ألكسندر نازاروف: ترامب سيطلب من الدول العربية أن تختار بين المعسكرين الأمريكي والصيني خلال 3 أشهر

ألكسندر نازاروف
كلا الخيارين يحملان تحديات هائلة بالنسبة للعرب.
لنبدأ بنكتة سوفيتية قديمة:
يهرع وزير الزراعة السوفيتي إلى غورباتشوف مشتكيا من موت الدجاج، فيرد غورباتشوف بصيغة العارف ببواطن الأمور: “ألصقوا مربعات من خشب رقائقي أبيض على حظائر الدجاج”.
بعد أسبوع، يهرول الوزير مرة أخرى إلى غورباتشوف: “الدجاج لا يزال يموت فخامة الرئيس”.
فيرد غورباتشوف بنفس اللهجة الحكيمة: “ارسموا داخل كل مربع من الخشب الأبيض نقطة زرقاء في وسط المربع بالضبط”.
بعد أسبوع، لا يزال الدجاج يموت، فيتصل الوزير العاجز برئيس الاتحاد السوفيتي غورباتشوف: “سيدي، لا زال الدجاج يموت”.
غورباتشوف: “ضعوا علامة صفراء حول النقطة الزرقاء”.
بعد أسبوع، يتصل غورباتشوف شخصيا بالوزير متسائلا: “كيف حال الدجاج؟”
الوزير: “مات كل الدجاج، فخامة الرئيس”.
فيرد غورباتشوف متحسرا: “يا للأسف، لا زال لدي الكثير من الأفكار لإنقاذهم”.
تذكرني النكتة السوفيتية عن غورباتشوف وأفكاره بالوضع مع الرسوم الجمركية التي فرضها ترامب.
تنطلق أفكار ترامب من أفضل النوايا، وهي رائعة من الناحية النظرية، وربما تكون في بعض نواحيها تصب في الاتجاه الصحيح، لكنها تتجاهل أمرا رئيسيا: استحالة عكس المسار الموضوعي للتاريخ، ما يجعل كل هذه الأفكار “الرائعة” غير واقعية وغير قابلة للتنفيذ. علاوة على ذلك، فإن الطريقة التي يتم بها تنفيذ هذه الأفكار تشبه سيركا على بركان، بإيقاع متسارع.
نظريا، ما يحاول ترامب تحقيقه: حماية وتحفيز الصناعة الأمريكية، وجمع بعض الأموال الإضافية من الواردات وعلى الأقل تكرار الحيلة القديمة التي نفذتها الولايات المتحدة مع اليابان مع الصين، التي أجبرتها الولايات المتحدة على خفض قدراتها التنافسية والتخلي عن النمو الاقتصادي لعقود من خلال اتفاقيات بلازا في عام 1985. وحتى في عهد بايدن، فرضت الولايات المتحدة على الصين مطالبا بخفض الإنتاج الصيني “الزائد”، وهو ما رفضته الصين بطبيعة الحال. تلك هي الأولوية القصوى لترامب.
في الوقت نفسه، فإن تصرفات ترامب فوضوية وغير متوقعة وغير متسقة، ما يسمح لنا بالشك في عدم الاستعداد والتفكير السيء في الخطوات التي اتخذها ترامب، فضلا عن عدم كفاءة إدارته وعدم كفايتها و/أو عدم رغبة ترامب في الاستماع إلى مستشاريه، إذا بذلوا أي جهود لثني الرئيس عن مثل هذه الإجراءات. ونتيجة لذلك، نرى أن ترامب (على ما يبدو تحت ضغط من مجموعات الأعمال الأمريكية المختلفة) اضطر إلى إلغاء أو تغيير خطواته حرفيا في غضون يوم واحد، بعد أن تبين أثرها السلبي الكبير على الاقتصاد الأمريكي.
فإلغاء الرسوم الجمركية على الإلكترونيات الصينية على سبيل المثال (22% من الإمدادات الصينية إلى الولايات المتحدة) يثير تساؤلات حول معنى الحرب التجارية ككل، حيث تغطي هذه الـ 22% المنتجات الأكثر تعقيدا من الناحية التكنولوجية والأكثر ربحية، والسلع ذات القيمة المضافة الأعلى، بالتالي تزيل الولايات المتحدة الاعتراضات على النمو التكنولوجي الإضافي للصين.
ومن الطبيعي أن يؤدي هذا القدر من عدم القدرة على التنبؤ والتناقض إلى تدمير مناخ الاستثمار في الولايات المتحدة، فضلا عن تعقيد تنفيذ خطط ترامب نفسه. ومن غير الواضح كيف سيكون ترامب قادرا على إقناع الدول الأخرى بدفع رسوم جمركية أعلى إذا رأت أنه عند أدنى مقاومة من الجانب الآخر، وأحيانا حتى من دون أي مقاومة، فإن ترامب يتراجع.
بهذه الطريقة، وبالإضافة إلى العوامل الاقتصادية الأساسية الموضوعية التي ستمنع ترامب في نهاية المطاف من تنفيذ خططه، فهناك تأثير التنفيذ السيء.
لكن، لا يمكننا إنكار إصرار ترامب وتصميمه. وينبغي أن نتوقع أنه سيستمر في التحرك إلى الأمام، مع بعض الأخطاء، وبعض الانحرافات المؤقتة.
وإذا افترضنا أن إلغاء التدابير التي تم اتخاذها سابقا لم يكن عفويا، بل على العكس جزء من خطة، وإذا حاولنا إيجاد المنطق والعقل وراء هذه الخطة ورسم صورة كاملة، فسنحصل على الآتي:
لنفترض أن ترامب توقع وقَبِل انهيار سوق الأوراق المالية وارتفاع التضخم وغيرها من المشاكل الاقتصادية.
يتضح ذلك بشكل غير مباشر من الضغوط المتزايدة التي يمارسها ترامب على بنك الاحتياطي الفيدرالي مسبقا. لقد توقع ترامب المشكلات، وأدرك أن بنك الاحتياطي الفيدرالي وحده قادر على حلها (عن طريق خفض أسعار الفائدة واستئناف طباعة النقود).
وتسمح الآمال المعلقة على بنك الاحتياطي الفيدرالي لترامب أيضا بفهم أن الرسوم الجمركية بنسبة 10% لا يمكنها القضاء على العجز في الميزانية الأمريكية، وأنها بشكل عام ليست مصدرا للمال بقدر ما هي أداة للتأثير على الدول الثالثة كجزء من بناء جبهة مناهضة للصين.
ولنفترض أن الخطة كانت فرض رسوم جمركية ثلاثية على دول في مختلف أنحاء العالم، ثم أثناء المفاوضات يتم خفضها بمقدار مرتين أو ثلاث مرات، اعتمادا على مقاومة الأطراف المعنية، ومدى حاجة الولايات المتحدة إليها.
وسيتحدد مدى أهمية هذه البلدان بالنسبة للولايات المتحدة إلى حد كبير بمدى استعدادها لاتباع النهج الرئيسي لجهود ترامب لاحتواء الصين. وسيعتمد حجم الرسوم الجمركية على الدول الثالثة، إن لم يكن في المقام الأول، فإلى حد كبير، على ما إذا كانت ستنضم إلى مقاطعة السلع الصينية، وما إذا كانت ستجري معاملات نقدية مع الصين باليوان أو بعملات أخرى إذا أصبحت التسويات بالدولار غير متاحة للصين.
وهذا على وجه التحديد هو ما ينبغي لنا أ نتوقعه فيما يتصل بالصين: نهاية التجارة المباشرة، وقطع العلاقات الوثيقة، وكسر اندماج الاقتصادين الأمريكي والصيني. وفي مرحلة ما من التصعيد، من المرجح أن تتم مصادرة الاحتياطيات الصينية وتقييد المعاملات بالدولار أو إيقافها. في الوقت نفسه، ستفرض الولايات المتحدة أقصى الرسوم الجمركية أو العقوبات الأخرى على البلدان التي تحافظ على التجارة مع الصين أو تدفع لها مدفوعات.
ستواصل البضائع الصينية محاولاتها لاقتحام السوق الأمريكية، لكن تحت غطاء منتجات من بلدان أخرى. والطريقة الواقعية الوحيدة لوقف هذا هو وقف كل التجارة الخارجية إما للصين أو الولايات المتحدة.
وهكذا، فمن الناحية الموضوعية، فإن تطور الوضع سيدفع ترامب إلى تقسيم جميع الدول إلى فئتين: دول من المعسكر الأمريكي، تشارك في جهود ترام لتدمير الصين وتقليص التجارة معها، وأخرى تتجه نحو الصين وتعاني من كامل وطأة العقوبات وغيرها من التدابير من جانب الولايات المتحدة.
وإلى حد كبير، فإن تشكيل هذه المعسكرات وطبيعة الصراع يعتمدان على أوروبا، أي المعسكر الذي ستنتمي إليه دول القارة.
بطريقة أو بأخرى، فإن منطق الأحداث يقودنا على الأرجح إلى أمرين:
أولا، ستفشل الحرب التجارية التي يشنّها ترامب ضد الصين، وإن لم يكن على الفور. ولكن سيكون لدى الولايات المتحدة الوقت لتقسيم العالم إلى معسكرات، وستمر البلدان ذات الاقتصادات الضعيفة والمواقف المالية غير المستقرة بتجربة الأزمة الاقتصادية أو الانهيار بسبب رفض الواردات الصينية الرخيصة أو بسبب العقوبات الأمريكية. وسيترك فشل الحرب التجارية، عاجلا أو آجلا، الولايات المتحدة بلا خيار سوى الحرب الساخنة.
ثانيا، يفقد ترامب، بسبب فوضى الرسوم الجمركية، مصداقيته واحترامه بسرعة، ما يجعله أكثر عرضة لمحاولة تعزيزها من خلال “حرب خاطفة منتصرة”، أكثر احتمالا مع إيران…
على أي حال، فإن التسعين يوما التي أرجأ فيها ترامب فرض رسومه الجمركية على جميع الدول باستثناء الصين سوف تكون مليئة بمحاولات من جانب زعماء العديد من الدول لـ “تقبيل مؤخرة ترامب” على حد تعبيره شخصيا وحرفيا، أو بأفكار ثقيلة وخدر في انتظار ردود انتقامية منه لرفض البعض القيام بذلك. ومع كل هذا، أعتقد أن ترامب لن يصمد 90 يوما، وسيتضح كل شيء، أو يتغير الوضع قبل ذلك الحين.
محلل سياسي روسي (روسيا اليوم)