رشاد فلاح الرقيشي: عن الثورات التي لم تندلع: عن القهر المؤدب في مجتمعاتنا

رشاد فلاح الرقيشي: عن الثورات التي لم تندلع: عن القهر المؤدب في مجتمعاتنا

 

 

رشاد فلاح الرقيشي
“المؤدب” قهرنا نحن
نحنُ لا نحطم الطاولات، نحن نجيد مسحها فقط
نحن لا نصرخُ في وجه الظالم ، لأننا نحترم الكبير -وإن سرق خبزنا وعيشنا-
نحن
لا
نثور
لأن في مجتمعاتنا تُخنق الثورات مبكرًا (قبل ولادتها)
لا نحتاج لسجون كثيرة ، يكفينا الأمثال الشعبية:
“مد رجلك على قد لحافك”
“اصبر ما بعد الضيق الا الفرج”
واللي ما يعرف الصقر؟ يشويه!
هكذا بهذه الأمثال العربية الكثيرة يتم تخدير الشعوب نفسيًا منذ الصغر ، هكذا يكبر الطفل وهو يبتسم عندما يُصفع ، ويشكر الصافع على دقة الصفعة، أن تكبر وأنت تحترق ، أن تقول الحمدلله وأنت لا تملك حتى أبسط مقومات الحياة الطبيعية لأي انسان، أستاذي الفقير لا تُقاوم، لا تخلق المشاكل وكن صبورًا، وما المشكلة في الصبر؟ عامين، عشرون عامًا أو مائة لا فرق، كن صبورًا.
القهر المملوء بالدموع
المميز في قهر أوطاننا أنه قهر خجول ، قهر لا يركلك بشكل مباشر ولا يهينك بالكامل، قهرنا يا سادة قهرٌ مميز
أن تذهب للعمل في السادسة صباحًا وانت تعلم يقينًا أن راتبك لا يكفي.. وتبتسم..
قهرنا يا سادة، أن تعلم أن مسؤولك في العمل لا يملك حتى شهادة الثانوية، هو المسؤول لأنه ” ابن فلان الفلاني” وتصمت ولا يحق لك أن تعترض، ومن أنت حتى تعترض من الأساس!.
هو أن تُقنع نفسك أن العدالة غير موجودة في كل مكان فتتوقف عن المطالبة بحقوقك.
نحن يا سادة لا نثور ، لأننا محترمون ونحترم قهرنا ونقدسه أكثر من احترامنا لنفسنا.
جيل الهزيمة “المتفائل”
اول مرة سمعت بمصطلح “جيل الهزيمة” هو عندما قرأت عن حرب الأيام الستة أو كما اطلق عليها في ما بعد “نكسة حزيران” والحقيقة لم تكن تلك نكسة ، كانت هزيمة بكل ما تعنيه الهزيمة من معنى ، هزيمة عسكرية اقتصادية نفسية اعلامية وقومية!. على أية حال..
نحنُ جيل يعلق على الحائط والمكتبات ملصقات متفائلة وعبارات رنانة “الأمل اقوى من الألم” بينما يتشكل الأمل كل يوم على شكل حبل مشنقة حول أعناقنا ، نضحك كثيرًا ، نحب الضحك وننشر “الميمز” عن الفساد والحروب التي خسرناها وغلاء المعيشة ونضحك،نضحك كثيرًا..
ونسخر من انقطاع الكربهاء ونتنافس حول عدد ساعات الانقطاع اليومية -هناك تنافس عنيف ويقسم صديقي العراقي انهم في الصدراة حاليًا- ، نضحك من تعليمنا المتهالك ولكننا فالحقيقة لا نضحك .. بالتأكيد نضحك ولكن الضحك بالنسبة لنا ليس الا وسيلة دفاعية وكأنه درعنا الذي يبقينا على قيد الحياة، نغلف الألم والخيبات “بالأمل” لأن الثورة تتطلب وضوحًا،لأن الثورة تتطلب جدية ونحن نخاف من الوضوح أكثر من خوفنا من القمع.
وكما يقول ابن خلدون في المقدمة :” اذا رأيت اكثر الناس تكثر الكلام المضحك وقت الكوارث فاعلم ان الفقر قد اقبع عليهم وهم قوم بهم غفلة ومهانة كمن يساق للموت وهو مخمور”
ثوراتنا المؤجلة.. الى اجلٍ غير معلوم
كلما يصفعنا حدث جديد في منطقتنا، كلما يهزنا ظلم جديد نقول:”الناس بدأت تصحى”
ثم..
لا شيء على الاطلاق، نحن لا نصحو بل كمن يتقلب اثناء نومه، سمعت تشبيه دقيق عن المواطن العربي يومًا : المواطن العربي مثل حبوب الفيتامين سي، يثور في البداية ويصدر ضجيج ولكن سرعان ما يهدأ ويعود على طبيعته”
نُحب فكرة الثورة لكننا نكره متاعبها
نُحب صور الثوار ونعلقها في كل مكان لكننا لا نريد من أبنائنا أن يكونوا ذلك الثائر ولا نريد أن نكونه.
 نريد التغيير الذي لا يجعلنا نخسر شيئًا في الطريق اليه.
قهرنا المؤدب: نظام اجتماعي متكامل الاركان
في مدارسنا، لا يُعلم الطفل كيف يطرح الاسئلة بل كيف يسكت ويُلقن المعلومة تلقينًا.
في بيوتنا،لا نربي الطفل كيف يكون حرًا، بل كيف يكون “مؤدبًا”.
وفي اعلامنا المميز، لا تُطرح الاسئلة بل تنثر تبريرات واعذار.
فلا عجب أن لا يحدث تغيير ، كيف يثور من لم يُسمح له أن يقول “لا”
كيف يرفض من تم تربيته على أن الطاعة المطلقة فضيلة مقدسة!
النهاية التي لا تنتهي
ثورات اليوم لا تُقمع بالرصاص والدبابات، تُقمع بالنكتة،بالأمثال،بالتطبيع مع الظلم،بالتكبير في وجه الظلم من بدل مقاومته.
يقولون اننا طيبيون واقول” لسنا طيبين نحن “خائفون”.. لسنا صبورين نحن “محبطون”.. ولسنا قنوعين نحن فقط تعبنا الرفض.
لكن
لكن المجانين وحدهم من يغيرون العالم كما يقول كنفاني
وأحيانًا..نحتاج مجنونًا واحدًا يصرخ في الزحام ولا يخجل من الحقيقة، نحتاج واحدًا لا يربت الكتف بل يكسرها إن لزم الأمر، واحد لا ينزل رأسه وقت الظلم بل يشتم ويقاوم ويرفض.
نحتاج هذا الواحد لا ليثور، بل ليذكرنا أن الثورة ممكنة وأن الرفض ممكن وأن الحقيقة تحتاج القليل من الشجاعة فقط.
نحتاجه لنتذكر أننا لسنا مجرد ارقامًا في سجلات الطاعة ولسنا ديكور في بيت السلطة، من الوطن؟
– نحن الوطن.
لعله يأتي
لعلَّه فينا مختبئًا تحت أكوام “الصبر”
لعلَّهُ يأتي..

كاتب عُماني