حسن لمين: نقد بلا غربال: حين يفقد النقد وظيفته

حسن لمين
كمتتبع للمشهد الثقافي المغربي، كثيرًا ما راودتني أسئلة مُقلقة حول ما يُنشر تحت لافتة “النقد الأدبي”. أقرأ مقالات تفيض مديحًا، وتخلو من أي مساءلة حقيقية. أبحث عن تفكيك واعٍ، عن قراءة تُضيء النص بدل أن تُمجّده، فلا أجد سوى صدى لإنشاء مكرر وتحيز غير مبرر.
تساءلت مرارًا: هل نحن أمام فعل نقدي حقيقي، أم أمام كتابة تواطأت مع الرداءة باسم الذوق واللياقة؟
هذا المقال ليس هجاءً لأحد، بل دعوة صريحة لإعادة النظر في وظيفة النقد، وفي موقع الناقد، وفي مرآتنا الثقافية التي لم تعد تعكس إلا ما نحب أن نراه.
من هو الناقد؟ وما هو النقد؟
الناقد الحقّ ليس مَن يصف العمل الأدبي بلغة شاعرية، أو يكتفي بتلخيصه وتزيينه ببعض المفاهيم النظرية، بل هو من يتوسّل أدوات علمية وجمالية لكشف البنية العميقة للنص، وتحليل آلياته الأسلوبية، ورصد مقاصده الدلالية، ومساءلة انسجامه وجرأته الفنية. النقد موقف، وجرأة، وقراءة تقوّم ولا تُجامل. ومن ثم، فإن كل من قرأ نصًا وأعجب به أو تماهى معه، لا يمكن أن يُعد ناقدًا ما لم يقدم تفكيكًا واعيًا لماهية النص، وما لم يسلّط الضوء على نقاط ضعفه كما على نقاط قوّته..
النقد الأدبي المغربي: تأمل في الممارسة
لقد تطور المشهد الأدبي المغربي بشكل لافت، وبرزت أقلام سردية وشعرية أثبتت حضورها، غير أن النقد لم يواكب هذا التحول بنفس الزخم. ففي كثير من الأحيان، تتحول النصوص النقدية إلى بيانات مديح، أو مقالات ترويجية يهيمن فيها الإعجاب الشخصي أو المجاملة، وتغيب عنها الصرامة المنهجية والقراءة الرصينة. نقرأ مقالات تبدأ وتنتهي بإطراء مفرط، دون أن نتبين رؤية نقدية واضحة أو مؤشرات دقيقة لتحليل الشكل والمضمون..
هل نحن أمام أزمة نقد؟
قد يقول قائل إن كل قراءة هي فعل تأويلي، وكل تأويل محكوم بخلفية صاحبه. نعم، لكن القراءة النقدية تختلف عن الانطباع الشخصي. فالمشكل لا يكمن في تنوع المقاربات، بل في غياب العمق، واكتفاء البعض بما يشبه تعابير الإنشاء المدرسي. كيف يمكن لنص نقدي أن يدّعي الجدية وهو لا يُشير إلى التوترات الفنية في النص، ولا يُميز بين البلاغة والابتذال، ولا يملك شجاعة تسمية الأشياء بمسمياتها؟
نحو نقد جاد: إعادة بناء الفهم النقدي
إن الحاجة اليوم ماسّة إلى نقد مغربي متحرّر من منطق الولاءات والصداقة والصفقات الثقافية. نقد يتأسس على معرفة أدبية وجمالية وفكرية واسعة، وينطلق من رؤية واعية للسياق، ويستثمر المناهج الحديثة دون أن يكون أسيرًا لها. المطلوب ليس جلد الذات، بل الصدق في الممارسة، والاعتراف بأن كثيرًا من النصوص “المنقودة” لا تستحق أن تُقرأ، فضلًا عن أن تُحتفى بها نقديًا.
في سبيل الختام
لسنا بحاجة إلى كسر المرآة، بل إلى مواجهة صورتنا كما هي: مترددة، مجاملة، ومحبطة أحيانًا. ما نحتاجه هو نقد يعيد للمرآة صفاءها، ويمنح النصوص حقها في التقويم، لا التزيين.
النص الأدبي الحقيقي لا يخشى النقد، بل يترقبه، ويتقوّى به. أما النص الذي لا يصمد أمام المساءلة، فمكانه ليس منصات التتويج، بل رفوف النسيان.
إننا نعيش زمن “مرآة مشروخة“، لكن الشروخ لا تعني النهاية… بل قد تكون أول الطريق نحو صورة أوضح، ونقد أصدق.
كاتب مغربي