معركة الفتح الموعود والجهاد المقدس ليست معركة اليمن لوحده

السفير محمد محمد السادة
يُشكل محور الجهاد والقدس والمقاومة نموذجاً حياً يُحتذى به لتوجيه البوصلة نحو القدس، وإحياء حالة العداء تجاه العدو الصهيوني، فقد قدم المحور ولايزال يُقدم التضحيات الجليلة إنتصاراً للقضايا العادلة للأمة، وفي مقدمة تلك التضحيات، الشهداء من القادة والمجاهدين العُظماء أمثال السيد حسين بدرالدين الحوثي، والرئيس صالح الصماط، والسيد حسن نصرالله، والسيد هاشم صفي الدين، والحاج عماد مُغنية، والدكتور إسماعيل هنية، والقائد الميداني يحيى السنوار، والحاج قاسم سليماني، والحاج أبو مهدي المهندس، رضوان الله عليهم جميعاً، وغيرهم من المجاهدين، وهذه التضحيات هي مصداقاً لقوله تعالى ﴿ منَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلاً ﴾ صدق الله العظيم
ترتبط معركة الفتح الموعود والجهاد المقدس في إنطلاقتها بإنطلاقة المشروع القرآني للشهيد القائد حسين بدرالدين الحوثي، ومحاضرته الأولى التي القاها عام 2002م حول القدس، فيما ترتبط المعركة في تسميتها وإعلانها بسماحة قائد الثورة اليمنية السيد عبدالملك بدرالدين الحوثي الذي أعلن عنها في يناير 2024م، ومع ذلك فهي ليست معركة اليمن لوحده، بل هي معركة كل أبناء الأمة، كون مبادئها وأهدافها مسؤولية كل مسلم أينما وجد، لذا جاءت الدعوات الصادقة والمتكررة التي وجهها سماحة قائد الثورة السيد عبدالملك الحوثي لكل الدول العربية والإسلامية وشعوبها لمواجهة مؤامرة تشظي وإذلال الأمة، وأن لايُنظر إلى التباعد الجغرافي والحدود المصطنعة كعائق يحول دون واحدية الخندق والمعركة التي تستهدف الجميع من قِبل العدو الصهيوني المدعوم أمريكياً، وهو عدو وصفه القرآن الكريم أنه الأشد عداوة للأمة.
جاء إعلان سماحة قائد الثورة السيد عبدالملك الحوثي لمعركة الفتح الموعود والجهاد المقدس إنطلاقاً من الرؤية القرآنية الواعية لطبيعة المعركة ومتطلباتها، وهي معركة ركيزتها الأساسية الوعي والبصيرة والمسؤولية،كما أن تسميتها مستمدة من القرآن الكريم وآياته التي تجعل الفتح الموعود حصيلة للجهاد والصبر في معركة مقدسة يخوضها الفرد والأمة إنتصاراً لدين الله، وقضاياها العادلة التي يتقدمها القضية المركزية للأمة (فلسطين) التي يحتلها كيان العدو الإسرائيلي ويرتكب أبشع جرائم الإبادة بحق أبنائها، بل ويتجه نحو فرض (معادلة الإستباحة) لكل دول المنطقة، فهو الأشد عداوة للأمة بنص القرآن الكريم وقوله تعالى ﴿لتَجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَدَاوَةً لِلَّذِينَ آمَنُوا الْيَهُودَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا﴾صدق الله العظيم، لذا فمعركة الفتح الموعود والجهاد المقدس هي معركة كل شعوب الأمة العربية والإسلامية لكي تحظى برعاية ونصر الله، وتستعيد حضارتها و دورها التاريخي العظيم.
ينطلق اليمن في معركة الفتح الموعود والجهاد المقدس من مبادئ وأهداف ثورة الحادي والعشرين من سبتمبر 2014م المستمدة من القرآن، والتي ترفض الظلم والطغيان، وتقف في وجه المستكبرين، وفي هذا الإطار يأتي موقف اليمن القوي الذي تصدر المواقف العربية والإسلامية والدولية الداعمة لفلسطين، كما تحمل المعركة في طياتها جُملة من الدلالات الدينية والاخلاقية والإنسانية والسياسية، فهي تعكس مستوى الإرتباط والتمسك الكبير في حمل المشروع الإلهي، وراية الإسلام الموعود بالغلبة، والتأسي برسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ في تحمل المسؤوليات العامة، والعمل على نصرة الحق ومواجهة الطغيان، كما تُعبر عن تجسيد وتأصيل الهوية الإيمانية، للشعب اليمني، ومصداقاً لقول النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ ﴿الإيمان يمان والحكمة يمانية﴾.
كما تُعبر المعركة عن تجذر النهج الثوري لدى اليمنيين منذ دخولهم في الإسلام، وإرتباطهم الوجداني بمعاناة الشعب الفلسطيني وقضيته العادلة، وترجمة ذلك إلى موقف رسمي وشعبي عملي قوي، على مختلف مستويات الإسناد العسكري، والسياسي والاقتصادي والإعلامي، والشعبي، بالإضافة إلى تبني سياسة خارجية يمنية قائمة على الوضوح الإستراتيجي، فشعار (لستم وحدكم) الذي أطلقه سماحة السيد عبدالملك الحوثي، ليس للإستهلاك السياسي والإعلامي، بل هو موقف إيماني، فمظلومية اليمن الذي تُرك وحيداً في مواجهة عدوان دولي ضم أكثر من (15) دولة، جعلته أكثر إدراكاً ومسؤولية تجاه مظلومية الشعب الفلسطيني، وما يُعانيه من خُذلان عربي وإسلامي ودولي.
حتمية النصر في المعركة
فشل المجتمع الدولي والأمم المتحدة في تحمل مسؤولياتهم في وقف جرائم الإبادة الجماعية والحصار على غزة، مع إصرار الولايات المتحدة على تقديم كل أشكال الدعم لاسيما العسكري لكيان العدو الإسرائيلي من أجل إستمراره في جرائمه بحق أبناء غزة، وإستخدامها المستمر لحق النقض(الفيتو) في مجلس الأمن الدولي ضد كل القرارات التي تدعو للوقف الفوري لإطلاق النار في غزة، دفع صنعاء بما ينسجم مع توجهاتها المُعلنة، وبما يتوافق مع الإجماع الدولي المُطالب بوقف العدوان والحصار على غزة، إلى تسريع بدء تنفيذ مراحل الإسناد بشكل تصعيدي مدروس، على مدار أكثر من (15) شهر، من خلال خمس مراحل من التصعيد العسكري التي مرت بها معركة الفتح الموعود والجهاد المقدس حتى الآن، وإستهدفت بدرجة رئيسية كيان العدو الإسرائيلي، إلى جانب الولايات المتحدة بعد عدوانها المباشر على اليمن.
مما كشفت عنه مراحل التصعيد العسكري قدرة اليمن على توسيع مسرح العمليات العسكرية اليمنية البحرية ليشمل كل بحار المنطقة والمحيط الهندي، مع إبتكار تكتيكات وأساليب جديدة في الحرب، والكشف عن أسلحة ردع إستراتيجية ، بالإضافة لتمكنه من فرض قواعد إشتباك جديدة ، وإظهار قدرات إستخباراتية عالية.
نجحت صنعاء خلال المراحل الخمس من الإسناد العسكري لفلسطين في إطار معركة الفتح الموعود والجهاد المقدس في تنفيذ أكثر من (250) عملية، منها قرابة (65) عملية مباشرة ضد العدو الإسرائيلي، وإسقاط (19) طائرة تجسس أمريكية، أغلبها من طراز (MQ9)، وهو رقم قياسي وغير مسبوق،فيما بلغ عدد المتدربين في إطار التعبئة العامة أكثر من (800) الف متدرب، وبلغ إجمالي المسيرات والأنشطة الشعبية أكثر من ( 900 ) الف نشاط .
كما نجحت صنعاء في الإسهام في إفشال الأهداف المعلنة للعدو الإسرائيلي، ومنها إستئصال المقاومة الفلسطينية، وأسهمت العمليات العسكرية اليمنية في إسقاط هيبة العدو الإسرائيلي كقوة عسكرية أولى في المنطقة، وإسقاط هيبة الولايات المتحدة الأمريكية كقوة أولى في العالم، بالإضافة إلى إسهام معركة الفتح الموعود والجهاد المقدس في تعزيز الوعي الشعبي العربي والإسلامي، ومعرفة حقيقة العدو الإسرائيلي والأمريكي، وتعزيز وحدة الصف وتماسك الجبهة الداخلية اليمنية، مع خلق مزيد من الالتفاف الشعبي والنخبوي حول المشروع القرآني، ومشروع الدولة اليمنية الحديثة القائم على الإستقلال والحرية، ورفض كل أشكال الهيمنة والوصاية الخارجية. وعلى المستوى الإقليمي والدولي فقد عززت المعركة حضور اليمن كقوة إقليمية ناشئة، وجزء من معادلة الأمن والاستقرار على المستوى الدولي.
ختاماً، مهما كنت التضحيات والخسائر الإنسانية والاقتصادية جراء العدوان الأمريكي- الإسرائيلي على اليمن، وقصف الأعيان المدنية والبُنى التحتية، وما تمارسه الولايات المتحدة على صنعاء من ضغوط قصوى، اقتصادية وانسانية، وتعطيلها لمسار السلام في اليمن عبر إيقاف خارطة الطريق التي تم التوصل إليها بين صنعاء والرياض وأعلنت عنها الأمم المتحدة . كل ذلك لن يُثني اليمن عن موقفه المشرف المساند لفلسطين، فتلك التضحيات الجليلة التي يُقدمها اليمن، لاسيما أرواح الشهداء العُظماء عسكريين ومدنيين، ستُكلل بنصر الله الموعود،كما أن هذه المعركة المستمرة تؤسس لإنتصارات للأمة جمعاء على المدى المنظور.
لقد أحيت معركة الفتح الموعود والجهاد المقدس ثقة اليمنيين بأنفسهم، وأعادت تاريخهم البطولي المشرف في نصرة دين الله وقضايا الأمة العادلة، وكان لها دور في لفت أنظار المجتمع الدولي وشعوب الأمة والعالم إلى مظلومية فلسطين واليمن وقضاياهما العادلة، وتصحيح الصورة السلبية المغلوطة التي كرستها الآلة الإعلامية الضخمة لدول العدوان عن حكومة صنعاء ، كما أنعشت آمال وتطلعات الشعب الفلسطيني، وكل الشعوب العربية والإسلامية بحتمية النصر للقضية الفلسطينية، وحتمية هزيمة العدو الإسرائيلي وخسارة و ذُل كل الموالين له، فللنصر له شرطان، الإيمان بالله موصولاً بالقضية وعدالته، والتضحية من أجلها.
دبلوماسي يمني