في “المعمداني”.. إسرائيل تمنحك 15 دقيقة للهروب من صواريخ الموت

في “المعمداني”.. إسرائيل تمنحك 15 دقيقة للهروب من صواريخ الموت

غزة/ محمد ماجد/ الأناضول
لم تغب مشاهد الرعب والفوضى عن أذهان الجرحى والممرضين الذين عاشوا لحظات استهداف المستشفى الأهلي المعمداني في مدينة غزة، بعد تلقي إنذار إخلاء مفاجئ من الجيش الإسرائيلي منتصف ليل السبت/ الأحد.
ففي غضون 15 دقيقة فقط، كان على المرضى والمصابين، بعضهم موصول بأجهزة التنفس، وآخرون داخل غرف العمليات أو عاجزون عن الحركة، أن يغادروا المستشفى تحت التهديد، دون وجود عدد كافٍ من سيارات الإسعاف لنقلهم.
** إنذار الفجر
في مشهد مأساوي، شوهد رجال يحملون جرحاهم على الأكتاف، وأمهات يسندن أبناءهن في الأزقة المظلمة، فيما كانت سماء غزة تشتعل بأضواء الانفجارات.
وفجر الأحد، قصفت مقاتلات إسرائيلية المستشفى المعمداني ما أدى إلى تدمير أحد مبانيه وتضرر واشتعال النيران بعدد من أقسامه ليخرج عن الخدمة.
والمستشفى المعمداني يقع على الأطراف الشمالية لحي الزيتون جنوب مدينة غزة، وتُديره الكنيسة الأسقفية الأنجليكانية في القدس ويعد من أقدم مستشفيات المدينة حيث تأسس عام 1882.
وتحول “المعمداني” إلى أهم مستشفى في مناطق شمال قطاع غزة بعد الدمار الكبير الذي ألحقه الجيش الإسرائيلي بمجمع الشفاء الطبي والمستشفيين الإندونيسي وكمال عدوان خلال حرب الإبادة الجماعية المتواصلة منذ 19 شهرا.
ويستقبل المستشفى يوميا عشرات الإصابات جراء الغارات الإسرائيلية الكثيفة التي يتعرض لها القطاع منذ استئناف إسرائيل حرب الإبادة في 18 مارس/ آذار الماضي.
وقال موسى عياد، المنسق الإداري للمستشفى الأهلي المعمداني، للأناضول: “في منتصف ليل الأحد، تلقينا إنذاراً بإخلاء بعض أقسام المستشفى خلال ربع ساعة، وعلى إثره تم استهدافها”.
وأوضح أنه لم تتوفر سيارات إسعاف كافية لنقل المرضى والمصابين إلى أماكن آمنة، “فاضطر الكثيرون للسير على الأقدام لمسافة تصل إلى 8 كيلومترات، حاملين جرحاهم وألمهم في مشهد يفوق التصور”.
وذكر أن بعض أقسام المستشفى تم إخلاؤها فور تلقي الإنذار، في حين بقيت أقسام أخرى تضم مرضى، لم يشملها الإنذار.
وأوضح أن “الاستهداف طال مبنى المختبرات والعيادات الطبية الخارجية ومحطة الإسعاف، وألحق أضراراً بقسم الطوارئ، والصيدلية، وقسم الأشعة، وبنك الدم”، مشيراً إلى أن المستشفى توقف عن العمل، وأن الطواقم تحاول إعادة تشغيله.
والاثنين، قالت المتحدثة باسم منظمة الصحة العالمية مارغريت هاريس، إن الحصار الإسرائيلي يحول دون صيانة مستشفى الأهلي المعمداني في قطاع غزة، الذي بات خارج الخدمة بسبب القصف الأخير عليه.
وردا على سؤال لمراسل الأناضول، أفادت هاريس في جواب خطي حول المستجدات في المستشفى ووضع المرضى والطاقم الطبي، أن 40 مريضا حالتهم “حرجة”، ليس بالإمكان نقلهم إلى مستشفى آخر، وبقي بعض أفراد الطاقم الطبي لرعايتهم.
وأضافت: “الأضرار التي لحقت بالمستشفى واسعة النطاق لدرجة أنه لم يعد بالإمكان تقديم أي خدمات أو استقبال مرضى جدد”.
** جريمة كبرى
أما الجريح محمد أبو ناصر، فاستحضر لحظات القصف والإنذار قائلا: “كنا في قسم الجرحى داخل المبنى، وفجأة جاء إنذار الإخلاء”.
ووصف الجريح ما حصل بـ”الجريمة الكبرى”.
وأشار إلى أن القصف أدى لدمار هائل في المستشفى، حيث وقع الاستهداف عند الساعة الواحدة فجراً تقريبا، وكان المرضى يخرجون إلى الشوارع، بعضهم عاجز عن المشي، لافتا إلى وفاة طفل جريح بعد إخراجه من المستشفى.
وأوضح أن لحظة القصف كانت مرعبة، ولم يكن يعرف ما الذي سيحدث لهم.
وقال: “المستشفى خرجت عن الخدمة، ولا مكان آمن في غزة”.
** هروب جماعي
في زاوية أخرى من المبنى، كان أحد المصابين داخل قسم لم يشمله التحذير، لكن صرخات الأطفال والجرحى، وصوت الانفجارات، كانت كافية لتحوله إلى شاهد على الجريمة.
وقال المصاب الذي لم يذكر اسمه، للأناضول: “عندما جاء التهديد كنا نائمين، وفجأة بدأ الناس يهربون وبعضهم كانوا على أسرتهم”.
وأضاف: “لم يكن معي كرسي ولا عكاز بقيت في مكاني داخل القسم”.
ولفت إلى أنه لم يتخيل أن يقصف المستشفى، “هذه المنشأة كانت الوحيدة التي لا تزال تعمل في شمال غزة، فيما المستشفيات الأخرى تقدم خدمات بسيطة”.
** صراخ في كل مكان
في شهادة مؤلمة، قالت فلسطينية كانت برفقة ثلاث فتيات جريحات داخل مستشفى المعمداني: “كنا موجودات في مستشفى المعمداني، فجأة سمعنا صوت صراخ، فأخذنا سريرا وبدأنا نركض في الشارع لا نعلم إلى أين نذهب، وخرجنا بسرعة، ثم جرى استهداف المستشفى”.
وتابعت للأناضول: “كانت المصابات يصرخن: احملونا، لا تتركونا حملنا طفلة ووضعناها على سرير شقيقتها وركضنا بها وسط الشارع”.
وأضافت: “المشهد كان مرعبا، والمصابات يصرخن ولا أحد يساعدنا، كنا نقول: نحن متنا. الركام والحجارة في كل مكان. نناشد الناس أن يساعدونا”.
وأشارت إلى أن إحدى الفتيات كانت تعاني من نزيف شديد وكانت بحاجة ماسة لرعاية طبية، وقالت: “الحمد لله تم إنقاذها، وحالتها استقرت”.
وأضافت: “الفتيات المصابات في أرجلهن يتألمن، وكل حركة تسبب صراخهن”.
وأردفت: “إحدى الفتيات ظلت تسأل: متى سأمشي على قدمي؟ ما ذنبي؟ حرام على الدول العربية”.
وتابعت: “هؤلاء الفتيات فقدن بيوتهن، وفقدن شقيقهن، ولم يعد لديهن أمل حتى بالوقوف على أرجلهن مجددا”.
** خوف ورعب
وفي شهادة لطفلة كانت تتلقى العلاج داخل المستشفى، قالت للأناضول: “بقينا في المستشفى، وفجأة بدأ الجميع يهرب، تركونا فخرجنا إلى الشارع ولم نعرف إلى أين نذهب”.
وتابعت: “الجميع نزح، ونحن بقينا في الشارع نبكي، وكان الموقف كله خوف ورعب”.
وحسب المكتب الإعلامي الحكومي في غزة، استهدف الجيش الإسرائيلي 36 مستشفى بالقصف أو الحرق أو التدمير، أو تسبب في إخراجها عن الخدمة، وذلك ضمن جريمة الإبادة الجماعية المتواصلة ضد قطاع غزة للشهر الـ19.
وبدعم أمريكي مطلق، تواصل إسرائيل منذ 7 أكتوبر/ تشرين الأول 2023 ارتكاب إبادة جماعية في غزة، أسفرت عن نحو 167 ألف شهيد وجريح من الفلسطينيين، معظمهم من النساء والأطفال، بالإضافة إلى أكثر من 11 ألف مفقود.