يسين بوغازي: “الطيارة الصفراء” فيلم روائي قصير يفتح الباب على سينما جديدة في الجزائر
يسين بوغازي
منذ وقت طويل، و فيما يقارب السنة ونصف السنة بدأ الحديث في الصحافة والإعلام الجزائري عن فيلم روائي قصير اسمه “الطيارة الصفراء”، وللوهلة الأولى يبدو الفيلم من عنوانه ذا علاقة بالثورة التحريرية الجزائرية فقد ارتبطت” الطيارة الصفراء” مجازا بالشرق الجزائري حيث خلدتها أغنية مجهولة المصدر لكنها الأكثر تناولا عن مدى الأحزان التي عاشها الشعب الجزائري والتقتيل الفرنسي.
لذا اعتقدت أنه فيلم من تلك الأفلام التي تحاول ركوب موجات المشاعر الوطنية عبر الأسماء الكبرى أو المعارك الخالدة أو حتى الأغاني الثورية الكبيرة من خلال السينما، لكنك عندما تشاهد بعض تلك الأفلام مؤخرا تسكنك قناعة أن لا علاقة للفيلم بالسينما وأن القضية شيء آخر طبعا لا سينمائي..
لكنني في مقاربة بذاك الاحتفاء بالفيلم راودتني أفكار عن شيء استثنائي متوافر فيه لم يتوافر في غيره، وإلا لم كل هذه الاحتفاء؟
مضت الأيام والأشهر “الطيارة الصفراء” من مناسبة إلى أخرى يعرض سيما تلك الوطنية و الثورية حيث أخذ يعرض في برامج لوزارة الثقافة والفنون عبر مديرات الوزارة في الولايات المختلفة، فقد برمج عرضه بمدينة ساحلية حيث أقطن بل إنني زرت القاعة التي برمج فيها العرض لكنني انصرفت حفاظا على كرامة خفت أن تستباح، إذ لم توجه لي دعوة حضور. وهذه عادة سينمائية في الجزائر تلتزم بها وزارة الثقافة و الفنون عبر مديرياتها بالولايات فلا دعوات للمثقفين والمتخصصين وفقط الاكتفاء باشارة الدعوة عامة وهذا اقلال مسيء فلا تدري لماذا يفعلون هذا؟
مضت الشهور وبدا لي أن الفيلم انتهى الاحتفاء به، وطوال تلك المدة لم تسعفني ظروفي لمشاهدته، ثم وفجأة يأتي إعلان المهرجان السينمائي “رؤية إفريقية”بكندا عن فوز فيلم ” الطيارة الصفراء “بالجائزة الكبرى فكان الخبر بمثابة عودة للحديث و التفكير في هذا الفيلم الذي لا يريد أن يخبو صداه، ولأنني أعتقد أن السينما الجزائرية رأسا هي سينما للمهرجانات الدولية منذ تاريخ السينما عندنا، كله جوائز عالمية فقد انفتحت أمامي فكرة: لم لا يكون هذا الفيلم حقيقيا عن سينما جادة؟ الأمر الذي دفعني أن أكتب منشورا على وسائط التواصل تضمن قناعة لي بأننا بصدد فيلم جيد استطاع أن يتناول قضية وطنية في حكاية سينمائية بتفوق إخراجي ، قلت هذا ولم يفوتني ان أشرت أنني لم أشاهد الفيلم بعد إذ لا يعقل الكتابة عن فيلم لم تشاهده؟
ثم بعد أيام يرن هاتفي وإذ المتصلة صحفية من قناة” الوطنية تي في” الجزائرية تطلب مني:
ـــ أستاذ هل ممكن تتدخل معي حول فيلم الطيارة الصفراء؟
وعادة أكن احتراما كبيرا لهؤلاء الصحفيين الثقافيين في الجزائر فهم يكابدون الأمرين في وظيفتهم، فقبلت التدخل وقلت ” أننا يبدو لي بصدد فيلم جيد حول قضية وطنية وأن عادة الأفلام الوطنية أو الثورية التي تنتج مؤخرا تبدو بببعد محلي ولا تنافس مهرجانيا لكن يبدو لي أن “الطيارة الصفراء” والمخرجة “هاجر سباطة” قد مزقت هذه النمطية.
بعدها أتيحت الظروف أن أرسلت لي المخرجة رابط مشاهدة خاص الأمر الذي وضعني أمام ذهول كبير عندما أنهيت مشاهدة هذا الفيلم الروائي القصير فقد كان تحفة سينمائية بامتياز
لقد مسح من ذهني الفيلم فكرة أولى هي أنني كنت أعتقد ضمن كثيرين من مختصي السينما أن المخرج الجزائري ينقصه الإبداع فعندما تشاهد تلك الأفلام التاريخية الثورية أو تلك النوفمبرية مؤخرا تقف حائرا أمام الاكتفاء بترك الكاميرا تدور وفقط، والثاني بدا فيلما يقول لي أننا أمام مخرجة ” هاجر سباطة ” قد أعلنت عن وجهها سينمائيا وأنها قادرة على تحريك الكاميرا وإدارة المشاعر علاوة عن سيناريو وزان و متماسك جيدا.
لقد اختزل الفيلم الفكرة الوطنية ما بين الجزائري المضحى والشجاع الذي يختار الموت على عيشة الذل، والجزائري الجبان الذي يختار الخيانة و القتل على حياة الشهداء ، وهذه أعتقد أهم هاجس في الفيلم مع بعض الملامح الوطنية والمعيشية التي كانت تعلق بأسرة البطلة أو أعضاء جبهة التحرير والبيئة الاستعمارية التي لا ترحم الذي يرفعها ذلك الضابط الفرنسي الكذاب القاتل والذي تراه يلعب أدوار الإجرام و الضابط العسكري ، في النهاية البطلة جميلة تختار الإنضمام إلى جبال الثورة ولا خيار لها بعد عميلة قتل الضابط الفرنسي المجرم.
وطبعا للفيلم جوانب فنية على مقاسات النور والظلام واختيار الألوان وبناء الشخصيات والاقتصاد في كتابة السيناريو وفي توظيف تقنيات عصرية في إدارة المشاهد ليأتي متماسكا بروعة الرؤية السينمائية، واضح العلاقات يتجه رأسا نحو النهاية بسلاسة ثورية سيما للجزائريين الذين يفهمون كل دقيقة من الفيلم.
ربما الطيارة الصفرا ” سيكون واحدا من الأفلام المهمة في سلسلة أفلام الموجات الجديدة في الجزائر لأنه فيلم جزائري مكتمل في استثنائية أخرى هي أن الأفلام الجزائرية عموما تستعين بخبرات أوروبية لتأتي جزائرية” الطيارة الصفراء” في كونه محلي بمعنى جزائري خالص استطاع التحليق بعيدا.
سيناريست