ملف ترسيم الحدود “الشائك” بين لبنان وسوريا يعود للواجهة من جديد.. هذه أبرز نقاط الخلاف التي قد تفجر المفاوضات

بيروت / وسيم سيف الدين / الأناضول- أعاد المشهد السياسي الجديد في سوريا ترتيب أوراق السياسة بالمنطقة، لا سيما في ما يخص علاقة دمشق بدول الجوار ومحيطها العربي، وعلى رأسها لبنان، التي لطالما اتسمت علاقاتهما بالتعقيد إبان حكم الرئيس السوري المخلوع بشار الأسد.
بعد سقوط النظام السوري، بادر رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي الزعيم الدرزي وليد جنبلاط، إلى زيارة دمشق للمرة الأولى منذ 13 عامًا في أول زيارة لزعيم لبناني إلى سوريا بعد مرحلة الأسد، والتقى الرئيس أحمد الشرع وسلمه مذكرة تتضمن رؤيته للعلاقات اللبنانية السورية.
لاحقا، تبعه رئيس حكومة تصريف الأعمال آنذاك نجيب ميقاتي، بعد انتخاب جوزاف عون رئيسا للجمهورية في يناير/ كانون الثاني 2025، والذي أكد في خطاب القسم وجود “فرصة تاريخية لحوار جاد ومتكافئ مع سوريا”.
وفي مؤتمر صحفي مشترك مع الشرع، شدد ميقاتي على أن “ترسيم الحدود البرية والبحرية بين البلدين، وضبط التهريب” يمثل أولوية للحكومة اللبنانية، بينما أكد الشرع حرص سوريا على بناء “علاقة إيجابية قائمة على احترام سيادة واستقلال البلدين”.
وفي 28 مارس/آذار أعلنت وكالة الأنباء السعودية “واس” توقيع وزيري الدفاع اللبناني والسوري اتفاقًا في جدة بشأن ترسيم الحدود وتعزيز التنسيق الأمني، بعد اشتباكات عنيفة وقعت مطلع مارس بين الجيش السوري ومجموعات مرتبطة بـ”حزب الله” على الحدود.
الاتفاق لا يمثل ترسيما مباشرا للحدود، بل يُعد خطوة تمهيدية، إذ تم الاتفاق على تشكيل لجان قانونية وفنية مشتركة وتفعيل آليات التنسيق لمواجهة التهديدات الأمنية.
ومع إعلان رئيس الحكومة الجديد نواف سلام عزمه زيارة دمشق الأسبوع المقبل، يطرح تساؤل عما إذا كان ملف ترسيم الحدود سيتصدر أجندة المحادثات مع الجانب السوري.
** القرار 1680 والالتزام الدولي
عقب الحرب الأخيرة بين “حزب الله” وإسرائيل، انتُخب رئيس لبناني جديد وتشكلت حكومة جديدة تعهدت بتطبيق القرارات الدولية، لا سيما القرار 1680 الصادر قبل حرب 2006 الذي دعا سوريا إلى التجاوب مع طلب لبنان بترسيم الحدود وتبادل العلاقات الدبلوماسية ومنع تهريب السلاح.
تمتد الحدود اللبنانية السورية على طول 375 كيلومترا، إلا أن ترسيمها لم يكتمل بعد، خاصة في المناطق الحدودية المتداخلة، حيث يعيش لبنانيون داخل الأراضي السورية والعكس، ما يعقّد الترسيم بسبب التداخل الجغرافي والديمغرافي.
** أبرز نقاط الخلاف
تعود جذور النزاع الحدودي إلى مرحلة ما بعد الحرب العالمية الأولى، حين خضعت المنطقة للانتداب الفرنسي الذي رسم الحدود بين “دولة لبنان الكبير (1920)” وسوريا، وعند استقلال لبنان عام 1943، تم اعتماد هذه الحدود التي رسمها الفرنسيون، إلا أن بعض النقاط بقيت غير واضحة أو محل خلاف.
تُعد منطقة مزارع شبعا من أبرز المناطق المتنازع عليها، حيث بقيت تحت سيطرة إسرائيل التي انسحبت من جنوب لبنان عام 2000، باعتبارها أراض سورية بينما تصر بيروت على أنها أراضٍ لبنانية.
كما تسجل خلافات على مناطق مثل القموعة، العديسة، ومناطق في بعلبك الهرمل، بسبب عدم وضوح المعالم الحدودية.
أما بحريا، فلا تزال الحدود البحرية غير مرسّمة ما يثير إشكاليات بشأن حقوق التنقيب عن النفط والغاز، ويؤكد خبراء أن الترسيم يجب أن يتم استنادا إلى خط الوسط (مبدأ التماس) بين السواحل اللبنانية والسورية، وفق القانون الدولي.
** محاولات الترسيم: تاريخ متعثر
في عام 2008 أعلنت سوريا ولبنان تشكيل لجنة مشتركة لترسيم الحدود، لكن التقدم كان بطيئا بسبب التوترات السياسية والأمنية.
ومع اندلاع الأزمة السورية والثورة ضد نظام الأسد عام 2011، توقفت معظم الجهود الرسمية، رغم وجود مؤشرات على استمرار بعض قنوات التواصل.
** العلاقة مع سوريا أولوية للحكومة اللبنانية
في هذا السياق، قالت خبيرة النفط والغاز بالشرق الأوسط وشمال إفريقيا، لوري هايتايان، إن “العلاقات اللبنانية السورية على مختلف المستويات – السياسية والأمنية والاقتصادية – يجب أن تكون أولوية لدى الحكومة اللبنانية والرئيس جوزاف عون”.
وأضافت في حديث مع الأناضول، أن “هناك تغيرات تحصل في المنطقة ولبنان جزء منها وهناك أيضا نظام جديد في سوريا والكثير من الدول تتواصل معه وإن كان بشروط او تحفظات”.
وأكدت أن “الحكومة اللبنانية يجب أن تكون واحدة من هذه الحكومات التي تتواصل مع الحكم الجديد في سوريا وأن تنطلق المناقشات على المواضيع التي تهم البلدين وخاصة بعد المواجهات الحدودية بين العشائر اللبنانية والجيش السوري”.
وشددت هايتايان على “وجوب تعاطي الدولة اللبنانية بجدية مع السلطات السورية الحالية”.
** إحياء الاتفاقيات بين البلدين
ورأت أن الاتفاقيات التي أُبرمت خلال عهد الرئيس السوري الراحل حافظ الأسد، وخاصة المتعلقة بترسيم الحدود البرية والبحرية، بحاجة إلى مراجعة وتحديث، لكنها لفتت إلى أن “لبنان لا يستطيع المضي في هذا الملف دون إعادة بناء الثقة مع الجانب السوري، عبر مسار دبلوماسي نشط”.
وذكرت أن سوريا اليوم تولي اهتماما متزايدا بملف التنقيب عن النفط والغاز في البحر المتوسط، ما يستدعي من لبنان توطيد العلاقات والسعي الحثيث إلى ترسيم الحدود البحرية، بوصفه جزءا من تفاهمات أوسع.
** الحدود البحرية مطلب سوري لبناني تركي
وأوضحت هايتايان أن إنهاء النزاعات الحدودية من شأنه تشجيع المستثمرين في قطاع الطاقة، مشيرة إلى تقارير تحدثت عن رغبة تركية في تسريع ترسيم الحدود البحرية مع سوريا بعد وصول أحمد الشرع إلى السلطة، وهو ما قد يشكل فرصة للبنان.
لكنها شددت في الوقت ذاته على أن الظروف السياسية قد تفرض أن يكون ترسيم الحدود جزءا من “صفقة شاملة” تحدد شكل العلاقة المستقبلية بين لبنان وسوريا.
وبحسب تقارير لبنانية نقلا عن مصدر مقرب من رئيس الحكومة، فإن زيارته المرتقبة إلى دمشق ستتم على رأس وفد وزاري، بهدف تعزيز العلاقات الثنائية، ومراجعة الاتفاقيات الاقتصادية القائمة لتطويرها وتعزيزها، ووضع إطار لاتفاقيات جديدة، تشمل قضايا النزوح، والطاقة، والترانزيت، والنفط، إلى جانب ملف ترسيم الحدود.