حماد صبح: لماذا تلح إسرائيل على نزع سلاح المقاومة في قطاع غزة؟!

حماد صبح
ألحت إسرائيل في حربَي 2008 و 2014 على نزع سلاح المقاومة في قطاع غزة . وفي الحرب الحالية هي تضمنه أي اقتراح لوقفها أو حتى هدنة طويلة الأمد . فما أسباب هذا الإلحاح الموصول ؟! ونذكر قبل الإجابة أنها فشلت في بلوغ ما ألحت عليه في الحربين الأوليين حين قوبلت بتأبٍ حازم جازم من المقاومة لما تريده. وإجابة السؤال هي:
ـ أولا: نزع سلاح أحد المتحاربين إقرار بهزيمته وانتصار الطرف الآخر عليه. المنتصر يملي ما يريد، والمهزوم ليس له سوى قبول هذا الإملاء. حدث هذا عقب انتصار الحلفاء على ألمانيا في الحرب العالمية الأولى وفي الحرب العالمية الثانية، وإن كان نزع السلاح الألماني ليس بالكيفية الفجة الوقحة التي تلح عليها إسرائيل مع المقاومة الفلسطينية. وحدث هذا مع اليابان بعد هزيمة أميركا لها في الحرب العالمية الثانية، وبمواصفات قريبة من المواصفات الألمانية. وتغفل إسرائيل غباء وتعمدا الفرق بين حال ألمانيا واليابان مع الحلفاء، وحال المقاومة معها .
في حال ألمانيا واليابان انتصرت جيوش على جيوش ، ودول على دول، والمنتصرون ما كانوا يريدون إزالة الدولتين المهزومتين ، وإبادة شعبيهما . في الحالة الفلسطينية شعب يقاوم استيطانا عدوانيا إحلاليا يشن على ضحيته الحرب تلو الحرب ، والضحية تقاوم بأسلحة شبه بدائية ، وأحيانا تعيد تأهيل قذائف المعتدي لتقاتله بها . هنا شعب يريد حقه في الحرية والوجود الإنساني الآمن في وطنه ، فالانتصار عليه بالمفهوم المألوف للانتصار مستحيل، وسيقاتل عدوه بكل ما تبلغه يده من وسائل . وإسرائيل على ما أحدثته في قطاع غزة من إبادة بشرية وعمرانية وشجرية واسعة ومخيفة لم تنتصر على أهله ، واسمعوا ما يقال فيها عن نفي هذا الانتصار لا ما نقوله نحن عنه.
ـ ثانيا: هي تريد الحصول على هذه الورقة العظيمة الأهمية والخطورة في صورة التزام من المقاومة بشهادة الوسطاء، وعند علمها مستقبلا بوجود أي سلاح في حوزة المقاومة ستسرع إلى الغضب والاحتجاج والتهديد بأنها ستهاجم أماكن هذا السلاح وسواها ، وتطلب من الوسطاء الوفاء بما شهدوا عليه وضمنوه.
ـ ثالثا: تريد حرية العمل العسكري في قطاع غزة متى شاءت تحت ذرائع من اختلاقها . ترسل قوة برية إلى مكان معين للخطف أو القتل، أو تهاجم جويا مبنى تدعي أن فيه فردا من المقاومة.
ـ رابعا: وهذه حقيقة خطيرة جدا . امتلاك السلاح تجسيد للسيادة الوطنية، ونزعه قضاء على هذا السيادة، وإقرار بامتلاك النازع لها وحده، وهذا ما تريده إسرائيل فعلاً وجوهرًا. إنها ترى الأرض الفلسطينية ملكا لها وحدها دون سواها، وترانا فيها عابري سبيل ، وتحرر وعيها المشوه الفاسد من كل الحقائق التي تنفي ما تراه نفيا كاملا مطلقا. الفلسطينيون اليوم أكثر عددا من مستوطنيها الذين دفعت الحرب الحالية مئات الآلاف منهم إلى الهجرة النهائية منها، والحبل على الجرار، ويومياً نسمع عن هجرة أصحاب رؤوس الأموال والتكنولوجيا العالية.
ـ خامسا: تريد أن تشعر مستوطنيها المذاعير المهاليع بالأمان المطلق من أي خطر يتهدد حياتهم. ناموا فالمخاوف كلهن أمان ! وهي دائما تؤكد أن وجودها يعتمد على ثنائية الأمن والرفاه. وكل هذه الأسباب، وفي اتجاه مضاد على خط مستقيم، تفسر رفض المقاومة الفلسطينية في قطاع غزة نزع سلاحها. وستنجح في هذا الرفض المشروع، وسيفشل إلحاح إسرائيل مثلما فشل ماضيا. نزع السلاح نزع للروح ولأساسيات الوجود السوي الآمن. ما مآل راعٍ ومآل غنمه أمام قطيع ضارٍ جائع من الذئاب؟! هذه حالنا مع إسرائيل.
كاتب فلسطيني مقيم
في غزة