عُمان ليست وسيطًا فحسب، بل ورقتها الواضحة تجمع النقيضين

 

 

موسى الفرعي
عندما استضافت مسقط الجولة الأولى من المفاوضات الأمريكية الإيرانية يوم السبت الماضي بعد مرحلة حرجة من الحرب الكلامية وتراشق التصريحات والتهديدات بينهما، لم تقتصر على تمثيل دور الوسيط الذي ينقل الآراء بين نقيضين يُحاول كلٌ منهما أن يملي شروطه على الآخر، وإنما قدمت ورقة واضحة المعالم ارتكزت فيها على تقريب وجهات النظر حول موضوع واحد فقط اتفقا فيه مسبقًا برعاية عُمانية، وهو الملف النووي وتخصيب اليورانيوم، مع عدم الالتفات إلى موضوعات أخرى كان يُمكن أن تجعل التوافق بين الطرفين مستحيلًا إن نوقِشت؛ لأنها تتعلق بموضوعات سيادية لكل طرف.
وما حدث في الجولة الأولى من المفاوضات في مسقط يُحقّ أن يوصَف بالإنجاز الدبلوماسي لسلطنة عُمان؛ فبعد أسابيع من التصريحات النارية، والتهديدات بضربات عسكرية يقابله تصعيد برد وردع قد يطال المنطقة كلها؛ استطاع معالي السيد بدر البوسعيدي وزير الخارجية أن يجمع الطرفين ليس في بيته فحسب، بل في رأيه بالتوافق على التركيز في المضمون الذي يمثل “لُب” القضية، مقربًا وجهات النظر حوله، حتى وافق الطرفان على التفكير العملي في كيفية ضمان جعل برنامج إيران النووي سلميا وتخفيض تخصيب اليورانيوم إلى الحد المسموح به دوليا، وبما يسمح للجانب الأمريكي بتخفيف العقوبات الأمريكية على إيران وبدء عملية بناء الثقة بينهما وإزالة الأسباب التي تجعل كل طرف متمسكًا برأيه ضد الآخر، ويخرج الطرفان بتصريحات إيجابية عن “لقاء مسقط”.
والمتتبع الفاحص يجد أن اتصال فخامة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بجلالة السلطان هيثم بن طارق المعظّم -حفظه الله ورعاه- ليس لشكره على الاستضافة فحسب، وإنما على التفاعل العُماني البناء بين الطرفين والذي ساعد على “صهر الجليد” الذي كان يُحمى بنار التهديد والوعيد، بعيدًا عن مسار الانحدار تجاه الحرب وعواقبها الوخيمة على منطقتي الخليج والشرق الأوسط.
وما يبهج النفس أن محادثات مسقط تلاها زيارةٌ من وزير الدفاع السعودي إلى طهران اليوم، في مشهدٍ على تقارب سعودي إيراني كان لمسقط دورٌ كبيرٌ فيه؛ فقط اقتنعت الجارتان أن ما يجمعهما من حسن الجوار والمصالح المشتركة أكبر بكثير من الخلافات العقائدية والمذهبية التي كانت مهيمنة وفوّتت عليهما وعلى المنطقة الكثير من الفرص والتقارب.
وعندما نقرأ بيانات التأييد واتصالات الترحيب وإشادات دول العالم وقادتها وأكاديمييها ومفكريها بموقف مسقط في جمع النقيضين الإيراني والأمريكي على موقف واحد، فإن ذلك يؤكد حتمًا الثقة العالمية في المساعي العُمانية الحميدة التي تعدّت مجرد الاستضافة في موقعها الجغرافي، إلى اقتراح أي مكان آخر تراه مناسبًا وعمليا لعقد الجولات القادمة من المحادثات؛ مراعاةً لجوانب لوجستية ، فكانت روما الإيطالية هي من سيستضيف الجولة الثانية غدا السبت بتوافق أمريكي إيراني عماني، لينصب الحديث فيها على: كم ستخفض إيران من تخصيب اليورانيوم، وكم ستخفض أمريكا من العقوبات على إيران وفق مخرجات الجولة الأولى، وسيكون معالي السيد بدر البوسعيدي حاضرًا بلباقته ودبلوماسيته المعهودة، في أن يتصافح الأمريكان والإيرانيون هذه المرة بيد تُغلّفها الحكمة العُمانية الداعية إلى السلام دومًا وأبدا، وإعلاء المصالح الجماعية لجميع الأطراف والمنطقة بأسرها والعالم.
كاتب عُماني