د. ثابت المومني: بالأرقام… الناقل الوطني لن يساهم في حل أزمة المياه في الأردن

د. ثابت المومني: بالأرقام… الناقل الوطني لن يساهم في حل أزمة المياه في الأردن

 

د. ثابت المومني

يواجه الأردن، أحد أفقر دول العالم مائياً، تحدياً وجودياً متزايداً في تأمين احتياجاته من المياه. فمع تزايد عدد السكان بوتيرة سريعة، وارتفاع الطلب على المياه، تبرز مشكلة الفاقد المائي كعقبة كأداء تحول دون تحقيق الأمن المائي، حتى مع المشاريع الواعدة مثل مشروع الناقل الوطني.

وفي تحليل دقيق للوضع الراهن والمستقبلي فاننا  نكشف عن حقيقة صادمة وهي ان الأردن يعيش بالفعل عجزاً مائياً حاداً، وان الناقل الوطني، رغم أهميته، لن يكون الحل السحري لهذه الأزمة المتفاقمة.

اما فيما يتعلق بواقعنا المائي فان الارقام لا تكذب ابدا .

 دعونا الان  نستعرض الأرقام الحالية وصدر في كل دراسات ومنشورات وزاره المياه تقريبا حيث يقدر عدد سكان الأردن في عام 2024 بحوالي 11.63 مليون نسمة، بمعدل نمو سكاني سنوي يبلغ 1.9%.

 ومع متوسط استهلاك فردي للمياه (الطلب) يقدر بـ 61 متراً مكعباً سنوياً(الارقام متضاربه فهناك ارقام تحدثت عن 137 م مكعب سنويا ولكن في دراسه 2012 – 2022 كان نصيب  الفرد سنويا حوالي 47 متر مكعب اي 126 لتر لكل يوم)،  وعليه فإن الطلب الفعلي الكلي على المياه في المملكة يصل إلى حوالي 709.45 مليون متر مكعب سنوياً.

هذه الأرقام وحدها قد تبدو مقلقة، لكن الصورة تصبح أكثر قتامة عند الأخذ في الاعتبار نسبة الفاقد المائي.

 فوفقاً للبيانات الرسمية، تبلغ نسبة الفاقد من إجمالي المياه المتوفرة من مصادرها في الأردن حوالي 50%. هذا يعني أن نصف الكمية الإجمالية من المياه التي يتم الحصول عليها من المصادر المختلفة لا تصل أبداً إلى المستهلكين، إما بسبب التسربات في الشبكات المتهالكة، أو الاعتداءات على خطوط المياه، أو سوء الإدارة.

وعندما نتحدث عن الفاقد المائي فانه لا يمكن لي ان اصفه الا بثقب أسود يبتلع الموارد والمحدودة اصلا.

لنتخيل أن الأردن يمتلك حالياً إجمالي مياه متوفرة من المصدر يقدر بـ 1115 مليون متر مكعب سنوياً.

 فعند تطبيق نسبة الفاقد البالغة 50%، فإن صافي المياه المتاحة للاستهلاك الفعلي ينخفض إلى 557.5 مليون متر مكعب فقط.

 وبناءً على عدد السكان الحالي، فإن نصيب الفرد من المياه المتاحة فعلياً في عام 2024 يبلغ حوالي 47.94 متر مكعب سنوياً. وبمقارنة هذه الكمية بالطلب الفعلي للسكان البالغ 709.45 مليون متر مكعب (أو 61 متر مكعب للفرد)، نجد أن الأردن يعاني حالياً من عجز مائي يقدر بحوالي 151.95 مليون متر مكعب سنوياً.

 هذا العجز ليس مجرد رقم، بل هو واقع يومي يعيشه المواطنون في شكل انقطاعات متكررة للمياه وشح في التزويد.

واذا ما كنا الامل وكل الامل على الناقل الوطني لحل  مشكلاتنا  المائيه فاننا سنواجه تحديات جسيمة.

فمشروع الناقل الوطني للمياه، والذي من المتوقع أن يبدأ تشغيله في عام 2030، نعتقد بانه سيكون بارقة أمل كبيرة للأردن. فمن المتوقع أن يزود هذا المشروع المملكة بكمية إضافية تبلغ 300 مليون متر مكعب سنوياً.

وبإضافة هذه الكمية إلى إجمالي المياه المتوفرة حالياً من المصدر، سيصبح إجمالي المياه المتوفرة من المصدر حوالي 1415 مليون متر مكعب سنوياً.

ولكن دعونا نطرح السؤال التالي : هل سيحل هذا المشروع المشكلة؟
 الإجابة وبكل اسف ، هي لا.

 فعند تطبيق نسبة الفاقد البالغة 50% على هذا الإجمالي الجديد، فإن صافي المياه المتاحة للاستهلاك الفعلي في عام 2030 سيصل إلى 707.5 مليون متر مكعب. وفي المقابل، ومع استمرار النمو السكاني، من المتوقع أن يرتفع الطلب الفعلي على المياه في عام 2030 إلى حوالي 794.27 مليون متر مكعب (61 متر مكعب للفرد من الطلب).

ومع كل الارقام الواردة اعلاه  فانه يمكننا القول أنه حتى مع تشغيل الناقل الوطني بكامل طاقته، سيظل الأردن يعاني من عجز مائي يقدر بحوالي 86.77 مليون متر مكعب سنوياً في عام 2030.

هذا العجز، وإن كان أقل من العجز الحالي( حوالي 150 مليون متر مكعب) ، إلا أنه يؤكد أن الناقل الوطني وحده لن يكون كافياً لسد الفجوة المتزايدة بين العرض والطلب.

السؤال الذي نطرحه الان… ما العمل؟  وهل يمكن للارقام ان تكذب؟!.

الجواب يمكن وصفه بعبارات دقيقه تقول ان الأردن على كف عفريت مائياً، وان الناقل الوطني، رغم أهميته الاستراتيجية، لن يكون الحل الشامل لأزمة المياه التي نعيشها اليوم وسنعيشها في السنوات القليله القادمه.

 من هنا فان الوضع الحالي والمستقبلي يتطلب  اتخاذ إجراءات عاجلة وجذرية على عدة مستويات وبعيدا عن التسويف والتاجيل والوعود  من خلال :-

مكافحة الفاقد المائي حيث هذا الملف يجب ان يمنح الأولوية القصوى لاسيما ان تخفيف الفاقد بمعدل 10% كل سنه لهو كفيل بتوفير ناقل ديسي جديد كل سنه اي سيوفر  100 مليون متر مكعب من المياه تقريبا (تخفيض الفاقد بمقدار 30% يعني توفير ناقل وطني جديد اي توفير 300 مليون متر مكعب من المياه سنويا).

فتقليل نسبة الفاقد، حتى لو بنسبة بسيطة، سيؤدي إلى توفير كميات هائلة من المياه المتاحة للاستهلاك.

واذا كنا نعلم بان تخفيض الفاقد يتطلب  استثمارات ضخمة في تحديث البنية التحتية لشبكات المياه فانه يتوجب علينا ان نتذكر بان مشروع ناقل الوطني سيكلف الخزينه الاردنيه 2.5 مليار.

هذا بالنسبه لتخفيض الفاقد من المياه ومع تطبيق إجراءات صارمة اخرى كمكافحة الاعتداءات على مصادر المياه فاننا نكون قد ساهمنا في حل المشكله وليس حلها تماما.
اما في ما يتعلق بموضوع الاداره المتكامله لمواردنا المائيه فانها ستكون الحل الاكثر نجاعه والاقل كلفه على الاطلاق لاسيما اذا توسعنا في البحث  عن مصادر مياه غير تقليدية، مثل تحلية مياه البحر و التوسع معالجة مياه الصرف الصحي وإعادة استخدامها في الزراعه مقابل وقف استخدام مياه الشرب لغايه الزراعه وتوجيه هذه الكميات من المياه لغايات الشرب والاستخدام المنزلي.

وفي الختام  يسعنا  القول ان الناقل الوطني هو خطوة في الاتجاه الصحيح، لكنه ليس نهاية المطاف لكنه يجب أن يكون حافزاً لمزيد من العمل والابتكار لضمان مستقبل مائي مستدام للأجيال القادمة في ظل الارقام والتحذيرات التي وردت في هذا المقال.
كاتب اردني