نورالدين برحيلة: حماس التي أسقطت أمريكا.. كُتّاب أميركيون يستشرفون نهاية “الحلم”..

نورالدين برحيلة
سيناريوهات الكثير من علماء “المستقبليات الأميركيين” تؤكد أن تفكّك وتهاوي أميركا بدأت منذ القرن الماضي، طبعا النظام الأمريكي المخترق من السرطان الصهيوني يقاوم الانهيار والاحتضار، كمريض أنهكه السرطان وهو شديد التمسك بالحياة، وهذه السيناريوهات التي استشرفها علماء مستقبليات أمريكيين، بناء على قوانين ومبادئ وعوامل علمية، كلما اجتمعت أفضت إلى سقوط الدول والحضارات.
عبر السيرورة التاريخية البشرية الممتدَّة، قامت دول وحضارات وسادت، ثم انهارت وبادت، واختلفت الآراء ووجُهات النظر حول ظاهِرة سقوط الدول والإمبراطوريات، بين تصوّرات تمتح من المرجعية الدينية التي تعتبر تهاوي الكثير من الحضارات القوية، ما هو إلا عِقاب إلهي، كان قَدَراً مقدوراً، (وَإِذَا أَرَدْنَا أَن نُّهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا فَفَسَقُوا فِيهَا فَحَقَّ عَلَيْهَا الْقَوْلُ فَدَمَّرْنَاهَا تَدْمِيرًا). سورة الإسراء، الآية :16.
لكن ابتداء مع المُفكَّر الموسوعي ابن خلدون سيبدأ تشكيل تصوّر عِلمي يبحث عن الأسباب والقوانين الموضوعية، التي تُذيب دولة ما، وتسمح بقيام أخرى، أبرزها وفق المنظور الخلدوني، تنامي القوَّة العِرقية لجماعة ما، حيث تتقوّى عصبيّتها ويتضخَّم نفوذها، فتهزم سابقتها بالقوَّة والغَلَبة، لكن انغماس الدولة الجديدة في التَرَف والبَذْخ وشيوع الفساد والاستبداد يجعلها تتساقط كأوراق الخريف، والمنجز الخلدوني ينطبق على تنامي القوَّة العِرقية لجماعة اللوبي الصهيوني الذي استطاع التغلغل السرطاني في مفاصل الكثير من الكيانات أبرزها الكيان الأمريكي ومص دماء شعبه واستغلال مقدراته استخدام ثرواته لصالح الكيان الصهيوني وإبادة الشعب الفلسطيني، غير أن حماس المقاومة العظيمة ستتمكن من ضرب روما المعاصرة بقناعها الغربي الأمريكي وعقيدتها الصهيونية ضربة قاضية في كعب أخيل الصهيوني.
نعم حماس المقاومة العظيمة وبإسناد بطولي من إيران وحزب الله (لبنان) وأنصار الله (اليمن) وكل أحرار الأمة الإسلامية كشفوا هشاشة الإمبريالية الصهيونية المعاصرة، وأسقطوا قرنا من الدعاية الهوليودية للصورة المزيفة للجيش الأمريكي الذي لا يقهر.
حماس لم تكن تخوض فقط حربا شرسة مع الزومبي الصهيوني، وإنما كانت تحارب أمريكا المتصهينة التي تمد الصهاينة بالمرتزقة والأسلحة الذكية وكل المؤسسات الأمريكية متورطة في الإبادة الجماعية بغزة العزة، بما في ذلك مواقع التواصل الاجتماعي ومحركات البحث وهذا ما كشفه احتجاج كبار المهندسين في مايكروسوفت على سبيل المثال لا الحصر ليتم الانتقام منهم وطردهم في إمبراطورية الضجيج الديمقراطي.
بخصوص سقوط أميركا، أنطلق من سيناريوهات الكثير من علماء “المستقبليات الأميركيين” الذين يؤكِّدون أن تفكّك وتهاوي أميركا هما مسألة حتمية، بناء على قوانين وأسباب مؤدّية إلى سقوط الدول والحضارات، وهي “تكهّنات” تنبني على رَصْدِ مختلف العوامِل والأسباب والشروط التي أسقطت إمبراطورية روما والإمبراطوية البريطانية وإمبراطورية الاتحاد السوفياتي، وأميركا ليست خارِقة كي تستثنيها قوانين التاريخ الإنساني.
هل تنهار أميركا؟
المؤشِّرات الضمنية الخطيرة في مؤلّف جون هول وتشارلز ليندولم، تكشف أن الأميركيين يشعرون بهشاشة مجتمعهم، ومن خلال مُقارَبة تاريخية وسوسيولوجية وأنثربولوجية، هي خليط من الحقائق والمساحيق، يبرز المؤلّفان تناقضات واضطرابات المجتمع الأميركي العِرقية والأخلاقية، وسيادة العُنصرية، وانتشار الفقر المدقع بين مختلف فئات المجتمع حيث أن ظاهرة المشردين والمدمنين والمجانين ومبيتهم في العراء واعتمادهم على بقايا الطعام في حاويات القمانة هي حقيقة يومية مؤلمة وليست مشاهد سينمائية، وهذه الشريحة البئيسة أصبحت مؤمنة بأن مقدراتها تهدى للكيان الصهيوني.
بطبيعة الحال يُخلُص الكاتبان إلى أن مسألة شعور المواطنين الأميركيين بإمكانية انهيار دولتهم راجِع إلى تنامي نزعة الشكّ الذاتي في قوَّة دولتهم، ومرضهم برهاب سقوط أميركا، جرَّاء وعيهم بصناعتها للكثير من الأعداء، ونفاقها المزمن وعدم اهتمامها بالصالح العام للشعب الأمريكي.
المؤرِّخ وعالِم الأحياء جاريد ديامون Jared Diamond يقول بكل وضوح إن الحضارات تختفي حين يُدمِّرها أصحابها.
المجنون ترامب أحدث انقلابا في نظرية السياسة والاقتصاد حيث أضاف ألى سياسة العقوبات الهمجية، رفع الرسوم الجمركية وتحويل كندا من صديق موثوق وشريك فعال إلى خصم قوي شرع في توجيه الضربات الخاطفة والنتيجة المزيد من التصدعات في البراديغم الأمريكي، ولا داعي للحديث عن التنين الصيني البديل المستقبلي للإمبراطورية الأمريكية.
أيضا تصاعد التوترات بين أميركا وجمهورية إيران التي استطاعت التسلل بحنكة وذكاء إلى نادي الدول النووية.
بالرجوع إلى تاريخ أميركا الدموي نجدها قامت بإبادة شعب الهنود الحمر، واستعباد السود واستغلال البروليتاريا لصالح حفنة صغيرة من السوبر إمبرياليين، واليوم لا وجود لأميركا البيضاء، أميركا جد ملوَّنة أكثر من تلوّن الحَرْباء، مع أزمات انفجار ديمغرافي وأزمات داخلية، تبدأ في عجز الحكومة الأميركية في توفير الماء الصالح للشرب في الكثير من المناطق المُهمَّشة، وتشريد الأُسَر العاجِزة عن دفع أقساط الرَهْن العقاري، وفشل إمبراطورية الإعلام الهوليوودية في مواصلة دَغْدَغة مشاعر الأميركيين بتحقيق الحُلم الأميركي.
الشعب الأميركي اليوم لا يلتفت إلى الأفلام أو المؤلَّفات والكِتابات التي تتغنَّى بقوَّة أميركا. على عكس ذلك فإن الأفلام التي تحصد أكثر المُشاهَدات هي التي تصوِّر النهاية التراجيدية لإمبراطورية الدم، والكُتُب التي تحصد أكثر المبيعات هي التي تحمل عنوان “هل تنهار أميركا؟” لا التي تُعنون بـــ “لماذا لا تسقط أميركا؟”.
فيما تنهار الكثير من الشركات الأميركية العملاقة وتفلس أكبرها “جنرال موتورز” فإننا نشهد تنامي المديونية للصين، بل إن الاقتصاد الأميركي اليوم مُحاصَر بالديون المالية للتنين الصيني.
أما الجيش الأميركي فناهيك عن إقرار ترامب بعدم صلاحية نصف العتاد العسكري لخوض حرب، وهو عتاد صالح كديكورٍ لإخافة الأنظمة العربية، وابتزازها، إضافة إلى نقصٍ في الموظفين في وزارة الدفاع الأميركية بسبب عجز الخزينة الأميركية، هذا جعل الجماعات الضاغِضة تفرض ترامب رئيساً، رغم احتجاجات شرائح واسعة من الأميركيين ضد ترشيحه وعباراتهم التي مازالت موثّقة تحمل عبارات “ترامب ليس رئيساً”.
اختيار ترامب يعني أن الأزمة الاقتصادية بلغت أوجها، لذا يجب تكليف شخص مُقامِر، يستطيع ابتزاز الدول بلغةٍ واضحةٍ من دون الاختفاء في شعاراتٍ دبلوماسية، لا تتحمّلها الأزمة الأميركية، جملة ترامب الشهيرة لدول الخليج “لديهم الأمول عليهم أن يدفعوا”.
التحوّل من نَهْب ثروات الشعوب عبر “رجال الأعمال” وصفقات بيع الأسلحة والاستثمار، إلى “التدخّل العسكري” في العراق وسرقة النفط، وفي سوريا وتموقع الجيش الأميركي في حقول النفط، وترامب يقولها علنية، لن أرسل الجنود الأميركيين، للعَسْكَرة في مناطق الرمال والخراب.
لا داعي للحديث عن مناطق تواجُد القواعد العسكرية الأميركية، في معظم الدول العربية، التي تعتبرها أميركا أبقاراً حلوبة ودولاً ودودة، أما الدول التي ترفض الهيمنة الأميركية، ولا تسمح للكوبوي الأميركي بسرقة مُدخّراتها، تُعتَبر كدولٍ مارقةٍ تُخندِقها أميركا في محور الشر.
رفض إيران الخضوع لسيطرة وإملاءات البيت الأبيض، وإفشالها للكثير من مُخطّطات أميركا في اليمن، والعراق حيث تحتل أميركا مدينة وتستخدمها أكبر سفارة لها في العالم، كل هذا المُشاكسات الإيرانية أغضبت أميركا وطفلها المُدلَّل “إسرائيل”، سيما وأن إيران تمدّ المقاومة في فلسطين، واليمن والعراق بالعتاد والدعم اللوجستيي والخطط الحربية، التي هزمت “إسرائيل”. أيضاً دعمها للحشد الشعبي العراقي الذي أنهى وجود “داعش” في العراق وهو ما أخفقت فيه أميركا.
لقد أفضت سياسة ترامب إلى نتائج عكسية، أهمّها رؤية الشعوب لأميركا باعتبارها قاتِلاً مُتسلسلاً، منذ أول إبادة لها للهنود الحمر، وتآمرها على الكثير من الدول بإسقاطها، وإفلاسها الأخلاقي، لأن الثابِت في السياسة الأميركية هو نَهْب ثروات الشعوب، وتخديرها بشعارات حقوق الإنسان، والدفاع عن الأقليات، والمواطنة العالمية، التي تستخدمها كأسلحةٍ ناعمةٍ تستهدف تمزيق وحدة الشعوب، لخلق التوتّرات داخلها، ودفعها إلى الاحتجاجات.
كتاب “الوجه الخفّي للثورات العربية” يفضح التدخّل الخفّي لأميركا في ما يُسمَّى “الربيع العربي”، الذي وإن بدأ جماهيرياً ضد الفساد والاستبداد، إلا أميركا تمكَّنت من اختراقه وتوجيه مساراته، لتقوم بتثبيت وجودها من الخليج إلى المحيط، وبيع أسلحتها للأنظمة العربية، لقمع شعوبها، غير أن السحر بدأ ينقلب على الساحِر، والكثير من عُلماء الدراسات المستقبلية الأميركيين، يؤكّدون قرب نهاية أميركا، لأنها أسرفت كثيراً في إراقة الدماء، وفقدت مصداقيتها بخصوص استنبات الديمقراطية في العالم.
ختاما لقد أسقطت حماس أمريكا ولهذا السبب تطالب بنزع سلاح المقاومة العظيمة، وبعد فشلها في هذه المهمة القذرة، كلفت أنظمة عربان الردة للضغط على حماس وتقليم أظافرها، وهذه الأنظمة الغبية لا تدرك أن حماس تدافع عن الأمة، ونزع سلاحها يعنى تقديم الدول العربية من المحيط إلى الخليج كوجبات سريعة لكل وحوش الإمبريالية القدامى والجدد (الصين، الهند..).
وَاللَّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ.
كاتب عربي