السفير منجد صالح: يخصّني بطبقٍ من الدودِ المحمّص
السفير منجد صالح
خلال عملي كسفيرٍ لِفلسطين في المكسيك، اطلقت عليّ ادارة الشرق الاوسط وشمال افريقيا، في وزارة الخارجية المكسيكية لقب “صديق الجامعات”، إذ انني القيت محاضرات حول القضية الفلسطينية في معظم جامعات ولايات المكسيك، واسم البلاد الرسمي: “الولايات المتحدة المكسيكية”، تتألّف من واحدٍ وثلاثين ولاية من ضمنها العاصمة ولاية قائمة بذاتها،مكسيكو سيتي أو بالاسبانية “سيوداد دي مكسيكو، ديستريتو فيدرال”،
لكن، من الطبيعي، دون شك ولا مواربة، أنّ هذا الشأن الهام، بالنسبة لي وبالنسبة للقضية الفلسطينية وبالنسبة للأصدقاء المكسيكيين، لم يكن يخلو احيانا، كما هي طبيعة الاشياء والامور، من بعض المواقف، التي حملت في رحمها ربما بعض الغرابة او الطرافة او الظرافة وحتى العجب!!!،
مثال على ذلك هي مشاركتي، بناء على دعوة مسبقة وترتيب متقن، في حفل تنصيب رئيس جامعة ولاية ايدالغو، في عاصمتها مدينة باتشوكا دي سوتو، والقاء محاضرة بالمناسبة حول القضية الفلسطينية، التي تلقى اهتماما وتأييدا في المكسيك خاصة، وفي كل دول امريكا اللاتينية عامة،
وصلتُ إلى مدينة باتشوكا دي سوتو بالسيارة فهي ليست بعيدة نسبيا عن العاصمة مكسيكوسيتي، وحسب البرنامج المُعدّ من قبل الجامعة، كان في استقبالي شاب لطيف ذو لحية قصيرة عرّف على نفسه بانه مسؤول العلاقات العامة في جامعة إيدالغو، وانه مفروز ليكون “المرافق لي طوال مدة الزيارة”،
“اهلا وسهلا بقدومك”، قال لي، و”اهلا وسهلا لمُرافقتك لي”، قلت له، مُرحّبا بهذه الرفقة التي اتمنى ان تكون سعيدة،
إصطحبني إلى الفندق لبعض الراحة من السفر، ثمّ انطلقنا نحو الجامعة،
إلتقيت مع رئيس الجامعة وبعض المسؤولين ، وكان قد حلّ وقت الغداء في مطعم لطيف ليس بعيدا عن الجامعة،
كانت طاولة طويلة بعض الشيء عليها مقبلات وسلطات، استئذانا بنزول الاطباق الرءيسية بعد اكتمال عدد المدعووين وتحلّقهم حول الطاولة،
كان إلى جانبي على يميني حسب ما اذكر بروفيسور امريكي مدعو من جامعة كاليفورنيا، لا يُتقن الاسبانية فدردشت معه بالانجليزية،
كان الشاب ذو اللحية القصيرة المفروز لمرافقتي دائم الحضور، يقف ورائي ليطمئن ان كل شيء تمام،
“طلبت فيليه مينيون بقري” كوجبة رئيسية وبدأت الصحون الكبرة تهل وتطل وتنزل تباعا على الطاولة، وبدأت “قعقعة الشوك والملاعق والسكاكين تُسمع وهي تنزل وتعلوا من صحون المدعووين،
في لحظة ما جاء الشاب المفروز لمرافقتي من ورائي بكل حذر ولطف ووضع امامي طبقا مليئا بالدود المحمّص، واسرّ في اذني: “سعادة السفير هذا الطبق ليس في المينيو (لائحة الطعام)، لكنني احضرته خصّيصا لك، انه طبق لذيذ ومشهور هنا،
دقّقت في الطبق بهدوء، الدود “مبطوح” على ظهره او بطنه او مكّور،
حبكت معي النكتة وكدت انفجر من الضحك لكنني ضبطت ضحكتي، قلت له اشكرك جزيل الشكر لكن اعتقد ان الدود نصف محمص وليس محمّص تماما، فاجابني: ” هكذا ألذ سعادتك نصف استواء!!!”،
استدرت إلى جاري البروفيسور الامريكي وقلت له اترغب في هذا الطبق التحفة،
فاجاب دون تردّد: “نو نو”، لا لا،
“يخصّني مُرافقي بطبقٍ من الدود المحمّص نصف استواء!!!!.
كاتب ودبلوماسي فلسطيني
باتشوكا دي سوتو عاصمة ولاية إيدالغو القريبة من العاصمة مكسيكوسيتي في وسط البلاد