الاحتمالات المتزايدة لتورط الولايات المتحدة في النزاع الإسرائيلي ضد إيران: دلالات متزايدة وتغيرات استراتيجية

الاحتمالات المتزايدة لتورط الولايات المتحدة في النزاع الإسرائيلي ضد إيران: دلالات متزايدة وتغيرات استراتيجية

د. محمد حسن سعد

تتسارع التطورات العسكرية والسياسية في الشرق الأوسط على نحو يشي بتحول نوعي في الصراع الدائر الذي أشعل فتيله كيان الإحتلال الإسرائيلي منذ 13 حزيران/يونيو 2025، حين شن عدواناً عسكرياً واسع النطاق استهدف ولا يزال المحافظات والمدن الإيرانية، في واحدة من أكثر الضربات المباغتة منذ عقود. في خضم هذا العدوان، تتزايد المؤشرات على أن الولايات المتحدة الأمريكية تتجه بخطى متسارعة نحو الانخراط المباشر في هذه الحرب، ليس فقط كمساند سياسي أو داعم لوجستي، بل كطرف عسكري فاعل قد يشترك بقدرات هجومية واسعة ضد طهران، ويمكن رصد أبرز المؤشرات على هذا التحول، التي نوجزها ما يلي:

أولاً: توجه حاملة الطائرات الأمريكية “يو إس إس نيميتز” إلى الشرق الأوسط

في خطوة لافتة، أمرت وزارة الدفاع الأمريكية بتحريك حاملة الطائرات النووية “USS Nimitz” من بحر الصين الجنوبي نحو منطقة الخليج والشرق الأوسط، لتنضم إلى مجموعة “كارل فينسون” الموجودة في خليج عدن. هذا التحرك جاء في إطار ما وصفته وزارة الدفاع بـ”نشر طارئ لدعم الإستقرار في منطقة العمليات الوسطى”، لكنه في الواقع يعكس استعداداً إستراتيجياً لتوسيع نطاق الدعم العسكري لكيان الإحتلال الإسرائيلي، وتحضيراً محتملاً ومرجحاً لمشاركة مباشرة في العدوان على إيران.

ثانياً: حشد غير مسبوق لطائرات التزويد الجوي

ترافق هذا الحراك البحري مع تحريك أكثر من 30 طائرة تزويد بالوقود من طراز KC‑135 وKC‑46 إلى قواعد أمريكية في أوروبا، في خطوة وصفتها مصادر عسكرية بأنها “تموضع لعمليات قتالية ممتدة”. هذه الطائرات قادرة على إطالة أمد طلعات جوية قتالية فوق إيران ودعم قاذفات بعيدة المدى، ما يشير إلى نية أمريكية بتوفير غطاء جوي مستمر لأي عملية هجومية مستقبلية.
ثالثاً: عودة ومغادرة مبكرة للرئيس ترامب من قمة مجموعة السبع

في خضم قمة G7 المنعقدة في كيناناسكيس ـــ ألبرتا، كندا، فاجأ الرئيس دونالد ترامب القادة المشاركين بمغادرته المبكرة للقمة، متجاهلاً البيان الختامي الذي كان من المقرر أن يدعو إلى التهدئة واحتواء التصعيد بين إيران وكيان الإحتلال الإسرائيلي. هذه العودة المبكرة لم تكن مجرد خطوة بروتوكولية، بل رسالة سياسية مدروسة مفادها أن واشنطن غير معنية في هذه المرحلة بدعوات الوساطة أو التسويات الدبلوماسية، وأنها تصطف عملياً خلف كيان الإحتلال الإسرائيلي في عدوانه على إيران.
كما كشفت مصادر في البيت الأبيض أن الرئيس ترامب كان يتلقى إحاطات أمنية وعسكرية دقيقة خلال فترة تواجده في البرتا ـــ كندا للمشاركة في قمة مجموعة السبع. وقد تم تنسيق هذه الإحاطات مع القيادة المركزية الأمريكية (CENTCOM) ووزارة الدفاع الأمريكية، وتناولت هذه الإحاطات تقديرات ومقترحات العمل العسكري الأمريكي في حال تفاقم الوضع. يُعد هذا التفاعل الأمني عالي المستوى دليلاً إضافياً على أن الإدارة الأمريكية لا تتابع فقط، بل تتهيأ ميدانياً لاتخاذ قرار حاسم بشأن دخول الحرب إلى جانب كيان الإحتلال الإسرائيلي.

رابعًا: تغريدة نارية ـــ تحذيرية من ترامب تدعو إلى “إخلاء طهران فوراً”

في منشور نشره عبر منصة “تروث سوشيال”، تحدث الرئيس ترامب عن رفض إيران للعرض الأمريكي، الذي عده عاراً تسبب بهدراً للارواح، وبأنه لن يسمح لإيران بامتلاك السلاح النووي، ووجه ترامب في نفس المنشور إنذاراً غير مسبوق إلى إيران، دعا فيه بشكل صريح إلى إخلاء طهران فوراً. هذا التصريح يحمل دلالات شديدة الخطورة، ليس فقط لأنه يتضمن تهديداً مباشراً بالقصف، بل لأنه يعكس انتقالاً من مرحلة الردع إلى مرحلة الانخراط العسكري المباشر.
كما كرر الرئيس ترامب أكثر من مرة ان إيران ستبرم إتفاقا نووياً في نهاية المطاف أو ستحدث أشياء أخرى، والاشياء الأخرى تعني حتماً الانخراط في الحرب ضد إيران، وهو خيار قال ترامب أكثر من مرة انه مطروح على الطاولة.

خامساً: تنسيق استخباراتي وعسكري مع كيان الإحتلال الإسرائيلي

تزايد التنسيق بين واشنطن و”تل ابيب” وبلوغه مستويات غير مسبوقة، فواشنطن هي من اعطت كيان الإحتلال الإسرائيلي الضوء الاخضر للعدوان على إيران في 13 حزيران/يونيو، كما إنها زودت “تل أبيب” بقنابل خارقة للتحصينات B‑57، وبمعلومات استخبارية دقيقة عن مواقع الحرس الثوري الإيراني. وقد أكدت تقارير غربية أن الولايات المتحدة فعّلت غرف عمليات مشتركة مع كيان الإحتلال الإسرائيلي، بما في ذلك توجيه أقمار صناعية هجومية ومراقبة المجال الجوي الإيراني بشكل لحظي.
اللافت وسط هذا المشهد تصريح سفير كيان الإحتلال الإسرائيلي في الولايات المتحدة الأمريكية يحيئيل ليتر الذي قال: “ترقبوا مفاجأة الاسبوع الجاري بشأن الهجوم على إيران”، مشيراً إلى ان الولايات المتحدة هي الدولة الوحيدة التي تمتلك قنبلة قادرة على ضرب منشأة فوردو. كلام السفير الاسرائيلي يشي بأن “تل أبيب” أبلغت واشنطن بانها وصلت الى الحد الأقصى في عدوانها على إيران وبالتالي على الولايات المتحدة ان تتدخل لتكمل المهمة الإسرائيلية ضد إيران.

سادساً: تصريحات وتحركات وزارة الدفاع الأمريكية

أعلن وزير الدفاع الأمريكي بيت هيغستيث أن “نقل التعزيزات إلى المنطقة يندرج ضمن خطة دفاعية لتأمين مصالح الولايات المتحدة”، لكن مصادر أمنية داخل البنتاغون أشارت إلى أن هذه التعزيزات قادرة على تنفيذ عمليات هجومية. وفي نفس السياق قال وزير الدفاع الأمريكي هيغستيث في مقابلة له مع قناة فوكس نيوز ان الولايات المتحدة قوية بما يكفي للدفاع عن اصولها في الشرق الأوسط. هذا التحول في نبرة التصريحات يعكس بوضوح الاستعداد لمرحلة ما بعد الدعم الدفاعي لكيان الإحتلال الإسرائيلي. كما تم إرسال بطاريات ثاد وباتريوت إضافية من المحيط الهادئ إلى الشرق الأوسط، عبر أكثر من 70 رحلة شحن عسكري من نوع C-17، ما يعكس مستوى التأهب الأميركي للدفاع وربما الهجوم.

سابعاً: مؤشرات سياسية داخلية على اقتراب القرار

على الرغم من أن بعض أعضاء الكونغرس، خصوصاً الديمقراطيين، يسعون إلى تقييد صلاحيات ترامب العسكرية، إلا أن الواقع الميداني وتحركات وزارة الدفاع توحي بأن قرار التدخل قد اُتخذ فعلياً على المستوى التنفيذي، وأن واشنطن باتت قاب قوسين أو أدنى من الانخراط المباشر في الحرب الإسرائيلية على إيران، ولعل من نافل القول هنا التذكير بما قاله رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو بان “تل أبيب” وجهت ضربة قاصمة لإيران وان الضربة القاضية بيد الولايات المتحدة الأمريكية.

ثامناً: دعوة الصين لرعاياها لمغادرة إسرائيل فوراً

وفي مؤشر دولي بالغ الأهمية، أصدرت الحكومة الصينية تعليمات عاجلة لرعاياها بمغادرة كيان الإحتلال الإسرائيلي فوراً، باستخدام المعابر الحدودية، في خطوة تعكس إدراكاً عالمياً متزايداً لاحتمال تصاعد الحرب إلى مواجهة إقليمية كبرى. هذه الدعوة لا تُقرأ فقط كإجراء احترازي، بل كتعبير عن تقييم استخباراتي دولي لوضعٍ بات يخرج عن نطاق السيطرة، ولقناعة بأن التصعيد الأمريكي ـــ الإسرائيلي قد يتجاوز الحدود التقليدية لحرب محدودة.

تاسعاً: تحذيرات أميركية لرعاياها واستنفار إقليمي

أصدرت وزارة الخارجية الأمريكية تحذيرات لرعاياها في كيان الإحتلال الإسرائيلي والأردن ولبنان والعراق، دعتهم فيها إلى الابتعاد عن التجمعات والمنشآت الأميركية، والبقاء في أماكن محصنة. في الوقت ذاته، رفعت حالة التأهب في قواعد أميركية بمنطقة الخليج، وسط مؤشرات على أن أي تهديد أو استهداف للقوات الأميركية سيُقابل برد مباشر وسريع.

عاشراً: الخيار الدبلوماسي الأمريكي: مناورة سياسية تمهد لعدوان جديد؟
تزايد التصريحات الأمريكية التي تتحدث عن الخيار الدبلوماسي باعتباره الخيار المرجح على ما عداه، وعن مساعٍ لعقد لقاء مرتقب بين ويتيكوف وعراقجي نهاية الأسبوع الجاري، بهدف بحث إمكانية التوصل إلى إتفاق حول البرنامج النووي الإيراني، إضافة إلى جهود وقف إطلاق النار بين إيران وكيان الإحتلال الإسرائيلي. غير أن هذه التصريحات تثير الشكوك، إذ تُذكّر بتصريحات مشابهة أطلقها الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب قبيل العدوان الإسرائيلي على إيران. آنذاك، تزامنت تلك التصريحات مع الاعلان عن إنعقاد الجولة السادسة من المفاوضات الأمريكية الإيرانية في مسقط، والتي لم تنعقد بفعل بدء العدوان الإسرائيلي على إيران. لذا، فإن جدية التصريحات الحالية تُطرح حولها تساؤلات بشأن نوايا واشنطن الحقيقية وما إذا كانت تسعى لحلّ فعلي أم مجرد خديعة جديدة لإيران.

ختاماً، تتضافر هذه المؤشرات لتؤكد أن الولايات المتحدة الأمريكية تتهيأ للدخول في الحرب الإسرائيلية على إيران، كطرف مشارك وفاعل، فالانتقال من مرحلة التحذير إلى مرحلة المشاركة الفعلية، ومن الدعم إلى المشاركة العسكرية الميدانية، يرسم ملامح مواجهة إقليمية أوسع، قد تكون نتائجها خارج حدود التوقع، خاصة في ظل غياب أي مبادرة دبلوماسية دولية قادرة على احتواء التصعيد.
ما لم يحدث اختراق مفاجئ في مسار التهدئة، فإن العالم يقف اليوم أمام لحظة مفصلية قد تعيد رسم خرائط النفوذ والقوة في الشرق الأوسط لعقود قادمة.
رئيس معهد وورلد فيو للعلاقات الدولية والدبلوماسية