محمد مجاهد: الطابو في السينما من الحرية  إلى الرقابة

محمد مجاهد: الطابو في السينما من الحرية  إلى الرقابة

 

محمد مجاهد
إن الموضوع الذي سأناقشه في هذا المقال انطلاقا من العنوان أعلاه: “السينما و الطابو بين الجرأة والرقابة” يبدو لأول وهلة أنه مركب من عناصر متعددة و مختلفة، إلا أنه مع بداية تأمله، يظهر جليا أنه موضوع متصل الحلقات و محكم ربط المضامين. يحاول الإجابة على سؤال يشغل بال الكثير من الجمهور، فيما تعلق بالطابو داخل السينما. أحاول إلى حد كبير طرح الإشكال: إلى أي حد تستطيع المعارف العلمية، الأدبية والفنية أن تسهم في توفير الطمأنة النفسية والاستقرار الملموس والمحسوس للفن عامة والسينما خاصة داخل المجتمع بأفراده و جماعاته بكل الفئات العمرية؟ هذا ما أجاب عنه و ناقشه الموضوع، مسلطا الضوء على السينما في علاقتها بالواقع، و ما يمكن أن ينتج عنه في نقله المباشر للناس بحذر و بغيره.
 تنطلق السينما في اشتغالها من تعريفها الشمولي، مستغلا الممارس من خلالها كل ما يرتبط بالحياة الإنسانية، طالما هي نفسها حياة ثانية يمكن أن يعيش فيها الممارس و المتلقي بكل الجوارح و الأحاسيس. السينما إذن لا يمكن عزلها عن مشمول مظاهر و ظواهر وحالات العيش عند الناس، وقد توصلت المجتمعات: أشخاصا و إدارات إلى دورها الفعال في المساهمة في التطور و التقدم، خاصة وأنها تساير هذا التطور العلمي والتكنولوجي السريع في صناعتها، وأصبح الجميع يدافع عن الصورة لكونها مصدرا للمعرفة وسبيلا للتعلم و قاعدة للتكوين و التكوين المستمر، كما شاركت بشكل ملحوظ وإيجابي في إبراز مرايا الشعوب و الأمم، مؤكدة تدخلها المباشر في بث القيم الإنسانية و زرع التعايش و السلام و نبذ التطرف والشتات.
ومن إيجابيات السينما كذلك أنها لعبت دورا مهما في الانتصار للقضايا العادلة و الدعوة إلى الاتحاد والتضامن، كما احتفلت بانتصار الحروب، و في معادلة موازية هي تنتصر لانتصار المنتصر، و تفضح فداحة الحرب لدى المنهزم و أثرها في نشر الفقر والمرض والموت، إذ هي بذلك تنتصر لنبذ الحرب و العنف و كل ما يعود سلبا على الإنسانية. هذا هو الهدف النبيل التي جعلت من أجله السينما و الذي ندعو الممارس إلى ثقفيه خطوة خطوه داخل مساحتها الحياتية الشاملة.
تبقى السينما ذلك المجال الفني الذي ينمو باشتغال اليد الإنسانية، لذلك وجب على هذا الأخير أن يعرف كيف يستغلها لصالحه لكي يحقق نجاحاته السليمة، إن على المستوى الفردي أو الجماعي، و ليس كل شهرة نجاحا، و ليس كل ربح نجاحا، و ليس كل تفرد في تملك المنظومة السينمائية نجاحا كما ليس كل حرية شخصية في إبرازها للآخر نجاحا، و ليس كل معتقد ديني أو غيره من المبادئ السياسية و الإيديولوجيات الفكرية المتعددة في فرضها على الأشخاص نجاحا. كل مجالات التعامل الإنساني تقتضي الحذر في مواجهة الآخر و التعامل معه، و تجعل ميزانا يقنن كل معاملاتها بعيدا عما يمكنه الإخلال بها والسقوط بها في سلة اللامرغوب / أو الممنوع. يتشكل هذا الميزان من معايير احترام الآخر وفق ضوابط مجتمعه الدينية، القانونية و العرفية. و بما أن السينما تخاطب الأمم و المجتمعات يجب على الممارس فيها أن يتماشى وفق كل هذه الضوابط المتغيرة من مجتمع لآخر، غير أن هذا لا يمنع من اجتهاد الإبداع، بل هو مقياس إبداع الفنان الممارس.
السينما حياة ثانية بكل عناصرها : الحدث، الشخصية و إطارها الزمكاني و هي بذلك أكثر من أن تكون لغة، و لا يمكن تقزيم هدفها في كونها مجالا للتعبير أمارس فيه حريتي أو ما تعلق بحياتي أو حتى ما أعتنقه كمبدأ شخصي أو فئوي. و لكن يجب أن أتوجه لدى الآخر بما يرضي ذوقه في تقبل خطابي، أما أن أخاطبه لكي يمتعض مني و أخلق داخل محيطه خجلا فسأكون عارضت المقولة : ” تنتهي حريتك حينما تبدأ حرية الآخرين” قالها الفيلسوف الفرنسي جان جاك روسو و مقولة : ” حقك في تحريك قبضتك ينتهي عند أنف الشخص الآخر” مقولة أمريكية، و هنا تكمن حرية التعبير الحقيقية. و طالما السينما مجال خصب للإبداع بكل أنواعه، فقد تكبر قيمتي الفنية كلما أبدعت أكثر و خلقت جوا تعبيريا و صورة معبرة و اجتهدت بكل ما أملك لكي أدثر الفاضح/الممنوع لدى المجتمع المعني.
هذا ما يحيلنا على عرض الإشكال : أين يتجلى هذا المشهد الفاضح أو المسكوت عنه أو الممنوع أو بتعبير أقل ما لا يجوز في مجتمعنا ؟. إن الطابو/أو كل ما هو مسكوت عنه أو ما لا يجوز لنا الخوض فيه بالنسبة للفليم المغربي يمكن إجماله كما هو معلوم في الثلاثي : الدين،السياسة،الجنس. إذن الدين طابو، في الحقيقة أن الدين طابو حينما يتعلق الأمر بغير العارف فيه، لأن الدين جاهز بنصه و شرعه و الاجتهاد فيه موكول للعالم فيه دون غيره، وهنا لا يمنع أحد من التطرق لقضايا دينية، في المقابل يجب ألا يتبنى تحريضا أو دعوة أو مناقشة نص مشرع. السياسة طابو و الحقيقة أنني لا أراها كذلك في الفيلم المغربي طالما لا أتبنى قذفا أو قدحا أو إساءة شعاري الوطني: الله الوطن الملك. و يعد القانون مقص رقابة كل من الطابو الديني والسياسي. يبقى الجنس، وهو طابو يطول فيه الحديث، لأنه محمل بما من شأنه الإساءة أكثر للفرد والجماعة، لذلك مقص رقابته بيد المجتمع في غالب الأحيان. لم يكن مرة المشهد المباشر موضع قيمة فنية للعمل السينمائي، كما لم يكن نقل الواقع مبررا سليما، لأن الجميع يدرك أن هذا الواقع هو مستور في واقعه، لا يمارس في العلن فكيف يتوضح في مشهد سينمائي، لهذا نقله الواقعي هو التعبير عنه بما يناسب ستره في واقعه.. و هذا هو السليم في اعتباري المتواضع. إذن الجنس طابو، ليس لأنه ممنوع اعتباطا و لكن لأنه ممنوع بناء على ضوابط مجتمعية / دينية، قانونية وعرفية.
شيء عاد في طرح موضوع الجنس للنقاش داخل السينما بكل حيثياته و حالاته. بل علينا أن نتطرق لتحليل حالات الحب، وعلينا أن نناقش تفشي ظاهرة الحريات الفردية في ربط العلاقات بكل أنواعها، كما علينا أن نتدبر أكثر في العلاقات الإنسانية للرجل والمرأة. هذا من واجب السينما ومن واقع شمولية تعريفها و من كونها كما سلف الذكر حياة أخرى يعيشها الإنسان، لكنه واقع قديم خلق مع الإنسان، و ما يصلنا من حياة أجدادنا و سلفنا سوى الصالح من أفعالهم. تقول الحقيقة إن مراحل الحياة السابقة عرفت حالات من الفساد الجنسي بكل أصنافه الحالية / مما ارتبط في العلاقة بين الرجل و المرأة و بين نفس الجنسين، لكنها لم تكن موضوع علن، بل هي من الأفعال الإنسانية التي تمارس بنوع كبير من السرية بين شخصين،هذا كان سببا مباشرا في عدم تأريخها و إيصالها لنا، لأنها فعلا أفعال سرية لا هدف من مناقشتها إلا من وراء حجاب تحذيرا من مخاطرها و محاولة لإبعاد الناس عن مزاولتها و السقوط في رذيلتها. وفي المقابل كان العقاب ولازال يتعقب كل من أعلن فعله متسببا في إزعاج و إساءة الآخرين. والظاهر هنا أن القانون يعاقب على العلن و التظاهر في الفعل، حيث تتجلى صور الإساءة للآخرين، و كلما كان الفعل سرا، كلما اختفى العقاب باختفاء الفعل المادي الذي هو العلن، لأنه بكل بساطة العلن بالجنس بأصنافه المتعددة مرفوض في كل المجتمعات، ناهيك عن بعض أشكاله و مسمياته الأكثر فظاعة و لا يمكن لعاقل تقبلها، ليس بمرجع ديني فحسب و إنما القاعدة العلمية رفضت أشكالا من الجنس لسلبيات نتائجها على الممارسين في المجتمعات غير الإسلامية. لذلك السينما يجب أن تتفاعل مع سرية هذا المجال الحياتي للناس، و أن تنقله كما هو في الواقع، للأخذ بالعبر و الدروس لا بالدعوة إلى تبنيه.
اللازم أننا في السينما يجب أن نناقش ما يفيد الناس، لا ما يثير حفيظتهم تحت ذريعة حرية الإبداع، إن الأفلام السينمائية المحملة بمشاهد جنسية مثيرة أو تحمل أبعادا تحريضية على تبني مجموعة من الأوصاف، أو الدعوة إلى نشر مفاهيم الحب الخاطئة تقزم جمهورها الواعي، كما تبعد الجمهور المثقف عن مواكبتها و لا تجد لها خانة عند النقاد. و نحن الآن قد نستحضر عناوين عدة: مغربية، عربية و أجنبية هوت في عمق هوة تخلف مواضيع أفلامهم السينمائية الغارقة في المشاهد الساخنة لغة و حدثا، بل أضحى توزيع مصطلحات فاحشة بسبب أو بغيره موضة و وازعا قيميا لابد منه داخل الفيلم، لكن لا تستطيع جلبنا لتناولها بالدراسة و التحليل.لأنها لا تثيرنا و لا تلفت انتباهنا الفني إلا مما تجليه أمامنا من تدن في الموضوع و الإبداع وهو ما ينفرنا عن مواكبتها إن على مستوى القراءة أو التحليل.
و في نفس هذا السياق اجتمع رأي الكثير من الجمهور المتلقي : المشاهد و الناقد، و طرحوا إشكالا مثيرا حول ماهية الإنتاج : لمن و كيف ننتج في ظل وجود هذه الرقابة الموزعة بين القانون و المجتمع ؟ هذا السؤال حضر متنوعا لدى المهتمين، و جاءت الأجوبة متنوعة كذلك بحكم تنوع المقاربات و المشاركة المنتمية إلى مجالات متعددة في الإبداع الفني من المسرح، السينما،و الأدب. و أوضح قلم الجميع أن مناقشة موضوع الطابو في السينما لم تكن مرة اعتباطية و لكن جاءت مركبة عبارة عن أطروحات فنية. وأجاب العديد من مؤيدي هذا الطرح كوننا ننتج كي نرقى بالمجتمع، ثم ننتج كي نفيد المجتمع مشددين على لزوم التساؤل حول طبيعة جدوى أي إنتاج فني بالمجتمع.
مدينة فاس