د. نائلة تلس محاجنة: حوار مع الشوك.. اعرف الطريق ولا اعرفني!

 

 

د. نائلة تلس محاجنة

أحلم أن أسافر في طريق لا أعرف إلى أين، ولكن قلبي مطمئن
كأن الوجهة تعرفني، وكأن الطريق نفسه صديق قديم يأخذني برفق نحو قدر لم أكتبه بعد
أحلم أن أترك ورائي ضجيج العالم، وأن أسمع روحي بحنين
أن أتنفس حرية غير محدودة، وأن ألتقي بنفسي على حافة اللا مكان.

كأن صوتي منسوجًا بين الحلم والواقع في لحظة صمت عميقة
كأنني أتكلم دون أن أنطق، وأشعر دون أن أفسر
كأن الكون كله يصغي،
لكن لا أحد يفهم ما أعني… سوى الطريق.

لكن الشوك كثيرا ما يسافر معي… دون استئذان
يختبئ بين خطواتي، يوشوش أطراف خواطري
ويلامس قلبي حين يظن أنه استقر السلام
فيعلمني أن لا طريق بلا وجع، ولا وجع بلا معنى.

 يحاورني أحيانًا بصمتٍ مباغت
كأن قلبا قديما في صدري يرتجف بوخزاتٍ من ذاكرةٍ لم تمت
يستيقظ من بين غبار النسيان ليهمس:
“لا تركني لدفءِ الحلم كثيرًا…
فالواقع لا ينام، إنه يترصّدك على حافة كل التفاتة
يُباغتك حين تظنين أن السلام مستقرّ في صدرك
وأنا الشوك المزروع في خاصرة المعنى
لستُ سوى شاهِدك الصامت
وجرحك الذي لا يكذب
أنا الحقيقة حين تتقشّف كل الزينة
أنا يقظتك حين يخذلك الحلم.

أحاوره بنبضات… وصرخات
أقاومه حينًا، وأرتمي في حضنه حينًا آخر
كأن بيني وبينه ميثاقًا غير مكتوب:
أن نرافق بعضنا في صمت
أن أتعلم منه القسوة، وأعلمه الرقة
أن لا نفترق… حتى اللا طريق

لا أدري كم من الزمن مر
ولا كم من الطرق ابتلعت خطاي
لكن هناك، على حافة الجبال
سأقيم طقوس النجاة
سأغسل روحي بندى الصباح
وأعلّق صمتي على أغصان الريح
علّني أعود…خفيفة
كما وددت دوما أن أكون.

وما بين كل ذلك وذاك،
لا أدري من أنا!
أم أنني مجرد حافة بين الهويات
أم غيمة تائهة بين السماء والأرض؟
أم أنني مزيج من الزمان والمكان
يتناثر في الذاكرة ويصعب الإمساك به؟

إنه التيه بين اليقين والصمت
حيث لا شيء واضح تيه لا يُستدرَك، ولكن لا يُنسى
وكل خطوة فيه تثقلني
أحمل كل الأسئلة التي تلتهمني
وأظل أسيرًا في متاهة من  اللا إجابات.

دعني أهمس لك
أنا تائهة على ضفاف المعرفة
في سفر طويل، أبحر بين صفحات بلا أطراف
وأغرق في بحرٍ من التساؤلات
لكنني أبحث عن شاطئٍ مجهول
ورغم التيه، كل خطوة تقودني نحو نفسها.

الصبار، خليل الدرب
يمضي بلا شكوى
ينمو في صمت قاس
ولا يتألم من لهيب الشمس
صامد…مندفع للنمو، لا للهزيمة.
كأنه ينثر .. في الصمت قوة،
وفي الشوك عزيمة،
إنه الصمت الخفي في ثنايا روحي
ذلك الذي لا يُسمع، لكن يشعر به كل شيء حولي
كما أن الجبل لا يحتاج لصوت ليظل شامخا
هكذا يظل صمتي، محاطا بكلمات لم تخرج بعد
ومع ذلك… كأنه يملأ الفضاء
ويكشف عن أبعاد لم أتعرف إليها بعد.

ألهذا الصمت روح… لا تغيب؟
كأنّه يراقبني من بعيد
يربت على كتفي حين لا أحد
ويهمس في أذني:  “كل ما لم يُقال… لا يموت”
يمشي بجانبي، لا يثقل خطاي
لكنه يترك أثرًا في الهواء
يشبه الحنين، يشبه الدعاء، يشبه سؤال بلا جواب
كأنها عاصفة صمت
تهبّ في داخلي دون أن تُسقط شيئا
لكنها تهشم اليقين
تذرني واقفة… مائلة
كغصن يعرف أنه لن يسقط
لكنه لن يعود كما كان.

اليقين الراسخ يُحصّن جدران وجداني
كما قلعة شامخة في وجه الريح
لا تهتزّ إن مرّت بها العواصف
ولا تنحني، حتى لو تآمرت عليها الاسفار
إنه ذلك الصوت الخفي في داخلي
الذي يقول لي كلما ضللت الطريق:
“أنتِ الاقدار… ولو تناثرت الاسرار

لم يكن التيه عبثا،
كان شيئا يشبه المراوغة
دفعني لأدور، أتوه، أتشظى…
في صمتٍ يشبه الدفء
 فأمضي، مثقلة بالأسئلة
أحاور شوكي بنبض الصبّار
أصغي لصمت مستلق على الأقدار
وأعتصم بيقين يُشبه ملامح الآثار
  ولا أنحني
علّي ألتقي بعضي ببعضي.