هذا السلاح لا يمكن ان يُسلَّم

د. لينا الطبال

لست بحاجة لأن أكون مقاتل كي أفهم لماذا لا يجب تسليم سلاح المقاومة. يكفي ان أكون لبناني، فلسطيني، سوري او انسان عربي يرى في إسرائيل دولة احتلال لا شريك سلام.
يا سادة، السلاح الذي تتحدثون عنه ليس بندقية مرتزقة، ولا مخزن لعصابة. إنه السلاح الذي وقف ضد المحتل وحرر ارضي في الجنوب، وأوقف زحف “المركافا” والجنود التي كانت تلتقط “سيلفي” على شواطئ غزة وصيدا وصور، وتكتب على حوائط بيوتنا بالعبرية “هذه الأرض وعدنا بها رب هارون وموسى”.
هذا السلاح أجبر العدو على التراجع، وجعل المراسل الإسرائيلي يرتجف مباشرة على الهواء حين لم تعد تل أبيب في مأمن من المفاجآت… بالمناسبة ألف شكر لليمن الجميل.
العالم يريد من غزة ومن لبنان أن يُظهرا حسن السلوك. أن يتخليا عن البندقية، ويجلسا على طاولة تتوسطها زهور ملونة اسمها طاولة الحوار. أن يجلسا برجل مبتورة وعين واحدة، ونصف كرامة ويصافحا القاتل.
ثم يقولون لك “نزع السلاح مقابل التهدئة”…  هل تصدق أنت ان التهدئة تأتي بعد نزع السلاح، لا بعد نزع الاحتلال؟
اسأل فقط أمهات الجنوب، وغزة وجنين ومصياف والدريكيش.
 انظر في عيونهن…. كلها عيون تسهر ولا تنام. امهات تحتفظن بصور مهترئة لابن او زوج في محافظ جلدية سميكة، مشغولات بترتيب صور أبنائهن الشهداء على الرفوف. او يعلقنها على الحائط بعناية في غرفة الجلوس، بترتيب أبجدي، او زمني، او حسب من استشهد اولا. غالبا ما تكون هناك ثلاث صور، او ربما أربعة أحيانا اكثر. صورة الاب في الاثنين والثلاثين، ثم الابن في العشرين، ثم الحفيد في الخامسة عشر والرابع؟ ربما ابن ثاني في الخامسة والعشرين بكامل ابتسامته. يكتبن تحت كل صورة تاريخ الموت بخط جميل فالموت أيضا هناك يحتاج التنسيق والجمال.
بعض الصور تأتي من الهاتف. بعضها من بطاقة اخراج قيد جري انتزاعها وتكبيرها او تأتي من ورقة نعي اصدرتها المقاومة…هؤلاء الأمهات، اللواتي قسمن رغيف الخبز بين ابنائهن وخبأن من بقي حيا في غرف مخفية او في الخزائن يعرفن الحقيقة البسيطة التي يتم تدريسها في الاكاديميات العسكرية: من لا يحمل السلاح… يجري حمله الى القبر.
وأخيرا ظهروا، اولئك الذين يتحدثون عن نزع السلاح. اطلوا من خلف الشاشات وعلى منصات السوشال ميديا بابتسامات غبية وتسريحات شعور مصفقه وبدلات مستوردة ثمينة كأنهم يروجون لموضة موسم ربيع-صيف 2025…. لا كأنهم يناقشون مصير وطن وسيادة. السيادة؟ آه صحيح، دعونا هنا نضحك بصوت مرتفع.
أكثر ما يخيفهم؟ بندقية مقاومة وصاروخ قسامي بدائي.
يطالبون بتسليم سلاح حزب الله.  يكررون الطلب ذاته، بنفس الابتسامة الغبية، كأنهم لم يسمعوا بعد أن هذا السلاح لا يمكن ان يُسلم. يبتسمون… مرة أخرى.  ذات الابتسامة الغبية لكن هذه المرة بوقاحة. يتابعون خطابهم، هو نفسه الخطاب البليد، المرتبك، تتخلله كلمات باللغة الفرنسية. يتوجهون الى شعبهم وكأنهم يخاطبون مجتمع يعيش في سويسرا، هل نسوا ان هذا الشعب خرج من رحم حرب مصيرية، يعيش تحت الاحتلال، تحت الطائرات، تحت الاغتيالات، وتحت خط الفقر؟
يريدون ازالة بند الردع الوحيد المتبقي في هذا الوطن. اقصى ما يحلم به هؤلاء هو وطن لا يستطيع أن يوقف طائرة تجسس إسرائيلية فوق سمائه.
لا، يا سادة لا حاجة لأن أكون مقاتلا كي أفهم، ان هؤلاء ليسوا حمقى وانهم يدركون تماما انهم يخدمون العدو في كل موقف يسمونه “سيادي”.

يتحدثون عن القرار 1701؟ جميل. أحب هذا الرقم، سهل الحفظ، ثم انه يتم ذكره كثيرا في المؤتمرات وكتابته مرتبة في البيانات الرسمية. لكن اسمحوا لي أن أقدم لكم أرقام أخرى:
190 شهيد منذ إعلان وقف إطلاق النار،
2740  خرق إسرائيلي للقرار ذاته.
هذا القرار نص على “التوافق” بين الدولة والحزب في نزع السلاح… كلمة تقول كل شيء ولا شيء.
ولمن فاتته النشرة فان الدولة اللبنانية، بكل ما تملكه من ديبلوماسية لم تطلب رسميا من المقاومة تسليم السلاح.
لم توجه بيان،
او كتاب خطي،
ولا حتى تغريدة على منصة X في منتصف الليل.
ثم لماذا تريدون نزع السلاح، لأجل من بالضبط؟ لأجل أولئك الذين فتحوا بوابات القرى لدبابات الاحتلال ذات يوم؟
لأجل من تعاونوا ثم تابوا، ثم تعاونوا مجددا، ثم تابوا مجددا شرط الحصول على حقيبة وزارية؟
والأمريكي؟ يعلي السقف اليوم فقط من أجل اتفاق جديد مع طهران. لا من اجلكم.
ومع ذلك، المقاومة ما زالت هنا، تحت الأرض وفوقها. تتابع حفر أنفاقها جنوب الليطاني وتتسلل الى كوابيسكم كي لا تناموا. والسلاح؟ السلاح الذي تتحدثون عنه وتظنون أن إسرائيل فجرته في سوريا؟ تم استرداده، بطريقة او بأخرى، من القصير، من حمص، من كل مكان.
هذا السلاح الذي قيل ان الجيش اللبناني فجره؟ لتسمعوها مرة واحدة بوضوح: “الجيش لا يفجر مخازن المقاومة”، يفجر ما يراد التخلص منه. خطة، ترتيب، تفاهم، انسجام… سموه ما شئتم. لكن لا تخدعوا أنفسكم: هذا ليس نزع سلاح، هذا تنظيف مطبخ الحرب… خطة تخدم الجهتين، تحمي المدنيين، وتبقي سلاح الردع في مكانه وتبقى الإسرائيلي وانتم معه واقفان على “رجل ونص”.

هل تعتقدون حقا أن من شاهد ذبح الساحل السوري سيكرر التجربة هنا؟ وان لبنان سيسلم مفاتيح احيائه لـ”جبهة النصرة” كي تطلق لحاها؟ لا يا سادة، هذا البلد جرب الذبح عدة مرات… ولن يمد عنقه للسكين مرة اخرى.

لأن هذا السلاح ليس ملك حزب، هو ملك الشعب. في غزة كما في جنوب لبنان، السلاح لا مفاوضة عليه. إنه حق لشعب يقف وحده في مواجهة جيش يملك النووي، والدعم الأميركي والاطلسي والغربي والعربي والتغطية للقتل.

حين خرجت منظمة التحرير من بيروت، سلمت البندقية، وركبت البحر. بعدها، لم تمر أيام حتى ذبح المدنيون في صبرا وشاتيلا… ثم جاءت البوسنة. سربرنيتشا، التي أعلنها المجتمع الدولي منطقة آمنة … تم سحب السلاح منها ايضا، ودخل القتلة، ووقفت القبعات الزرقاء، تحرس المجزرة.

هذا السلاح يا سادة لن يتم تسليمه. لأنه ببساطة مثل مفتاح بيت جدك في صفد لا يُسلم ولا يساوم عليه.
هذا السلاح ليس ملك حزب…آسفة إن خيبت آمالكم. هو ملك تلك الأم التي لم يبق لها من الحياة إلا حائط تعلق عليه صور أبنائها. هذا استشهد هذا في القصير، هذا في غزة هذا في بنت جبيل…
في هذه المرحلة البائسة، المعركة انتقلت الى الخطاب. الى اللغة. الى الرموز.
بالأمس فقط، تم طرد سلاف فواخرجي من نقابة الفنانين. سلاف هي وجه فني لموقف واضح من فلسطين والمقاومة والهوية، تم اقصاء سلاف لأنها لم تنحني، ولم توقع على بيان التطبيع الثقافي، لأنها لم تدخل غرف التنقية العقائدية التي تمر بها كل الأصوات حتى تصبح صالحة للبث… نعم، هم يريدون نزع السلاح،
ثم نزع المعنى،
ثم نزع الأصوات،
والآن… نزع الوجوه.
يريدونك بلا بندقية،
وبلا كلمة، وبلا احد يذكرك أنك كنت يوما على حق.
هكذا تبدأ النهاية: بنزع كل من يشبهك… من الشاشة، من الشارع، ومن الذاكرة الجماعية.
احفظ جيدا هذا:
لا يطالبك أحد بنزع سلاحك… إلا إذا كان يخطط لقتلك بهدوء.

أستاذة جامعية، باحثة في العلاقات الدولية والقانون الدولي لحقوق الإنسان – باريس
@lynaPERON