لماذا لم تنتقل المحادثات الإيرانية الأمريكية إلى روما؟
نجاح محمد علي
في أعقاب محادثات غير مباشرة نادرة بين مسؤولين إيرانيين وأمريكيين بوساطة عُمانية في مسقط، طُرحت فكرة نقل الحوار إلى أوروبا. جاءت هذه المبادرة من وزير الخارجية العُماني، بهدف تسهيل مشاركة المبعوث الأمريكي الخاص للشرق الأوسط، ستيف ويتكوف، الذي كان يواجه رحلات جوية طويلة لحضور المفاوضات. مسقط، القريبة من طهران، كانت توفر سهولة الوصول للوفود الإيرانية، مما جعلها موقعًا مناسبًا للمحادثات.
الوفدان المشاركان لم يعترضا على الاقتراح العُماني، الذي شمل عدةمواقع محتملة، بما في ذلك إيطاليا. ومع ذلك، اشترطت طهران ألا تُعقد المحادثات في بريطانيا أو فرنسا أو ألمانيا، المعروفة بمجموعة E3، التي تم تجاوزها في الوساطة منذ عودة دونالد ترامب إلى البيت الأبيض في يناير 2024.
في اليوم التالي، أطلع نائب وزير الخارجية الإيراني، مجيد تخت روانجي، لجنة الأمن القومي والسياسة الخارجية في البرلمان على تفاصيل المحادثات. أوضح أن النقاشات غير المباشرة جرت في مقر وزير الخارجية العُماني، مع وجود الوفود في غرف منفصلة. وأكد أن الجولة الثانية ستُعقد في دولة أوروبية، لكن عُمان ستظل وسيطًا. وأشار إلى أن عدم الكشف عن الدولة المُحددة كان لتجنب الضجة الإعلامية.
في 12 أبريل، أشارت تقارير إلى أن الجولة القادمة من المفاوضات النووية قد تُعقد في أوروبا، بينما أشار موقع “أكسيوس” في اليوم التالي إلى إيطاليا كموقع. وبعد ذلك، أكد وزير الخارجية الإيطالي، أنطونيو تاجاني، موافقة بلاده على طلب الأطراف المعنية، واصفًا روما بأنها “عاصمة السلام والوساطة”.
لكن في 15 أبريل، أعلن المتحدث باسم الخارجية الإيرانية، إسماعيل بقائي، فجأة أن المحادثات ستعود إلى عُمان. ووفقًا لمصدر إيراني، جاء هذا التغيير بعد رسالة من العُمانيين تفيد بوجود “تعقيدات” في عقد المفاوضات بإيطاليا، خاصة مع وجود نائب الرئيس الأمريكي، جيه دي فانس، في روما لفعالية منفصلة. ووافقت إدارة ترامب في النهاية على عقد جولة أخرى في عُمان.
عندما انسحب ترامب من الاتفاق النووي عام 2018، التزمت أوروبا بالحفاظ على الاتفاق، لكنها فشلت في مواجهة حملة “الضغط الأقصى” الأمريكية. ومنذ ذلك الحين، تدهورت العلاقات الإيرانية-الأوروبية، خاصة بعد فرض عقوبات على إيران بسبب مزاعم بتورطها في حرب أوكرانيا. اليوم، تُظهر إيران تفضيلًا لتجاوز الدول الأوروبية E3، حيث رحبت وسائل إعلام مقربة من الحرس الثوري بـ”إبعاد” أوروبا عن المفاوضات.
رغم ذلك، لا يزال بعض المراقبين يرون أن إيطاليا قد تلعب دورًا بناءً، خاصة بعد صفقة تبادل السجناء مع إيران في يناير 2025، التي أُطلق فيها سراح الصحفية الإيطالية سيسيليا سالا. ويعتقد مراقبون أن العلاقات الأمنية بين البلدين قد مهدت الطريق لاستضافة روما المحادثات، لكن التعقيدات السياسية حالت دون ذلك.
تُعتبر آلية “الاسترداد السريع” (snapback) في الاتفاق النووي تحديًا رئيسيًا، حيث يمكن لدول E3 إعادة فرض عقوبات الأمم المتحدة على إيران إذا انتهت المهلة في أكتوبر 2025 . لكن يُعتقد أن أوروبا قد تتجنب ذلك إذا تقدمت المفاوضات الإيرانية-الأمريكية.
تزامنًا مع المحادثات، من المقرر أن يزور رئيس الوكالة الدولية للطاقة الذرية إيران، مما قد يسهم في تقدم الملف النووي والدبلوماسي.
في النهاية، يبقى انتقال ويتكوف من رحلات الـ17 ساعة مرهونًا بتطور المفاوضات، كما خلص المصدر الإيراني: “كل شيء ممكن، ويعتمد على ما سيحدث في المحادثات”.
تُعقد هذه المفاوضات في ظل توترات متزايدة، حيث حذر وزير الخارجية الإيراني، عباس عراقجي، من التناقض في مواقف الولايات المتحدة، مؤكدًا أن إيران لن تتنازل عن حقها في تخصيب اليورانيوم، وأنها مستعدة لبناء الثقة بشأن المخاوف المحتملة، ولكن دون المساس بحقوقها الأساسية.
تُعتبر هذه التطورات جزءًا من جهود مستمرة لإحياء الاتفاق النووي لعام 2015، وسط تحديات سياسية وإقليمية معقدة.
كاتب وصحافي متخصص بالشأن الايراني