أمل سبتي: بين جريمة 1988 ومجازر 2025: الاحتلال لا يعرف الزمن تمهيد: الاغتيال كأداة دائمة في عقيدة الاحتلال

أمل سبتي: بين جريمة 1988 ومجازر 2025: الاحتلال لا يعرف الزمن تمهيد: الاغتيال كأداة دائمة في عقيدة الاحتلال

أمل سبتي

منذ اللحظة الأولى لزرعه في قلب المنطقة، لم يتوانَ الكيان الصهيوني عن استخدام الاغتيال كأداة لتصفية القادة والمجاهدين الذين يشكلون خطرًا على مشروعه الاستعماري. لم تكن تلك العمليات الأمنية سوى تجلٍّ لفلسفة قائمة على كسر إرادة الشعوب، لا سيما الشعب الفلسطيني الذي لم ينكسر، رغم كل محاولات الاستئصال. من بيروت إلى تونس، ومن نابلس إلى غزة، ظل الاحتلال يلاحق رموز المقاومة، لكنه فشل في القضاء على الفكرة. والمقاومة التي أنجبت أبو جهاد، تواصل اليوم إنجاب الرجال والنساء الذين يحملون رايته رغم الجراح.
جريمة 1988: اغتيال أبو جهاد في قلب تونس
في 16 أبريل 1988، امتدت يد الغدر الصهيونية إلى ضاحية سيدي بوسعيد في تونس، حيث نفذ الموساد عملية اغتيال خليل الوزير، “أبو جهاد”، أحد القادة المؤسسين لحركة فتح والعقل المدبّر للانتفاضة الأولى. لم تكن العملية أمنية بحتة، بل رسالة سياسية حاولت القول إن يد الاحتلال طويلة. لكن الرد الشعبي الفلسطيني جاء أقوى من المتوقع، إذ اشتعلت الانتفاضة أكثر، وتحوّل أبو جهاد من قائد ميداني إلى أيقونة نضالية خالدة.
اغتيال أبو جهاد لم يُنهِ المقاومة، بل ضخّ دمًا جديدًا في عروقها. فالرجل الذي لطالما آمن بأن البندقية لا تسقط بالتقادم، صار شاهدًا على أن الفكر المقاوم لا يُغتال، بل ينتقل من جيل إلى آخر.
غزة 2025: قلعة الصمود تتحدى النار
غزة اليوم ليست فقط جرحًا مفتوحًا، بل قلعة حصينة للمقاومة والكرامة. في الوقت الذي تُمعن فيه آلة الحرب الصهيونية في ارتكاب المجازر، فإن غزة تُثبت مجددًا أنها قادرة على الصمود والتحدي. عشرات الشهداء في يوم واحد لا يُضعفون الروح، بل يُشعلون العزيمة. ورغم الحصار والدمار، تخرج صواريخ المقاومة لتقول للعالم إن الشعب الفلسطيني لا يقبل الذل، وإن المعادلة لن تكون يومًا من طرف واحد.
غزة اليوم تمثل الامتداد الطبيعي لمدرسة أبو جهاد، حيث لا تُرفع الرايات البيضاء، بل تظل راية المقاومة خفّاقة فوق الركام. فكل بيت يُقصف يولد منه مقاتل، وكل شهيد يكتب صفحة جديدة في سجل النصر القادم.
من اغتيال القادة إلى مواجهة الشعوب… المقاومة لا تُهزم العدو يكرر أدواته: الاغتيال، القصف، الحصار. لكنه لم يتعلّم أن المقاومة لا تُقاس بعدد الشهداء، بل بصلابة الوعي والإرادة. بالأمس اغتالوا أبو جهاد ليكسروا الانتفاضة، واليوم يقصفون غزة ليطفئوا جذوة المقاومة، لكنهم يفشلون في كل مرة.
من رصاصة الموساد في تونس إلى صاروخ يُطلق من غزة اليوم، تتجلى وحدة المسار المقاوم. الاغتيال لم يوقف مسيرة التحرير، بل رسّخها. والدماء التي سالت في سيدي بوسعيد هي ذاتها التي تروي تراب غزة، وتصنع وحدة المعركة. فالمشروع الصهيوني قائم على التوسع، لكن المقاومة قائمة على الثبات، وهي الأصدق والأبقى.
خاتمة: زمن المقاومة لا ينتهي
الاحتلال لا يعرف الزمن، لكنه أيضًا لا يقرأ التاريخ. فالمقاومة الفلسطينية، الممتدة من بيروت إلى غزة، ومن تونس إلى جنين، باقية ما بقيت الأرض. وأبو جهاد، وإن اغتيل جسده، فإن فكره وأثره باقٍ في كل مقاتل يقاوم، وكل طفل يحفظ اسمه، وكل أم تُربي أبناءها على حكايات الشهداء.
غزة اليوم لا تنزف وحيدة، بل تكتب بدمائها مستقبل الأمة. وبينما يحاول العدو إعادة إنتاج الإبادة، تعيد المقاومة إنتاج الأمل. وإن كان الاحتلال لا يعرف الزمن، فإننا نعرف أن الزمن في صالح الشعوب الصامدة، وأن النصر حتمي لمن يدفع ثمنه بالصبر والدم والإيمان.
كاتبة تونسية