“محنة فلسطين سبيل المسلمين إلى التعاطف وصرختها نداء العرب إلى الوحدة”.. ماذا بعد استباحة الأقصى.. والعدوان الغادر على صنعاء؟ إلى متى تهرب الأمة الإسلامية من حرب تدق أبواب أمنها وحدودها؟ وهل كانت نخبة الأمس أشرف وأشجع من نخبة اليوم؟

القاهرة – “رأي اليوم” – محمود القيعي:
في الوقت الذي كان السفير الأمريكي في إسرائيل يزور البراق غربي المسجد الأقصى تاليا أذكار كتبها ترامب بنفسه، تزامنا مع استباحة آلاف اليهود يوميا لباحات المسجد الأقصى، كانت الصواريخ والطائرات الأمريكية تواصل دك صنعاء في هجمات هي الأعنف. كل هذا والصمت “المريب” سيد الموقف في العالمين العربي والإسلامي.
السؤال الذي بات يتردد : هل لا يزال المسجد الأقصى خطًا أحمر للشعوب الإسلامية؟
أم أنها تعودت على الهوان وسهل عليها، فلم يستفزها آلاف المستوطنين يقتحمون الأقصى وهم يرقصون ويؤدون شعائر تلمودية بأعداد غير مسبوقة، وفي مشاهدة غير معهودة.
د. كمال حبيب، الباحث المتخصص في شؤون الجماعات الإسلامية، يقول إن الأمة التي تهرب من الحرب وهي تدق أبواب أمنها وحدودها وهي تظن أنها بذلك تحقق سلامتها وأمنها ستجد نفسها غدا وقد فرضت الحرب عليها كالموت الذي تفر منه، ولكنه ملاقيها.
ويضيف أنه لا مهرب من الحقيقة ومواجهتها اليوم خير من الهروب منها، مؤكدا أن السلام وحده لن يحقق أمنا ولا حماية لأنه هو نفسه يحتاج إلي حماية، لافتا إلى أن القوة والاستعداد للحرب وخوضها حين تفرضها ضرورات أمنك وكرامتك ومكانتك ووجودك هي سبيل تحقيق السلام والأمن لأمتك ولدولتك.
الصمت العربي والإسلامي المطبق لاسيما بين ما يسمون بالنخبة المثقفة يثير تساؤلا مفاده:
هل كانت نخبة الأمس أشرف وأشجع من نخبة اليوم؟
يوما ما كتب الأستاذ أحمد حسن الزيات مقالا في مجلة الرسالة أغسطس 1938 بعنوان “يا لله لفلسطين!”
جاء فيه: “لقد شن يهود الأرض على عرب فلسطين الحرب في صراحة ووقاحة، وأعلنوا الجهاد الديني والقومي بالتطوع والتبرع، وسلحوا ذؤبانهم بالمنايا والمنى، ودفعوهم في وجه الحق والعدل والشرف ومن ورائهم مصارف اليهود تمدهم بالذهب، ومصانع الانجليز تمدهم بالحديد، فانطلقوا يخربون المدن، ويحرّقون الحقول، ويقطعون السبل، ويحصرون المؤمنين الآمنين في أجواف الدور، وفي شعاف الجبال، لا يجدون منصرفا إلى الزرع،ولا سبيلا إلى القوت، وقد شغلهم الدفاع المقدس عن الحمى والنفس عمن وراءهم من الشيوخ والأطفال والنسوة، فتركوهم يتضاغون من الجوع، ويرتعدون من الخوف، ويكابدون برحاء الهموم على وطن يستبيحه الغريب، شعب يتخطفه الموت، وحق يتحيفه الباطل، ومستقبل يكتنفه الظلام”.
وتابع الأستاذ الزيات مقاله قائلا : “أما إخوان النسب وإخوان العقيدة، فكأنهم لا يملكون لمأساة فلسطين الدامية إلا عزاء المجامل، ورثاء الشاعر، ودعاء العاجز، وبكاء المرأة “.
وخاطب صاحب الرسالة المسلمين قائلا : “أيها المسلمون. إذا ذهبت عصبية الجنس، فهل تذهب نخوة الرجولة؟
وإذا ضعفت حمية الدين فهل تضعف مروءة الإنسان؟
إنا لا نقول لكم تطوعوا، ولكنا نقول تبرعوا، وليس في التبرع للجريح بالدواء، وللجائع بالغذاء نقض لمعاهدة ولا غدر بصداقة.
“وأقل ما يجب للقريب على القريب، وللجار على الجار يد تواسي في الشدة وقلب يخفق في المصيبة، ولسان يحتج في المظلمة، فهل يزكو بعربيتكم والجود غريزة في كيانها، وبإسلاميتكم والمواساة ركن من أركانها، أن تقفوا من فلسطين موقف الخلي المتفرج يسمع الأنين فلا يعوج، ويبصر الدمع فلا يكترث”.
واختتم الأستاذ الزيات مقاله قائلا : “إن فلسطين تقاتل للحياة لا للمجد، وتناضل عن القوت لا عن العزة، وخليق بمن يدفع عن نفسه أن يعان، وبمن يذود عن رزقه أن يُعذر.
إن فلسطين من البلاد العربية بمكان القلب، ومن الأمم الإسلامية بموضع الإحساس، وسيعلم الغافلون أن محنتها سبيل المسلمين إلى التعاطف، وصرختها نداء العرب إلى الوحدة”.