كيف توظف الجزائر أسلحتها الاستراتيجية في الاقتصاد والهجرة والعلاقات الإقليمية في مواجهة فرنسا خلال الأزمة الحالية

بروكسيل – “رأي اليوم”:
بعدما كانت المياه قد عادت لمجاريها بين باريس وفرنسا بسبب المكالمة بين الرئيس عبد المجيد تبون وإيمانويل ماكرون، تأزمت نحو الأسوأ بتبادل طرد الدبلوماسيين هذه الأيام.
وتنتهج الجزائر سياسة صارمة تقوم على الدبلوماسية في مواجهة الحكومات التي تعتبر تصرفها صادر عن عجرفة دبلوماسية، وتنطلق حاليا في مواجهة فرنسا من أسلحة استراتيجية لا تجعلها خاسرة وإنما رابحة، بعد اندلاع الأزمة بين الجزائر وفرنسا على إثر موقف الأخيرة من دعم مقترح المملكة المغربية “الحكم الذاتي” في نزاع الصحراء الغربية.
وتلعب الجزائر ورقة الطاقة، وتراهن على البترول والغاز، واعتقدت إبان أزمة الجزائر مع إسبانيا منذ ثلاث سنوات أنها ستعوض اسبانيا وستصبح محطة للطاقة الجزائرية نحو أوروبا رفقة إيطاليا، وهكذا، يبدو اعتماد فرنسا على الجزائر واضحًا. فالجزائر، باحتياطاتها الهائلة من الغاز الطبيعي، تمثل بديلًا حاسمًا لأزمة الطاقة الأوروبية، وعلى خلفية التوترات مع روسيا، فإن فقدان إمكانية الوصول إلى الموارد الجزائرية من شأنه أن يضعف إلى حد كبير أمن الطاقة في فرنسا.
وفي الملف الأمني، استعرضت جريدة “ألجيري باتربوتيك” التي تنقل وجهة نظر وتفكير الدولة العميقة في الجزائر أن البعد الأمني بالغ الأهمية، وتعتبر خبرة الجزائر في مكافحة الإرهاب في منطقة الساحل لا غنى عنها رغم التوتر الدبلوماسي بين الجزائر ودول الساحل هذه الأيام، ويرى صناع القرار الأمني في الجزائر أن بدون بلدهم سيتعرض موقف فرنسا في منطقة الساحل لخطر شديد، كما يتضح بالفعل من انسحابها من العديد من دول جنوب الصحراء الكبرى وأصبحت عارية أمام روسيا، واستمرار الأزمة سيحمل معه تسارع فقدان النفوذ الفرنسي في أفريقيا. فالجزائر بوابة رئيسية لأفريقيا جنوب الصحراء الكبرى.
وفيما يخص الجانب الاقتصادي، تعتبر السوق الجزائرية رئيسية لمختلف الشركات الفرنسية التي يتجاوز عددها الأربعمائة، وكل انهيار للعلاقات الثنائية سيكون له تأثير مباشر على القطاعات الرئيسية مثل الطاقة والأغذية الزراعية والخدمات، حيث ان لدى الجزائر بدائل تجارية خاصة الصين وتركيا، ومن الاتحاد الأوروبي كل من إيطاليا وألمانيا. وستخسر فرنسا سوقًا تاريخية يصعب تعويضها وهي التي تعاني من منافسة قوية من تركيا والصين في شمال القارة الإفريقية. وتمتلك الجزائر مجالاً كبيراً للمناورة بفضل غياب الديون الخارجية، واحتياطات النقد الأجنبي الكبيرة، والتنويع المتزايد لشركائها التجاريين، ووفرة موارد الطاقة الاستراتيجية، والسوق المحلية الديناميكية.
ومن نقاط الضعف الأخرى، تعد الهجرة موضوعا حساسا في المشهد السياسي الفرنسي، حيث تلعب الجزائر دورًا رئيسيا في تحقيق الاستقرار في إدارة تدفقات الهجرة إلى أوروبا. ويمكن أن يكون لتدهور العلاقات تأثير على هذا التعاون، مما يخلق تحديات كبيرة لفرنسا. وباقي أوروبا، وقد جربت فرنسا واسبانيا تحديا الهجرة عندما تدهور علاقاتهما مع دول مثل المغرب وتونس وتراجع الاستقرار في ليبيا.