المتوكل طه: رسالة إلى القاتل.. الفولاذ لن يفرح فيك!

المتوكل طه
***
في الوقت الرجراج من الليل، أسأل نفسي والسماء، هذا السقف العظيم المُحلّى بنارٍ ذهبية، ترهجُ فوقي، أسأل: ما ثمن الخطايا؟
كل ما هو من الماضي لن يُرى ثانيةً. لقد كانت عيونك بلا مشاعر. والضمير يجعلنا جبناء.
ليس جنوني الذي يتكلّم، لأنَّ الجنون يقتل أكثر من حياة. . لكنها الديدان السياسية التي دفعتني إلى هنا، ودفعوا بالبلاد لأن تفقد عقلها وتغرق.
إنكَ لا تعلم أنّ الوشَقَ سيعود، والذئبُ سيحصل على ما يريد، فليس للثأر حدود.
وهذا اللحم الصلب قد يذوب، حيث يحوّل نفسه إلى ندى.
مَن يتحمّل البكاء في ظلّ حياةٍ مريبة، وفي المدن المُهدَّمة التي لا يعود النازحُ منها؟
لقد أخذتَ صمتنا، والناس تتعلّم عبر تعلّم الحقيقة.
أعيشُ في وسط بحرٍ من الوجوه الخانقة، وأنا المسجون في قشرةِ جمرة متوهّجة، وأسعى لأجد لنفسي فضاءً لامتناهياً، دون كوابيس.
ولكن؛ هل يدفع الظلامُ الظلامَ؟
بلى! ولا بدَّ أن أكون متوحّشاً كي أكون لطيفاً.
وفضيلة الحرب أنها تجعل السلام ينحني أمام الخطيئة.
وماذا بعد؟
يحيا المُعاق المبيد! ويحيا الموت!
إنه زمنٌ حافلٌ بالجنون، ويبدو لي أنني ربحتُ الحرب، لأن عدوّي خسرني، وكان قلبُه حديقةً فارغة. وقبل أن يتعرّف إلى أحلامه، باعها، وأغلق عينيه على فراغٍ أسود.
صحيحٌ أن الحَظَّ عنايةٌ إلهيّة، لكن علينا أن نخلق حظوظنا، في عصرٍ يمتلك كلٌ منا قلمَه أو مُسَدّسه، فتساوى الشجاع والجبان، على رأي كولت صموئيل.
والإلمام بالمعرفة أيها الغادر! لا يجعلنا أفضل من الآخرين. وإن جمحتَ، فأنا لستُ وحيداً. . معي ظِلّي. وأنت وحدك مَن ينسج العالَم حوله الوحدة، وستكون تمثالاً يذوب . . ولن تجد نجمةً مثلي تغمر لياليكَ ببريقها.
هل أنتَ وحدك هكذا؟أم كل محاربٍ مثلك لا يعدو كونه دُمْيةَ أكاذيب؟ هل يراوغكَ النومُ؟
أنا يتأرجحُ قلبي في كأس مُشرقة. . ولعلك، لفرط وحدتك دوني، تسأل؛أين يمضي الوقت، لماذا لم يتبعه أحد؟
إن غريزتك العمياء والشّر الغامض فيك دفعاك لأن تقتلني، بعد أن عرّيتني على منصّتك الافتراضية. إنه جنون فَقَد صوابَه!هل ظننتني فريسةً غافِلة؟وهل تعتقد أن قوّة أجدادك “الخرافات” تخفق في داخلك، وستمنحك سماءً ياقوتية لتنعف عليها بذور جنونك؟
يا لعينكَ الشاغرة!يا أمير الإبادة!تريد أن تحوّل الأرضَ فحماً قرمزياً بخدعةٍ رشيقة، حتى ينتشي الفولاذُ فيك؟
إن ومضة إلهية بداخلي تكفي لتجعل بواباتي محصّنة ملتهبة، لا يعبرها غريب.
وإن سيّدتنا الحريّة منحتنا أرض الكبرياء، التي لن يطأها إلّا رجلٌ. . وليس ذكراً. .
تستطيع أن تلقى “دولةً” باعت نفسها للنخّاسين، لأن طقساً غاضباً أو ظالماً حرمها من الحياة.
وإن احتيالك المُظلم الذي حاولت أن تمرّره قد خاب، وخسرتَ وردتي الوحشية التي لن أمنحها إلّا لآدميٍّ يسقط معي في الدُّوار، على رأي صديقي الشاعر سيف الرّحبي.
أيها الوحش!إذا كنتَ ملكاً للغابةِ، فلا يكفي أن تتصرّف كملك. . بل عليكَ أن تكون ملكاً . . أصلاً. وأنت عبد. . وحيوان جائع. والشمس لا تشرق من أجلك. . إنه الغروب.
حتى وإن كنتَ وحشاً جميلاً له أنياب قاطعة، وأصابعك تبدو خضراء. . عليك أن تزيل الشوك مِن حول الزهرة، لأن أيّ عملٍ صالحٍ لا يفوت دون عقاب!هل فهمت؟
وحتى أحترم القانون يجب أن يكون القانونُ محترماً. . والحرب ظُلْم، رأسُها مُشوّش، وكلماتها من جهنّم، وعاجُها أسود، وسلعتها شّريرة، ولا تصلح إلّا في دولة الحُلم الضائع، وموسيقاها صندوقٌ مكسور.
وليس صدفةً أنكم تتجبّرون، فالصدفةُ أمرٌ تمّ الترتيب له بعناية، منذ دهور.
والعالَم؟كم هو هادئ على الخريطة كما تقول الشاعرة لطيفة أدهو. لكن الأرض تستعدّ للنحيب، على رأي الشاعرة رحيمة بلقاس. وثمة غنائية جامحة تلفّ الدنيا، ومجازات مُثقلة. . وثعلبٌ يلهبُ الأرض بالشطرنج. . ومع هذا أُحبّ الشغب الأنيق، وأتطلّع للغيوم، البحار المُعلّقة.
وأعترف أنني لم أنتصر تماماً، فثمة شيء أسود يسقط في دمي.
ويقولون؛كل صعوبة تنشأ تجعلنا ننظرُ إلى الأمورِ بطريقة مختلفة، لهذا سنحرسُ بذرتنا في التراب، حتى تتلاشى قبل أن تشهق بثمارها. . القادمة.
ولا نتجاهل العقبات المؤلمة، فكلّما حاولت أن تتجاهل الأشياء المزعجة. . تفشل غالباً أو أحياناً، إذ لا بُدّ من أن نكشف عمّا بداخلنا. . وقد بدأنا.
تستطيع بلادنا أن تحوّل حليبها إلى سُمّ قاتل، وتهبّ برياح الخراب، مثلما تجعل لحظة المجد بلا نهاية، وتذيب أنفاس الزهور في الهواء، وتجعل عيون النصر تشخص نحوها.
وتبقى أصواتك مثل الدخان، ورأسك مليء بالعقارب، وثوبك الخوف، ودم ضحاياك عالقة بيديك، وخنجرك وهميّ، وستبدّل كل ما جَمَعَه الطيّبون باللّعنات. . أما أنا فسأبقى حُرّاً كالهواء، وبحاري قرمزيّة، وإذا لم أعالج الأمرَ، فلن أمنحهُ أيّ أهميّة.
يا شريكَ الموت القديم!لا يهمّ مَنْ ينتصر في الحرب. . المهم أن تنتهي. فالحياة قصّة بديعة اللفظ، لكنك، بقتلك علاقة الإنسان بأخيه، جعلتها خاوية المعنى.