خطأ لم يحدث منذ عقود.. من المتسبب في غرق آلاف الأفدنة الزراعية في مصر؟ هل للأمر علاقة بالسد الإثيوبي ؟ لماذا لم يشف بيان وزارة الرى الغليل؟وما أسباب اعتبار خبراء المياه الواقعة جرس إنذار ينبغي الانتباه إليه قبل فوات الأوان؟

خطأ لم يحدث منذ عقود..  من المتسبب في غرق آلاف الأفدنة الزراعية في مصر؟ هل للأمر علاقة بالسد الإثيوبي ؟ لماذا لم يشف بيان وزارة الرى الغليل؟وما أسباب اعتبار خبراء المياه الواقعة جرس إنذار ينبغي الانتباه إليه قبل فوات الأوان؟

القاهرة – “رأي اليوم” – محمود القيعي:
شهدت مصر في الساعات الأخيرة غرق آلاف الأفدنة الزراعية في الدلتا، مما تسبب في خسائر فادحة للفلاحين، وهو الأمر الذي دعا الكثيرين للتساؤل عن أسباب ما حدث؟ وهل هي أسباب خارجية متعلقة بالسد الإثيوبي أم أن هناك خللا ما أدى إلى ما حدث.
المهندس محمد غانم، المتحدث باسم وزارة الري قال إن ما تم تداوله حول غرق عدد من الأراضي الزراعية ببعض قرى مركز أشمون بمحافظة المنوفية هو أمر طبيعي ومتكرر سنويا، وناتج عن ارتفاع منسوب مياه نهر النيل خلال موسم الصيف، وهو ما يؤدي إلى غمر ما يُعرف بـ «أراضي طرح النهر».
وأضاف في مداخلة هاتفية لإحدى القنوات أن الأراضي التي شهدت الغمر ليست ضمن الزمامات الزراعية بوادي ودلتا النيل، بل تُعد جزءًا لا يتجزأ من نهر النيل نفسه، ويُطلق عليها «طرح النهر»، وهي أراضي منخفضة تتعرض للغمر مع ارتفاع المناسيب في فصل الصيف، نتيجة زيادة الاحتياجات المائية، موضحا أنه في موسم الصيف، ومع ارتفاع درجات الحرارة، تزداد الاحتياجات المائية للمحاصيل الصيفية ومياه الشرب، مما يستدعي زيادة تصرفات المياه في نهر النيل والترع والرياحات الرئيسية، وبالتالي يرتفع المنسوب ويغمر تلك الأراضي بشكل طبيعي.
بيان وزارة الرى لم يشف الغليل، حيث ذهب خبراء إلى أن هناك خطأ جسيما قد جري، ويجب التحقيق فيه، و كيف يتم غرق هذه المئات من الأفدنة وهي على وشك الحصاد؟
الأمر الذي اتفق عليه الجميع أن الموضوع ليس له علاقة بسد النهضة. ولا بالسودان، مؤكدين أن هناك سدود تحكم بين بيحيرة ناصر وموقع الفيضان في المنوفية و السد العالي ووقماط أسيوط و والقناطر الخيرية وغيرها، فكيف يحدث ذلك في فرع رشيد دون فرع دمياط؟
من المتسبب فيما حدث؟
سؤال بات مطروحا وسط أجواء من الحزن والغضب؟
الإجابة تباينت، حيث يرى البعض أن الخلل هنا والمسؤولية تقع على المسؤولين في وزارة الري ؛ لأنهم على علم بكميات التصريف في النيل وبالتالي المنسوب الذي سوف تصل إليه المياه وعلاقته بأراضى طرح النيل، وهذا يذكّر بما حدث العام قبل الماضي وإغراق جزر نيلية في صعيد مصر وتدمير محصول القمح.
من جهته يقول خبير المياه العالمي د. ضياء الدين القوصي إن المتحدث باسم وزارة الري لم يوضح الصورة بدقة تقطع دابر الفتنة، مشيرا إلى أن النيل له حرم معين في كل محافظة لابد مراعاته.
ويضيف لـ”رأي اليوم” أنه من مسؤولية وزارة الري أن توضح الصورة الحقيقية ببيانات تشفي الغليل ولا تحتمل اللبس.
وعن دعوة البعض للتخلص من المياه الزائدة في البحر بعد امتلاء المفيضات، يرى د. القوصي أن هذا سيكون خطأ؛ لاحتمال حدوث جفاف وعدم مجيء الفيضان السنة القادمة.
وبحسب د. القوصي فإن أساس المشكلة السد الإثيوبي، لافتا إلى أن المسؤولين الإثيوبيين ليس لديهم خبرة في إدارة السدود، ولا تستطيع أن تتفاهم معهم، مؤكدا أن الواجب عليهم أن ينسقوا مع مصر.
ويوضح أنه في السابق كان يوجد دفتر يسمى “دفتر المناسيب”. يطلع عليه الوزير بشكل مستمر، ليعرف كمية المياه الواردة.
ويختتم د. القوصي داعيا للارتقاء بالجهاز الإعلامي بوزارة الري لكي يستقي منه المزارعون الحقائق، مؤكدا أن ما حدث يعد إنذارا لابد أن ينتبه المسؤولون إليه جيدا قبل فوات الأوان.
في ذات السياق اعتبر البعض أن ما حدث ربما يكون السبب فيه قصف الدعم السريع سد مروى بالسودان و تخوف الحكومة المصرية من انهياره، فأقدمت على فتح المياه على مصراعيها.
د. نادر نور الدين أستاذ الأراضي والمياه بجامعة القاهرة يقول إنه حزن كثيرا وهو يرى الأراضي المزروعة بالقمح والفول والخضراوات وغيرها وهى تغمر بالمياه بسبب غير مفهوم ولا معلوم، مشيرا إلى أن من الواضح أنه خطأ جسيم من وزارة الرى ينبغي حساب المتسبب فيه.
ويضيف أنه يجب ألا يخرج علينا متحدث الوزارة يتحدث في أمور غير صحيحة واستخدام كلمات كبيرة خادعة للعامة مثل تغيير هيدرولوجيا النهر بعد ستين عاما من انشاء السد العالي!وداخلين على فترة الاحتياجات العظمى وتغير المناخ واعالي النهر والاراضي الفيضية بما يوضح التعمد ومحاولة تبرير غير محكمة ولا علمية!
وبحسب نور الدين فإن علينا توضيح عدة أمور، منها: أن فترة الفيضان تكون في يوليو واغسطس وليس في ابريل وكذلك فترات الاحتياجات العظمى من مياه النهر تكون في ذروة الحرارة في يوليو واغسطس للزراعة والمنازل، وان الحاصلات الصيفية نبدأ زراعتها في مايو القادم ونحن الان في اقل فترة احتياجات مياه لحصاد الشتوى او عدم ريه تمهيدا للحصاد، كما انه بعد السد العالي لايوجد فيضان في مصر وان المياه في النهر هى مياه مقننة ومحسوبة تخرج من بحيرة السد العالي طبقا لسعة النهر وفروعه واحتياجات مختلف القطاعات ولم يحدث هذا الخطأ من عقود.
ويوضح أنه عندما تكون المياه زائدة في بحيرة السد العالي فيتم اطلاقها عبر مفيض توشكى وليس على اراضي الفلاحين الغلابة وضياع مجهود ستة اشهر ورأس مال تعب ومجهود كان على وشك الحصاد.
واختتم مؤكدا أن قلبه يتمزق ألما وهو يرى القمح الاخضر وهو مغمور بالمياه والمزارعين يحصدونه مغمورا بالمياه، داعيا وزارة الرى لدفع تعويضات عادلة للفلاحين الغلابة عن خسائرهم التي لاذنب لهم فيها وايضا اعادة مبالغ ايجار هذه الاراضي للمزارعين وما تكلفوه من اسمدة وتقاوى ومبيدات وعماله وخدمة، لافتا إلى أن ما حدث
خطأ جسيم ينبغى اجراء تحقيق لمعرفة اسبابه ومن المخطئ صاحب هذه المأساة بخلاف اراضي الجزر النهرية التي غمرت ايضا بزراعتها.
وردا على قول البعض إن هناك أنباء عن اطلاق اثيوبيا 20 مليار م مكعب من المياه المخزنة في بحيرة سد النهضة استعدادا للفيضان القادم، وقيام المسؤولين بفتح بوابات السد العالي وزيادة منسوب النهر وبالتبعية الترع والقنوات، قال د.نور الدين إن مفيض توشكي يصرف 20 مليار متر مكعب في اقل من شهر وليس شهرين.
في ذات السياق قال د.عباس شراقي أستاذ الجيولوجيا والمياه بجامعة القاهرة إن الأراضي التي غرقت في المنوفية أو غيرها الأيام الماضية هي أراضي طرح نهر النيل أى أجزاء من جوانب النهر أو جزر لايصلها غالبا المنسوب المعتاد للنيل، مشيرا إلى أن وزارة الري تسمح للمزارعين باستئجارها مع علمهم بأن مياه النيل ممكن أن ترتفع في أي وقت، والمعتاد أن يرتفع منسوب النيل فى بعض السنوات مرتفعة الأمطار وفيها تملأ بحيرة السد العالي، وفي حالة استمرار الفيضان يتم فتح مفيض توشكى، واذا زاد الايراد يتم فتح بوابات أخرى من السد العالي، مما يؤدي إلى ارتفاع منسوب النيل وغرق بعض أراضى طرح النهر، وهذا يحدث مرة كل عدة سنوات في شهر سبتمبر أو أكتوبر.
ويضيف أن وزارة الرى قامت بتاريخ 2 أكتوبر 2024 بإخطار المحافظات الواقعة على نهر النيل باحتمالية غمر بعض أراضى طرح النهر، مشيرا إلى أن هذا متوقع فى ذلك التوقيت، ولكن الأوضاع المائية الحالية فى شهر ابريل سواء فى سد النهضة أو السد العالى لاتدعو إلى زيادة التدفق من بحيرة ناصر بالشكل الذى تم خلال الأيام الماضية حيث إن منسوب بحيرة ناصر في أقل مستوياته خلال هذا الوقت من العام وهو الربع الأخير من السنة المائية التي تنتهي في يوليو. بعدها يبدأ استقبال مياه العام الجديد، لافتا إلى أن توربينات سد النهضة لاتعمل والتصريف منه حاليًا في أقل مستوياته بنحو 12 مليون متر مكعب/يوم، كما أننا فى نهاية الموسم الزراعي الشتوي، وفيه يبدأ المزارعون في حصاد المحاصيل وعلى رأسها القمح، والموسم الصيفي لم يبدأ بعد وفيه زراعة الأرز وهو المحصول الشره للمياه، كما أن حرارة الجو لم ترتفع بعد حيث إننا في فصل الربيع وفيه متوسط الحرارة نهارا 20-30 درجة مئوية، والتغيرات الهيدرولوجية فى نهر النيل تحتاج مئات بل آلاف السنوات، وكذلك التغيرات المناخية.
وخلص شراقي إلى أن التذبذب فى إيراد النيل يحدث منذ آلاف السنين، منها السنوات السبع السمان والسنوات العجاف، وسنوات الجفاف فى الفترة 1981-1987.
ويختتم مؤكدا أن غياب التنسيق بين مصر والسودان مع إثيوبيا بخصوص سد النهضة نتيجة عدم الاتفاق يسبب حالة من الغموض والارتباك فى التخطيط للسياسة المائية والزراعية، خصوصا فى السدود السودانية الأصغر حجما من السد العالى، نتيجة عدم معرفة خطة التشغيل والتصريف من سد النهضة، مشيرا إلى أن من المتوقغ فتح بوابات المفيض العلوى أو السفلى الأسابيع القادمة خاصة إذا استمر تعثر تشغيل التوربينات بكفاءة، مشددا على أن منسوب المياه في سد النهضة و بحيرة ناصر طالما كان في حدودها العادية فالمشكلة تنحصر في عدم توفيق وزارة الري المصرية في التحكم في تدفقات المياه من بحيرة ناصر و هذا يستلزم حساب المخطئين.