ترامب: من قانون الضرائب في 2017 إلى الرسوم الجمركية في 2025.. هل هي محاولات لإثبات الذات والسيطرة أم قرارات متخبطة تُهدد استقرار الاقتصاد العالمي؟

ترامب: من قانون الضرائب في 2017 إلى الرسوم الجمركية في 2025.. هل هي محاولات لإثبات الذات والسيطرة أم قرارات متخبطة تُهدد استقرار الاقتصاد العالمي؟

عمان ـ “راي اليوم” – إسراء عبيدات:

منذ لحظة ترشحه وحتى وصوله إلى البيت الأبيض، لم يكن دونالد ترامب رئيسًا تقليديًا. لم يشبه من سبقوه، لا في خطابه ولا في قراراته. كان رجلاً مثيرًا للجدل منذ اللحظة الأولى، يطلق قرارات لا توحي بالمسؤولية، ينسحب من معاهدات دولية، ويقلب موازين الاقتصاد العالمي بقرارات غير مدروسة، وكأنه في استعراضٍ دائم لا يرى فيه العواقب، بل يتعامل مع المنصب كفرصة لتأكيد ذاته… لا أكثر.
في إحدى أبرز قراراته، جاءت سياساته الضريبية والجمركية لتضرب أعماق الاقتصاد العالمي، فلم تترك زاوية اقتصادية أو دولة أو شركة كبرى إلا وتركت أثرها فيها. وفي زمنٍ أنهكته الحروب السياسية وجائحة كورونا، جاء ترامب ليضيف مزيدًا من النار إلى مشهد عالمي متأجج أصلًا.
ومن أبرز تحركاته أيضًا، فرض رسوم جمركية على مئات المليارات من الدولارات من الواردات، خاصة من الصين، في ما عُرف لاحقًا بـ”الحرب التجارية”. بدأت هذه الحرب بفرض رسوم على الصلب والألومنيوم، وتوسعت لتشمل مئات المنتجات التكنولوجية والزراعية. الهدف المعلن كان حماية الصناعة الأمريكية، لكن النتيجة كانت ارتفاع أسعار السلع على المستهلك الأمريكي، وتوتر العلاقات مع شركاء اقتصاديين كبار مثل الاتحاد الأوروبي وكندا والمكسيك. كما ردّت الصين بإجراءات مماثلة.
فهل كان هذا الرئيس يسعى فعلًا لتثبيت رؤية اقتصادية جديدة؟ أم أنه ببساطة… أراد فقط أن يُسمع صوته عاليًا، مهما كان الثمن؟

قانون ترامب الضريبي لعام 2017

 

قانون الضرائب الذي أقرّه ترامب عام 2017 كان منحازًا للأثرياء، مكلفًا، وفشل في تحقيق وعوده.
في عام 2017، مرّر ترامب قانون “Tax Cuts and Jobs Act” الذي تم الترويج له كأكبر إصلاح ضريبي منذ عهد ريغان، والذي كان يهدف إلى تحفيز النمو الاقتصادي وخلق وظائف. لكن الحقيقة أن هذا القانون كان أكثر فائدة للشركات الكبرى والأثرياء، حيث تم خفض الضرائب على الشركات من 35% إلى 21%، ما أدى إلى أرباح ضخمة لبعض الشركات مثل Apple وAmazon، لكن دون أي تحسن كبير في التوظيف أو الأجور. غالبية الأموال ذهبت إلى إعادة شراء الأسهم، مما عزز قيمة الشركات على حساب الاقتصاد الحقيقي.
على الرغم من أنه تم الترويج للقانون على أنه يعزز الطبقات المتوسطة، لم تكن الفوائد ملموسة بالنسبة للمواطن العادي. ففي الواقع، تمتع الأثرياء بنصيب الأسد من التخفيضات، بينما كانت الحوافز للأفراد محدودة ومؤقتة. ومن ناحية أخرى، أظهرت الدراسات أن الطبقات الدنيا والمتوسطة كانت عرضة لزيادة العبء الضريبي في المستقبل.
في النهاية، كانت هذه التخفيضات بمثابة أداة سياسية أكثر منها خطة اقتصادية مدروسة، حيث استفاد منها بشكل أساسي المالكون الكبار، بينما ظل المواطن الأمريكي العادي خارج دائرة الفوائد الحقيقية.

التعريفات الجمركية: تأثيرها وكيفية عملها

 

التعريفات الجمركية هي ضرائب تُفرض على السلع المستوردة، وعادةً ما تكون بنسبة مئوية من قيمة المنتج. على سبيل المثال، الرسوم بنسبة 10% تعني أن منتجًا بسعر 10 دولارات سيصبح 11 دولارًا. أما الرسوم العالية مثل 145% على بعض السلع الصينية، فترتفع التكلفة إلى 24.50 دولارًا. تدفع الشركات الرسوم وتُحمل جزءًا منها أحيانًا للمستهلك.

 

 

الأهداف المعلنة من الرسوم الجمركية التي فرضها ترامب

 

بين ليلةٍ وضحاها، قرر دونالد ترامب أن يقلب موازين الاقتصاد العالمي بجرة قلم، فارضًا رسومًا جمركية وصلت إلى 145% على البضائع الصينية، وردّت بكين برسوم 125% على المنتجات الأمريكية. ولم يكتفِ بذلك، بل فرض ضريبة بنسبة 10% على واردات معظم دول العالم، مع تعليق مؤقت لرسوم أعلى على بعض الدول… كل ذلك بينما يبدو أن ما يهم ترامب ليس الاقتصاد بقدر ما هو فرض رأيه وإبراز سلطته.

ترامب اختبأ خلف شعارات براقة ادّعى أنها تخدم الاقتصاد الأمريكي، مثل:

تشجيع شراء المنتجات المحلية بجعل المستوردات أكثر تكلفة.

حماية الصناعات الوطنية وتوفير فرص عمل للأمريكيين.

رفع إيرادات الدولة من خلال الرسوم المفروضة.

تقليص العجز التجاري خاصة مع الصين.

وممارسة الضغط السياسي على دول مثل المكسيك وكندا والصين لوقف الهجرة غير الشرعية وتجارة المخدرات.

لكن الواقع يُظهر أن هذه السياسات، وإن بدت حازمة، أدخلت الاقتصاد العالمي في حالة من الفوضى، ورفعت الأسعار، وأثارت جدلاً داخليًا وخارجيًا.

 

ردود فعل دولية غاضبة على رسوم ترامب الجمركية

 

أثار قرار الرئيس الأميركي دونالد ترامب بفرض رسوم جمركية شاملة على واردات عدد من الدول موجة استنكار عالمية، واعتُبر تهديدًا للنظام التجاري الدولي واستقرار الاقتصاد العالمي.
الاتحاد الأوروبي وصف الخطوة بأنها “ضربة موجعة”، وأكدت أورسولا فون دير لاين استعداد الاتحاد لاتخاذ “إجراءات مضادة” لحماية مصالحه. فيما قال المستشار الألماني شولتس إن الرسوم “هجوم على نظام تجاري عالمي أسسته أميركا نفسها”، واعتبرها رئيس الوزراء الفرنسي “كارثة لأوروبا ولأميركا”.
الصين أدانت القرار واعتبرته “تنمرًا اقتصاديًا”، متوعدة برد حازم لحماية مصالحها، بينما وصفت وزارة التجارة الصينية القرار بأنه “غير منطقي ولن يحل مشاكل أميركا”.
كندا أعلنت فرض رسوم انتقامية بنسبة 25% على السيارات الأميركية، فيما أكد رئيس وزرائها مارك كارني أن “نهاية النظام التجاري القديم بدأت الآن”.
أستراليا اعتبرت الرسوم “عدائية وغير مبررة”، وقال رئيس وزرائها إن “الشعب الأميركي هو من سيدفع الثمن”. أما إسبانيا فرأت أنها “عودة إلى حمائية القرن الـ19″، بينما حذّرت بريطانيا من تأثير اقتصادي عالمي لكنها أكدت مواصلة التفاوض لحماية مصالحها.

دول أخرى مثل كولومبيا، تايلاند، والمجر، أدانت القرار ووصفته بأنه “انحراف خطير عن التعاون الدولي”، في حين استخدمت روسيا لهجة ساخرة مشيرة إلى “انتظار جثة الاقتصاد الغربي على ضفة النهر”.

 

نتائج الرسوم الجمركية على الاقتصاد الأمريكي

 

القطاعات المتأثرة:

الإلكترونيات: مثل الهواتف، الحواسيب، وأجهزة الألعاب ستشهد زيادات كبيرة بسبب اعتماد أميركا على الصين.
الملابس والمنسوجات: ستزيد أسعارها بنحو 32.7% بسبب الرسوم على المنتجات الواردة من الصين وفيتنام.
السيارات: ستشهد زيادات تصل إلى 7600 دولار على السيارات الجديدة، مع فرض رسوم 25% على السيارات المستوردة.
المنتجات الجلدية: زيادة بنسبة 35% في أسعارها.

 

الأرز والقهوة: أسعار الأرز سترتفع بنسبة 19.7%، فيما ترتفع أسعار القهوة بسبب موجات الجفاف.

الرسوم الجمركية ستؤثر بشكل واسع على الاقتصاد الأميركي، مع زيادة الأسعار في قطاعات مختلفة مثل الأطعمة، الإلكترونيات، الملابس، والسلع الفاخرة. شركات مثل “وول مارت” و”بست باي” حذرت من تحميل المستهلكين هذه التكاليف المتزايدة.

وفي سياق متصل، شهدت الولايات المتحدة مشاكل في قطاع شاحنات الحاويات، حيث فرضت تعريفات ضد الإغراق على الشاحنات الصينية، مما دفع الشركات الأميركية للبحث عن بدائل في فيتنام، ولكن اكتشاف مكونات صينية في الشاحنات الفيتنامية أدى إلى فرض رسوم جمركية إضافية.

هذه التعريفات قد تسببت في خسائر كبيرة لشركات أميركية مثل “بيتس إنتربرايزس”، مما أدى إلى تسريح مئات العمال في ولايات كاليفورنيا وفرجينيا. وبذلك، تكشف هذه الحالة عن التعقيدات التي تطرأ عند استخدام التعرفة الجمركية كأداة لحماية الاقتصاد، حيث قد تؤدي في بعض الأحيان إلى نتائج عكسية تؤثر سلباً على الشركات والعمال.

 

الحرب التجارية بين الولايات المتحدة والصين: تصعيد جديد

 

تصاعدت الحرب التجارية بين الصين والولايات المتحدة، إذ ردّت بكين على رسوم ترامب الجمركية بزيادة الرسوم على السلع الأميركية من 34% إلى 84%، بعد أن فرضت واشنطن رسومًا تجاوزت 100% على السلع الصينية. كما أدرجت الصين 6 شركات أميركية على قائمة “غير الموثوق بها”، وأكدت أنها تملك الوسائل لمواصلة المواجهة. ترامب بدوره وصف الرسوم بأنها “متبادلة” واتهم دولًا، خاصة الصين، بـ”نهب” اقتصاد بلاده. في المقابل، شددت الصين أن الفائض التجاري طبيعي نتيجة خلل هيكلي في الاقتصاد الأميركي، مؤكدة أن “لا رابح في الحرب التجارية”.

أما فيما يخص الدول العربية، فقد شمل التأثير الرسوم الجمركية التي تراوحت بين 10% و41%. على سبيل المثال، تم فرض رسوم بنسبة 41% على سوريا، و39% على العراق، و31% على ليبيا، بينما كانت الرسوم على الجزائر 30%، وتونس 28%، والأردن 20%، ومصر 10%. في حين كانت دول الخليج والمغرب ولبنان والسودان واليمن وجيبوتي ضمن الفئات التي تأثرت برسوم بنسبة 10%.

هذه الحرب التجارية أثرت سلبًا على نمو اقتصادات الدول العربية، خاصة على صادراتها إلى الولايات المتحدة، مما أدّى إلى زيادة الضغوط على اقتصادات المنطقة وتقليص آفاق النمو.

 

أسواق العالم تترنّح بين قفزات الذهب والنفط وتقلبات العملات والرسوم الجمركية

 

شهدت الأسواق العالمية موجة تقلبات حادة نتيجة التصعيد في الحرب التجارية وعودة التوترات الجيوسياسية. قفز الذهب إلى مستويات قياسية تجاوزت 3245 دولاراً للأوقية، مدفوعاً بالمخاوف من التضخم وعدم الاستقرار، بينما ارتفع النفط مع تجاوز خام برنت حاجز 65 دولاراً، وسط ترقب لتخفيف العقوبات على الخام الإيراني.

في المقابل، ارتفعت مؤشرات الأسهم الأمريكية والأوروبية بدعم من إعفاءات جمركية مؤقتة، في حين شهدت أسواق العملات تحركات لافتة مع تراجع الدولار أمام سلة من العملات. كما أظهرت سندات الخزانة الأمريكية انتعاشاً بعد موجة بيع حادة.

اقتصاديًا، ارتفعت مبيعات التجزئة في بريطانيا بنسبة 0.9% في مارس، ونمت صادرات الصين بنسبة 12.4%، بينما ارتفعت توقعات التضخم الأمريكية إلى 3.6%. هذه المؤشرات تعكس مزيجاً من الانتعاش الموضعي والتوترات المتصاعدة، ما يضع الاقتصاد العالمي في حالة ترقّب حذِر.

ترى، هل كان ترامب يخوض معركة من أجل إنقاذ الاقتصاد الأمريكي، أم أنه ببساطة كان يجرّ العالم نحو فوضى كبرى ليثبت أن واشنطن لا تزال تمسك بخيوط اللعبة؟