زيد عيسى العتوم: فارغاس يوسا.. ورحلة الأدب!

زيد عيسى العتوم
“رحيله سيُحزن أقاربه وأصدقاءه والقراء في جميع أنحاء العالم” بهذه الجُمل الحزينة أعلن أبناء الكاتب المعجزة ماريو فارغاس يوسا رحيله الجسدي عن عالمنا هذا, وبعد تسعة وثمانين عاماً من العمر الزاخر بالأدب والمفعم بالفكر والنابض بالثقافة ترجّل الفارس مستسلماً لأقوى الحقائق التي عرفتها البشرية, وبنوبل في الأدب وبالغمام المثقل بثمرات الأعمال الباقية, وبعيون تحمل السلام وبخصل الشيب المنحنية كأمواج بحرٍ مغامرة, وبلا أي مراسمٍ للعزاء وبدموع حائرة لا تعرف مصيرها, سيُحرق جثمانُ من حرق الفساد والظلم والاستبداد بمداد قلمه.
ستتطاير حبّات الرماد وتعوم بحريتها في فضاءٍ من العوالمِ اعتادت احتضانه والتنفس فيه, وستغوص في بحرٍ من الأسرار بأذرعٍ تشبه الكتب المتراصّة فوق رفوفها الخشبية, كيف لتلك الحبّات أن تتلاشى وقد زمجرت أمام الحياة وأشبعت فضول الإنسان في رحلةٍ بعيدةٍ عن الكوارث والآلام والحروب!, وكيف لها أن تُنسى بعد أن وجدت ضالتها بالتربّعِ فوق عروش النفس البشرية وخلف دواخلها الرقيقة!, كانت تلك الحبّات تقاتل من أجل كل شيء لكنها لم تترك كل شيء ولم تذهب بلا شيء.
سأل ذلك الروائي المتفنن بتحريك مشاعر القراء وهزهزة عقولهم عن الحاجة لمواصلة قراءة الأدب, فتحدث عن قدسية ذلك الرابط الأخوي الذي ينشأ ويتجدد بين البشر بسبب الأدب, وكيف أنه يمحي الحواجز التاريخية ويردم الخنادق النفسية بمعول المعرفة والوعي والتحاور, وأخبرنا أن الأدب يُبحر بنا في قاربٍ جميلٍ بين ضفة من حلموا وخططوا واستمتعوا بتلك النصوص الى أرصفةٍ واسعةٍ من التراكم عبر الزمان والمكان, وفي إحدى لحظاته الوجدانية ورحلاته الروحية وقف بالقرب منا جميعاً وابتسامته لا تفارقه, قال لنا: ” لا شيء يحمي الإنسان من غباء الكبرياء والتعصّب والفصل الديني والسياسي والقومي أفضل من الحقيقة التي تظهر في الأدب العظيم, الرجال والنساء من كل الأمم متساوون, والظلم بينهم هو ما يزرع التفرقة والخوف والاستغلال”.
ستحلّق حروف فارغاس بعيداً وبعيداً فوق سماء عاصمته ليما الى شواطىء كل بحرٍ وسفح كل جبلٍ عرفه أو سيعرفه, وبالقرب منها عاطفةُ تتجسد في شكلِ وقوامِ طائرٍ أطلقه محمود درويش في ذكرى من أحبوا, مكتوب على جناحيه ” إن من لا يملك الحب, يخشى الشتاء, والحب مثل الموت وعدٌ لا يُردّ ولا يزول”, وداعاً يا فارغاس….!
كاتب اردني