د. طارق ليساوي: الذكاء الإصطناعي والذكاء البشري ..

د. طارق ليساوي
أشرت في مقال “الكنز الإستراتيجي في العصر الرقمي..” إلى أن الانتقال الرقمي ليس مجرد كلمات و شعارات للتداول، و إنما عمل جبار ينبغي ان تحشد له الكفاءات و الموارد ..فساحة المعركة الرقمية من بين أخطر الجبهات و أكثرها فتكا و خطرا ..فالمعطيات الشخصية كأرقام البطائق الوطنية و أرقام الحسابات البنكية وأرقام التسجيل و الايميلات و غيرها من البيانات الشخصية ، بمثابة كنز استراتيجي يتنافس عليه الجميع بما في ذلك الشركات المالكة للمنصات الرقمية الكبرى ك تويتر و الفايسبوك و تيك توك و غيرها، فهي لم تترك خدماتها مجانية إلا لأنها تعلم مدى أهمية و ربحية بيانات زبنائها فهم سلعتها الأساسية..
خوارزميات خارقة
و في خضم هذا الجدل شاءت الأقدار أن أطلع على بيان لإحدى الجامعات المغربية ، و التي نجحت في إحداث نظرية جديدة ، لا يستطيع الذكاء الإصطناعي أو البشري فك خوارزمياتها الخارقة، و جاء في بيان الجامعة المولى إسماعيل بمدينة مكناس الذي نشر للعموم و إجتاح وسائط التواصل الإجتماعي ، أن الجامعة تقرر توقيف الدراسة وإغلاق جميع مرافق كليات مكناس لمدة 3 أيام لمنع تنظيــم نشــاط طــلابي ..كما أعلنت الجامعة عن رفضها الترخيص لنشاط طُلب تنظيمه داخل بعض مؤسساتها أيام 14 و15 و16 أبريل 2025، معتبرة أنه “غير مؤطر وغير مرخص”..و المهم في البلاغ الرسمي ” أن القرار اتُّخذ حفاظًا على مصلحة الطلبة وسلامة التحصيل العلمي والأكاديمي، ولضمان استقرار الأجواء داخل المؤسسات الجامعية، خاصةً بعد مناقشة تداعيات النشاط مع رؤساء المؤسسات المعنية..”..فالجامعة تقرر توقيف الدراسة ثلاثة أيام نتيجة نشاط طلابي.. لكن إغلاق أبواب المؤسسات التعليمية هدفه تحقيق المصلحة العليا للطلاب ..
نظرية سفسطائية
يبدو أن تعليمي و ذكائي محدود و لم يرقى بعد لفهم حيثيات النظرية السفسطائية، فالمصلحة المعقولة و المقبولة منع النشاط الطلابي بغرض منع الاضرار بالسير العادي للعملية التعليمية… بمعنى ان النشاط الطلابي غير مرحب به ، و يبدو ان له علاقة بالتضامن مع غزة و مناهضة التطبيع ، بعض طلابنا رأسهم قاسح .. لو اختاروا نشاط له صلة بالشطيح و الرديح لتم فتح الابواب إلى منتصف الليل .. !! لا اعلم لماذا بعض طلابنا لا يحترمون السياسات العليا..و بالتالي يضعون بعض المسؤولين في مواقف اقل ما يقال عنها أنها غير مفهومة ..
تطلعات خبزية
للأسف في عصر الذكاء الإصطناعي و التنافس الرقمي بل الصراع على الفضاء ، نجد أن بعض من يشرفون على إدارة جامعاتنا التي لا تجد لها وجودا و حضورا ضمن مؤشر الجودة بشهادة مؤشر شانغهاي و غيره من المؤشرات ، جامعاتنا لا تنتج في الغالب النظريات و لكن يترجمونها و يقتبسونها ، و حتى قطاع واسع من طلبتنا -و دون تعميم- ، لكن ما أراه بعيني و بالممارسة يدفعني إلى الجزم بأن قطاع واسع من الطلبة لهم طموحات خبزية و في أحسن الأحوال” أيفونية”، و همومهم لا تصل في الغالب لغزة و معاناتها ..
اللهم فئة قليلة لا أخفي إعجابي بها و أدعم نضالها و تعجبني مواقفها ، لأني أرى أنها الخميرة التي تحمل بذرة التغيير و الإصلاح و يمكن الاعتماد عليها في بناء مستقبل أفضل ، و للأسف هذه الفئة المنع يكفي لإطفاء شعلة نضالها النبيل خاصة في ظل انحدار عام ينذر بأن القادم لا يبشر بخير ..
فضائح مجانية
غاية هذه السطور هو التنبيه لخطورة الوضع ، فإذا ابتليتم فستتروا ، و لهؤلاء الذين يصنعون فضائح مجانية ، شاوروا العقلاء فالبلاد حبلى بهم ، و لن يبخلوا عليكم بالنصح حبا لله و الوطن و الشعب ، شخصيا لن أبخل في المساعدة في إيجاد الحلول إذا رأيت ضرورة.. فطلبتنا أولاد ناس و خاصة من أصيبوا بجينات” العدوى الغزاوية” ، هؤلاء يتمتعون بخلق و شهامة و نبل و قد رأينا مظاهرة ٦ أبريل بالرباط مظاهرة مليونية لم تترك ورقة و لا قنينة في الشارع عكس مظاهرات “ولد زروال” غفر لوالده زوال ..
مفارقات بنيوية
شخصيا أجد صعوبة نفسية و أخلاقية في تناول هذه الأخبار الفضائحية ، لكن للأسف المغرب أصبح ترند في قضايا حصرية بامتياز ، لن تجد في بلد من بلدان العالم عبارة مثل ” طحن مو”، لن تجد حادثة مثل حادثة الطفل ريان ، بلد يحول جبلا لينقد طفلا في بئر جاف و في الأخير خرج الطفل ميت رحمه الله ..لن تجد بلدا تضامن شعبه في سويعات مع ضحايا زلزال الحوز و تم حشد الموارد بيسر ، و مع ذلك لا زال بعض الضحايا يعيشون في الخيام، بل من يدافع عن حقوقهم يزج به في السجن ، لن تجد بلدا لا يتوفر على مستشفيات في المستوى، و مع ذلك يتوسع في بناء منشئات رياضية بأرقام فلكية لتنظيم تظاهرات رياضية لا تنتج ثروة و لا تنقص فقرا ..
لن تجد حكومة كل المؤشرات تؤكد أن سياساتها كارثية، و مع ذلك تصف نفسها بأنها حكومة الانجازات و تحلم بأن تكون حكومة المونديال .. صراحة المغرب علامة مسجلة ، و لا تفهموا كلامي بأنه نظرة سلبية ، على العكس شعب المغرب له جينات خاصة ، جينات أخرجت إبتهال و عبد العزيز القاضي و صناع ملحمة أمستردام ، و صناع المسيرات الشعبية التي لم تقف منذ ٧ أكتوبر٢٠٢٣ ..
الذكاء الإصطناعي
رسالة أخوية لبعض صناع القرار، لا تنسوا بأننا في عالم متحول يتطور بسرعة فرط صوتية، و دخل عصر الذكاء الإصطناعي ، فإذا كان ذكاءكم لا يسعفكم في إيجاد حلول معقولة و مقبولة، فاستعينوا بالذكاء الإصطناعي و لا أنصحكم بالذكاء الإصطناعي الصيني فهو يتماشى مع السيكولوجية الصينية و ينسجم مع سياسات الحزب الشيوعي الصيني ..المهم لا ضير حتى إن قمتم بتقليد سياسات الحزب الشيوعي الصيني، لكن شريطة تحقيق نفس الأداء الاقتصادي و الاجتماعي و التكنولوجي الذي تحقق في الصين التي جننت أمريكا و مراكزها البحثية و قادتها ..
دعم غزة
و سأترك بيان جامعة مكناس جانبا و أرحل بالقراء للجواب على سؤال غالبا ما يواجهني من بعض الفضلاء ، و محور السؤال ما السبيل لدعم إخوتنا في غزة ..؟! و الواقع ان غزة و اهلها في حاجة إلى دعم متعدد و متنوع و على اكثر من صعيد ..و من مداخل الدعم بل و أهمها دعم السردية الفلسطينية و دعم الاعلام المقاوم و المناهض للتطبيع و التضبيع..
الإعلام المقاوم
لذلك، نأمل من احرار الوطن العربي و الأحرار عموما في مشارق الأرض و مغاربها ، دعم الاعلام الحر الداعم لقضايا الأمة، فالإعلام مكلف جدا ، و لا يعلم حقيقة الأمر إلا من دخل غمار هذا القطاع و تحمل أعباءه الثقيلة معنويا و ماليا ، فضمان استمرار مقاولة إعلامية يتطلب موارد مالية ضخمة و هذا فضلا على ضغط نفسي مزمن، فالكلمة و الدفاع عن الحق و المبدأ يخلق لك اعداء كثر ..
و للحفاظ على الموضوعية و الحياد تعتمد المؤسسات الإعلامية على الإشهار ، لكن حتى هذا المصدر أصبح محدود الأثر في ظل ظهور منافسين جدد و على رأسهم مواقع التواصل الاجتماعي ..
راي اليوم
جريدة راي اليوم التي أكتب بها منذ يوم النشأة و قبل ذلك كنت أكتب بالقدس العربي عندما كانت رئاسة تحريرها بيد الزميل و الصديق عبد الباري عطوان، و عندما أسس رأي اليوم كنت من أوائل الكتاب الذين ركبوا معه السفينة و قبلوا الإبحار في هذا الفضاء الاعلامي العابر للحدود ..
أتمنى من القراء الأفاضل دعم الجريدة بالتصفح وبكل الوسائل الممكنة، ودعم كل الصحف التي تحمل هم الناس وهموم الأمة وقضاياها المصيرية، فخسارة مثل هذا المنابر خسارة لنا جميعا، وعلينا أن ندعم الشرفاء حتى يستمروا، فحجم الضغوط التي تمارس على ملاك و أصحاب المؤسسات الإعلامية كبير جدا، الغالبية تبيع نفسها في أول فرصة، لكن قلة من الأحرار والشرفاء يناضلون و يقامون في ساحة معركة من أهم الساحات و اخطرها في العصر الرقمي.. والله غالب على أمره و لكن أكثر الناس لا يعلمون ..
كاتب وأستاذ جامعي من المغرب