الجدار الذي فضح ما لم يكن مستورا!

الجدار الذي فضح ما لم يكن مستورا!

 

 

اسيا العتروس
أيأم عصيبة تعيش على وقعها تونس الحزينة بعد” فاجعة الجدار”التي ذهبت بحياة ثلاثة تلاميذ كانوا يستعدون لاختبار الباكالوريا خلال أسابيع وتحقيق حلمهم في الذهاب الى الجامعة..سيسجل التاريخ أن الضحايا محمد أمين مسعدي محمد صالح الغانمي و عبد القادرالذهني ذهبوا ضحية الاهمال والتهاون وانعدام روح المسؤولية ..وأنه لو توفرالحد الادنى من المسؤولية لربما كان بالامكان تفادي ما حدث ..لم تكن حادثة المزونة الاولى فقد سبقتها قبل سنتين حادثة مماثلة في القيروان ذهب ضحيتها ثلاثة عمال بعد انهيار جزء من جدار قديم في المدينة العتيقة ..
سيقول كثيرون انه القضاء والقدر ولا مرد لقضاء الله و لكن الحقيقة أيضا أن الرسائل و التحذيرات مما هو ات تعددت من أكثر من طرف و لكن تم تجاهلها ..و كما في كل الازمات فان من يدفع الثمن المهمشون و المنسيون والغائبون عن اهتمامات المسؤولين…
 نعم كان الخبر بمثابة الصاعقة على التونسيين الذين عبروا عن غضبهم بالاحتجاج او على المواقع الاجتماعية منددين بالتردي الحاصل في البنية التحتية للمؤسسات التربوية  المهترئة و قد تعددت الحوادث في الكثير منها مع غياب الصيانة و عدم توفر الامكانيات المطلوبة للترميم و اصلاح ما يستوجب الاصلاح و توفير المرافق الصحية و ازالة المخاطر عن ابناءنا التلاميذو الحقيقة أننا سنجانب الصواب لو اعتبرنا أن التردي الحاصل و انهيار المؤسسة التربوية مرتبط بالحكومة الراهنة أو من سبقها و الواقع أن المدرسة التونسية وهي من أهم مكاسب دولة الاستقلال التي راهن عليها الرئيس الراحل الحبيب بورقيبة دخلت مرحلة الشيخوخة والتاكل وهي تحتاج أكثر من أي وقت مضى للتطوير والاصلاح سواء تعلق الامر بالهيكل أو بالمحتوى ..و يكفي المدرسة العمومية شرفا أنها تحملت كل هذه الاجيال منذ فجر الاستقلال و قدمت لتونس ما تفخر به بين الامم من كفاءات وطنية في مختلف الاختصاصات في بلد  كانت ولا تزال ثروته تقاس لا بالنفط او الغاز او جبال الذهب ولكن بالعقول أوالمادة الشخمة كما كان يسميها بورقيبة وهو سلاح تونس الذي لا يمكن الاستخفاف به ….وحري بنا اليوم الانتباه جديا لهذا التحدي الذي تواجهه بلادنا ففي ضياع المدرسة ضياع للمجتمعات ..وعندما نقول هذا الكلام ندرك جيدا عمق و حجم الالم الذي يشعر به التونسيون عندما يفقد ثلاثة تلاميذ الحياة في ساحة المدرسة تحت انظار رفاقهم و أساتذتهم , و يزداد حجم الالم عندما نعلم أن مدير المدرسة وجه أكثر من تحذير للسلط المعنية التي لا نفهم سبب صمتها ..
حالة الصدمة التي أصابت الجميع بعد انهيار جدار مدرسة المزونة في سيدي بوزيد احد اكثر المناطق تهميشا و فقرا وغيابا للفرص و للتنمية لا يمكن أن تسقط من الذاكرة ماسي سابقة مماثلة كم كنا مخطئين عندما اعتقدنا أنها لا يمكن أن تتكرر ومنها وفاة ثلاثة عمال  بسبب انهيار سور قديم في مدينة القيروان و تلا ذلك عدد من الاقالات لتاتي فاجعة المزونة وتفضح المستور و تكشف القصور في استباق الاحداث و تجنب مثل هذه الماسي  …
التونسي في حالة صدمة وذهول …والرأي العام لم يستوعب كيف يحدث  ما حدث في تونس القرن الواحد والعشرين في البلد الذي راهن على التعليم و على ان تكون المدرسة في كل المدن والقرى والاحياء المكان الاكثر امنا للتلاميذ اوهذا على الاقل ما يفترض ..الحقيقة المؤلمة التي سيتعين الاعتراف بها أن الجدران والاسوارالمتصدعة التي تحيط بمؤساتنا  التربوية و الصحية و اداراتنا وغيرها لا تحصى وأنه في المقابل فان حجم الميزانية المطلوبة للترميم و الاصلاح لا يفي بالحاجة والاخطر والاسوأ من كل ذلك أنه بدل الانصراف الى مواجهة هذا الواقع فان التعاطي  الرسمي مع الفاجعة لم يخرج عن اطار رد الفعل الاني دون تحديد للاولويات و من ذلك ما أقدم عليه عديد المسؤولين في مختلف الولايات خلال الساعات القليلة الماضية من حملات لهدم عديد الاسوارالمتداعية خوفا من وقوعها ..لا خلاف أن المسؤولية مشتركة بين مختلف الاطراف من أبسط الى أعلى مسؤول في الدولة ..ما نعيش على وقعه منذ فاجعة المزونة من خصومات فايسبوكية وحروب كلامية واتهامات متبادلة بين المدافعين عن السلطة ومنتقديها وما بلغته من غرق في الوحل يؤشرالى فشل ذريع في التعاطي مع المأساة و السعي للبحث عن تحقيق لكشف ملابسات حقيقة معلومة لدى الجميع للوصول الى كبش فداء يتحمل وحده المسؤولية عما حدث بحثا عن تبرئة للذمة أمام الرأي العام ..
لقد أسقطت فاجعة المزونة كل الاقنعة وكشفت حقيقة الجدران المتصدعة من حولنا وما تخفيه من فشل في التعاطي مع الازمات الاجتماعية المعقدة و لكن أخطر ما كشفته فاجعة المزونة أن هناك جدران اسمنتية عازلة  وغير قابلة للاختراق والتصدع وهي جدران عنوانها المكابرة ترفض الاستفادة من تجربة الماضي و اخطاءه عمادها تكريس ثقافة الاجتثاث وتقسيم التونسيين بما يعني المضي قدما في مزيد اضاعة الوقت و الفرص لتجنيب البلاد مزيد الانهيار ..رحم الله ضحايا المزونة الذين فتحوا اعيننا على الكثير من الحقائق بعد ان عجزنا عن ضمان الحد الادنى لحماية فلذات اكبادنا في مدرستهم ..
قبل أكثر من ثمانين عاما صدح زعيم الشباب علي البلهوان بتلك المقولة الشهيرة التي نستحضرها لعلها تبلغ المسامع عندما صرخ قائلا “كفى عبثا ان البلاد عليلة وليس بشرب الماء تنطفىء الحمى ” تونس اليوم عليلة وتحتاج جرعة دواء تستعيد معها عافيتها..المصيبة التي يعلمها الجميع ان تونس لديها كل ما تحتاجه من عقول وكفاءات  لتحقيق الخلاص ولكن البوصلة تائهة والسفينة تتقاذفها الامواج …
كاتبة وصحفية تونسية