسب
بل عمليته تشمل إستهداف النظام السياسي القائم من خلال
أولاً تأجيج الشارع الإيراني
بإستهداف المنشئآت الحيوية كالنفط والغاز والكهرباء وكل الموارد التي لا قدرة للشعب على تحمل إنعدامها ولو بشكل مؤقت مما يفضي الى موجة إستهجان وغضب تجاه النظام القائم
وثانياً : تحرك مجموعات مسلحه سواء على الحدود الغربيه ( منظمة خلق ) أو في الجهة المقابلة على الحدود الشرقية ( جند الله ) والتي تحتاج في أي تحرك لها الى غطاء جوي أو على الأقل ضرب المعسكرات النظامية في محيط تحركها لتسهل لها عملية التحرك والمناوره .
وكل من هذين الأمرين يعتمد بشكل كبير على إستباحة كاملة للأجواء الأيرانية من قبل الصهاينة وهذا ما يفسر تكثيف الكيان لضرباته في الحدود الغربية لإيران مستهدفاً منظومات الدفاع الجوي تمهيداً للسيطرة الجوية التي تمكنه من استهداف كل المنشئآت الحيوية كما تمكنه من توفير غطاء جوي لأي تحرك عسكري لهذه المجاميع الخبيثه .
إن المخطط او المشروع العدواني الذي يشتغل عليه الكيان الصهيوني تجاه الجمهورية الإسلامية الإيرانيه استراتيجي ، وعميق ، ودقيق ويعتمد بشكل كبير في كل زاوية من زواياه الثلاث على استحكام سيطرة جويه وقد أشتغل عليها منذ الساعة الأولى لإنطلاق عدوانه …
وفي مقابل هذا المشروع الخبيث الجمهورية الإسلامية الإيرانيه ملزمةبإستنفار كامل لكل قواتها العسكرية البرية والجوية والبحرية والإستخباراتيه والصاروخية على مستوى الداخل وعلى مستوى الجبهة الخارجية المتعلقه بإستهداف عمق الكيان الصهيوني
وبإختصار: إيران في اليوم الثالث من العدوان لم تعد بحاجة الى فرض (توازن القوة) بل بحاجة ماسه الى (تفوق القوه) وهذا شيء مهم وضروري ومطلوب والا فإن العدو سيذهب الى فرض خيارات صعبة من شأنها أن تشجع أطراف معاديه سواء في الداخل الايراني او الخارج وعلى مستوى الحلفاء للمشاركة في هذه العملية وهذه هو المقصود من (الزاوية العميقة) في المخطط الصهيوني تجاه ايران في عدوانه الحالي…
فرض القوة الذي تحتاجه الجمهورية الإسلامية فوراً يتمثل في مسار واحد وهو مسار (الضربة المدمره) على مستوى الجبهة الخارجية أي في العمق الإستراتيجي الإسرائيلي المتمثل في تركيز الضرب المدمر على مدينتين هما : تلأبيب (عاصمة المال والإقتصاد والكثافه السكانيه) وحيفا (عاصمة التصنيع والتكنلوجيا والوقود)
هنا لا يكمن فرض توازن القوة الذي تحتاجه إيران فحسب بل يكمن فرض تفوق القوه الذي هي في أمس الحاجة له مع الأخذ بعين الإعتبار أن فرض تفوق القوه يحتاج الى ضربة قاصمه تذعن لها أمريكا أولاً وتستسلم لهولها أسرائيل .
وكان يفترض أن تكون الليلة الأولى من الهجوم الإيراني هي ليلة فرض تفوق القوه ولكنها لم تكن للأسف الشديد! وكان الأمل ليلة البارحه (وهي الليلة الثانية من العدوان) ولم تكن أيضاً ! برغم أنه تخللتها ضربه صاروخية تحمل رسالتين للداخل الاسرائيلي لا أكثر ! وهي ( ان المدني بالمدني ) و(ضربة مينا حيفا) التي توحي بعزم الإيرانيين على استهداف المنشئآت ومواقع الإقتصاد والطاقه في حيفا فيما اذا واصلت اسرائيل عدوانها على طهران!
وهذه مشكلة العقل العسكري الإيراني؛ أنه يوظف العقل حيث ينبغي اللامبالاه ويوظف اللامبالاه حيث يجب التعقل والتروي وهي مشكله تلازمه ليس منذ انطلاق طوفان الأقصى فحسب بل منذ إغتيال القائد الشجاع المظفر قاسم سليماني ورفيقه المهندس ولا ندري هل هذا خلل تكويني في هذه العقلية أم أنه خللٌ لازمٌ لشدة الإفراط في دراسة ردات الفعل والتدقيق في إمكان تحاشيها !
نعم يمكن تفسير هذا التروي والبرود والتردد من قبل الإيرانيين بل وتبرير ذلك وقبوله بما اذا كانت استراتيجيتهم العسكرية تعتمد على أستنزاف القدرات الجوية الإسرائيلية سواء كانت على المستوى الهجومي او المستوى الدفاعي (في الداخل الإسرائيلي)
ولكن اذا كانت هذه الاستراتيجية هي المعتمدة من قبل الايرانيين فإن هذا يعطي اسرائيل حق التفوق لإعتبارات عديده منها أن الخطة الثانيه هي ضرب كل ما يتعلق بموارد الشعب الايراني وهذا سيصنع أزمة داخليه وتمنح الفرصة لتحرك عملاء ومجاميع مسلحه لها ارتباط وثيق بالاستخبارات الامريكية والموساد الاسرائيلي كجبهة النفاق المتمثلة في ( جبهة خلق وجندالله ) كذلك تشجع أمثال ترامب الإنتهازي والباحث عن الانتصارات ( ولو الوهمية منها ) للمشاركة في هذه العملية الفاشية!
من هنا فإن الوقت ليس في صالح الجمهورية الإسلامية وهذا واضح جداً والرهان عليه خطأ استراتيجي لن تقل نتائجه عما حصل في لبنان لحزب الله وسوريا..
والمقصود بالوقت هنا ؛ اعتماد استراتيجية الضرب المحدود وغير المؤثر على مصادر الطاقه والتصنيع والمال في اسرائيل وتحاشي سفك الدم …
ولفرض تفوق القوه الذي ايران بحاجة له حالاً وفوراً (والذي هو أيضاً ممكن ومستطاع وفي المتناول بالنسبة لقوة ايران الإسلامية الضاربه) يتمثل في شن هجوم صاروخي يشل حركة حيفا وموانيها كما هي ايلات مشلولة ومتوقفه تماماً وهذا يحتاج في الحد الأدنى الى مئات الصواريخ دفعة واحدة من نوع خيبرشكن وقاسم وفتاح وعماد وامثالها من الصواريخ شديدة الانفجار والقادرة على الوصول الى اهدافها..
كما خو مطلوب سفك الدم الغزير العبيط وأستحداث الدمار المهول الذي يجبر المكسور ويكسر شوكة المغرور.. وبغير الدم (والدم العبيط) لايمكن تحقيق نصر ولا انتصار امام معسكر لقطيع ذئاب استغلت ما احتلته للتدرب على التوحش والسلب والإنتهاك …
فالأعداء كثيرون وكلٌ منهم ينتظر فرصة الأنقضاض وفي المقدمة الأمريكان وتفوق القوة إن لم يضطر اسرائيل للإستسلام فإنه على الأقل سيفرض على الأمريكان خيار عدم الإنحياز وحساب العواقب .
والنتيجة أنه بغير الضربة المدمرة وبغير دم عبيط لا يمكن أن تكون نتيجة هذا العدوان أقل مما حصل في لبنان وكل مماطله من جانب الإيرانيين أو هروب من هذا الإستحقاق الصهيوني يمنح الوقت المطلوب للكيان وبالتالي يضيف أمتياز في رصيد نتنياهو ويمنحه فرصه أكبر لتحقيق مطامعه وطموحاته .
والخلاصه: لاينبغي لكيان صهيون وشعبه ان يعتاد على صواريخ الجمهورية الإسلامية فإن هذه مشكلة كبيره ونتائجها كارثيه لإن دولته أن اعتادت تعاملت مع ذلك ثم سلبت تأثيره وكذلك شعب صهيون إن اعتاد دخل في مرحلة اللامبالاه والطمئأنينة والثقة بقادته وقدراته وهذا ما يطمح له نتنياهو ويسعى من أجله ويحاول جرّ ايران له لينتقل من مرحلة تتعلق ببرنامج نووي الى مرحلة الحديث عن أمور تتعلق بالنظام والأقاليم والقوميات …