تركيا والجزائر.. علاقات متجذرة وزخم متصاعد

تركيا والجزائر.. علاقات متجذرة وزخم متصاعد

إسطنبول/ الأناضول
تشهد العلاقات الجزائرية التركية تطورا ملحوظا في السنوات الأخيرة على مختلف الأصعدة، ساهمت فيه اتفاقية الصداقة والتعاون الموقعة بين البلدين عام 2006، وازداد زخمها منذ تولي عبد المجيد تبون رئاسة الجزائر في نهاية 2019.
وفي إطار هذا الزخم، يبدأ وزير الخارجية التركي هاكان فيدان، الأحد، زيارة رسمية إلى الجزائر تستمر يومين، لبحث العلاقات الثنائية وملفات إقليمية ودولية.
وأفادت مصادر في الخارجية التركية للأناضول، بأن فيدان، سيترأس إلى جانب نظيره الجزائري أحمد عطاف، الاجتماع الثالث لمجموعة التخطيط المشتركة بين البلدين.
ومن المنتظر أن يلتقي فيدان الرئيس تبون، ويشارك في الافتتاح الرسمي للقنصلية العامة التركية في مدينة وهران (غرب).
كما سيستعرض فيدان، خلال محادثاته في الجزائر التحضيرات الجارية لعقد اجتماع مجلس التعاون الاستراتيجي رفيع المستوى بين البلدين، المقرر تنظيمه خلال زيارة مرتقبة للرئيس تبون إلى تركيا (لم يُعلن عن موعدها بعد).
وسيؤكد فيدان على أهمية الاستفادة الفعالة من فرص التعاون الاقتصادي لبلوغ الهدف المشترك المتمثل في رفع حجم التبادل التجاري إلى 10 مليارات دولار.
ومن المتوقع أن يُشدد أيضا على أهمية تعزيز التعاون في قطاع الطاقة، بالنظر إلى الدور الحيوي للجزائر في ضمان أمن الطاقة التركي، بالإضافة إلى بحث سبل التعاون في الصناعات الدفاعية على أساس المنفعة المتبادلة.
وعلى صعيد القضايا الإقليمية والدولية، سيُجري الوزير التركي محادثات مع المسؤولين الجزائريين حول ملفات: الساحل الإفريقي، وليبيا، وسوريا، وقطاع غزة.
وكان آخر لقاء جمع فيدان بعطاف، عُقد في فبراير/شباط 2025، على هامش اجتماع وزراء خارجية مجموعة العشرين في جوهانسبرغ.
كما التقيا في أنقرة بتاريخ 7 سبتمبر/أيلول 2023، في إطار زيارة رسمية لعطاف، شهدت انعقاد الاجتماع الثاني لمجموعة التخطيط المشتركة بين البلدين.
وقال عطاف، خلال مؤتمر صحفي مع فيدان وقتها، إن العلاقات الجزائرية التركية تشهد “زخما سياسيا واقتصاديا غير مسبوق”، مشيرا إلى أن الأعوام الثلاث الماضية كانت الأبرز في تاريخ التعاون الثنائي.
بدوره، جدد فيدان، التأكيد على رغبة تركيا في زيادة استثماراتها في الجزائر، مشيدا بتعاون السلطات الجزائرية في هذا السياق.
** علاقات تاريخية متجذرة
وتعود العلاقات الرسمية بين تركيا والجزائر إلى عام 1962، عقب استقلال الجزائر عن الاستعمار الفرنسي.
إلا أن جذورها تمتد إلى عام 1516 حين وصل خير الدين بربروس، إلى الجزائر، لتبدأ بذلك روابط سياسية وثقافية وعسكرية طويلة الأمد.
شهد العقد الأول من القرن الحادي والعشرين تطورات نوعية في العلاقات بين البلدين، شملت الجوانب السياسية والاقتصادية والثقافية، وافتتحت تركيا سفارتها في الجزائر عام 1963.
وفي 23 مايو/ أيار 2006، وقع البلدان “معاهدة الصداقة والتعاون” لتوطيد أواصر التعاون الثنائي.
** 4 زيارات رئاسية
ومنذ تولي الرئيس تبون الحكم في ديسمبر/ كانون الأول 2019، شهدت العلاقات بين البلدين تصاعدا في وتيرتها.
تُوّج هذا الزخم بزيارتين للرئيس التركي رجب طيب أردوغان إلى الجزائر، الأولى في يناير/ كانون الثاني 2020، والثانية في نوفمبر/ تشرين الثاني 2023، حيث أجرى خلالها محادثات مع تبون، وألقى كلمة في منتدى الأعمال الجزائري التركي.
وشهدت الزيارة الأخيرة توقيع 13 اتفاقية تعاون، من بينها تمديد اتفاقية استيراد الغاز الجزائري إلى تركيا 3 أعوام إضافية حتى عام 2027.
وأكد أردوغان، خلال المنتدى، أن تركيا تُعد أكبر مستثمر أجنبي في الجزائر خارج قطاع النفط والغاز، مشيرا إلى أن الاستثمارات التركية توفر فرص عمل لحوالي 5 آلاف جزائري.
وجدد الإعراب عن أمله في رفع حجم الاستثمارات إلى 10 مليارات دولار، مقارنة بـ6 مليارات في ذلك الوقت.
من جانبه، وصف الرئيس تبون، العلاقات مع تركيا بأنها “قوية وذات آفاق واعدة”، مؤكدا وجود إرادة سياسية صادقة لدى الجانبين لتعزيز التعاون.
أما زيارة أردوغان للجزائر عام 2020 فأسفرت عن التوقيع على بيان مشترك لإنشاء مجلس تعاون رفيع المستوى بين البلدين.
في المقابل، أجرى الرئيس تبون زيارتين إلى تركيا؛ الأولى في مايو 2022، شهدت انعقاد الاجتماع الأول لمجلس التعاون رفيع المستوى وتوقيع 15 اتفاقية.
أما الزيارة الثانية فكانت في يوليو/ تموز 2023، وركزت على تعزيز العلاقات الاقتصادية والتجارية.
** تنسيق دبلوماسي حول ليبيا وفلسطين
وتتوافق مواقف أنقرة والجزائر بشأن العديد من القضايا الإقليمية، وعلى رأسها القضية الفلسطينية، إذ يشدد الجانبان على ضرورة وقف الإبادة الإسرائيلية بغزة.
حيث أكد الرئيس أردوغان، في اتصال هاتفي مع تبون، للتهنئة بعيد الفطر بتاريخ 30 مارس/ آذار 2025، على مواصلة التعاون بين البلدين من أجل وقف إطلاق النار بغزة.
كذلك، أشاد الرئيس أردوغان، في كلمة عقب اجتماع مجلس الوزراء التركي، في 6 ديسمبر 2023، بموقف الجزائر حيال القضية الفلسطينية، مبينا أنها “من أبرز المدافعين” عنها.
وقال: “في لقائنا مع الرئيس الجزائري أخي (عبدالمجيد) تبون (في نوفمبر 2023) أكدنا باعتبارنا دولتين شقيقتين دعمنا القوي لغزة وللقضية الفلسطينية”.
وفي الملف الليبي، يتفق الطرفان على ضرورة إيجاد حل سياسي، إذ أكد تبون، خلال زيارة أردوغان إلى الجزائر في يناير 2020، توافقهما حول تنفيذ مخرجات مؤتمر برلين.
وأكد تبون آنذاك، أنه على اتفاق تام مع الرئيس أردوغان، حول تنفيذ مخرجات مؤتمر برلين بشأن ليبيا، من أجل ضمان السلام في الدولة الجارة لبلاده.
** خطوات متواصلة لتعزيز العلاقات
والخطوات لتعزيز العلاقات بين الجانبين متواصلة بقوة.
ففي 7 فبراير 2025، منحت السلطات الجزائرية بنك “زراعات” اعتمادا لفتح فرع له، ليُصبح أول مصرف تركي يزاول نشاطه في الجزائر.
وفي 7 يناير 2025، بدأت شركة “إيه جت” (A Jet) التركية للطيران منخفض التكلفة تسيير رحلات تجارية إلى الجزائر، تربط مطار صبيحة غوكتشن الدولي في إسطنبول بالعاصمة الجزائرية، بمعدل 5 رحلات أسبوعيا في مرحلة أولى.
وفي 23 نوفمبر 2024، وخلال كلمته في منتدى الأعمال والاستثمار التركي الجزائري الأول بإسطنبول، الذي يهدف إلى تشجيع الاستثمار بين البلدين، أكد وزير التجارة التركي عمر بولاط، أن أنقرة ستُسرّع محادثات اتفاقية التجارة التفضيلية مع الجزائر التي بدأت العام الماضي.
وقال بولاط: “ثمة فرص كثيرة للشركات ورجال الأعمال في كلا البلدين، في قطاعات الاستثمار والمقاولات والتجارة والتمويل والخدمات والنقل”.
ووصف الوزير التركي الجزائر بأنها بوابة تركيا إلى القارة الإفريقية، وأشار في الوقت نفسه إلى أن تركيا تُعد بوابة الجزائر إلى منطقة أوراسيا.
وفي 28 يوليو 2024، رست سفينة الإبرار “TCG BAYRAKTAR-L402” التابعة للقوات البحرية التركية، في الجزائر، في زيارة لعدة أيام، ضمن برنامج التعاون العسكري بين البلدين.
وفي 24 يونيو 2024، شارك نائب الرئيس التركي جودت يلماز، في افتتاح معرض الجزائر الدولي الـ55، ورافقه في الزيارة كل من وزيرة الأسرة والخدمات الاجتماعية التركية ماهينور أوزدمير غوكتاش، ووزير التجارة عمر بولاط.
وفي تصريحات صحفية عقب لقائه الرئيس تبون، لفت يلماز إلى أن حجم التجارة بين تركيا والجزائر بلغ 6.3 مليارات دولار، مؤكدا أن البلدين يسعيان لتحقيق الهدف الذي حدده رئيسا البلدين، والمتمثل في رفع التبادل التجاري إلى 10 مليارات دولار.
وأشار إلى أن الشركات التركية نفّذت في قطاع المقاولات مشاريع في الجزائر تجاوزت قيمتها 21 مليار دولار.
وفي 21 و22 سبتمبر 2023، زار وزير النقل والبنية التحتية التركي عبد القادر أورال أوغلو، الجزائر، وعقد لقاءات مع عدد من المسؤولين لتعزيز العلاقات الثنائية. وتقرر خلال الزيارة إنشاء فريق عمل مشترك في مجال مصائد الأسماك وبناء السفن.
** هدف التبادل التجاري: 10 مليارات دولار
وفي 10 ديسمبر 2022، زار وزير الخارجية التركي الأسبق مولود تشاووش أوغلو الجزائر، لحضور الاجتماع الأول لمجموعة التخطيط المشتركة بين البلدين.
وأكد تشاووش أوغلو، آنذاك أن التعاون بين الجزائر وتركيا سيكون مفيدا للمنطقة بأسرها، مضيفا: “نعمل معا لزيادة ليس فقط تجارتنا، بل أيضا استثماراتنا هنا، للوصول بها إلى مستوى 10 مليارات دولار”.
وفي نوفمبر 2022، أعلن وزير الطاقة والموارد الطبيعية التركي آنذاك فاتح دونماز، خلال زيارة إلى الجزائر، أن البلدين يعتزمان تأسيس شركة مشتركة للتنقيب عن النفط والغاز الطبيعي في بلدان المنطقة، وفي مقدمتها الجزائر.
وقال دونماز، في تصريحات للأناضول: “توصلنا إلى توافق حول تأسيس شركة مشتركة بين شركة النفط والغاز الوطنية الجزائرية (سوناطراك) وشركة البترول التركية، لتنفيذ أنشطة التنقيب عن النفط والغاز بشكل مشترك في دول المنطقة، وعلى رأسها الجزائر”.
** تضامن بعد الزلزال
وخلال محنة زلزال 6 فبراير 2023، أعربت الجزائر عن تضامنها مع تركيا، وقدمت دعمًا بقيمة 30 مليون دولار، وأرسلت فرق إنقاذ ومساعدات إنسانية.
وتحولت الحملات على وسائل التواصل الاجتماعي في الجزائر إلى تحركات ميدانية واسعة لدعم المتضررين.
وأعرب المواطنون والرياضيون والسياسيون الجزائريون عن تضامنهم الكامل مع الشعب التركي منذ الساعات الأولى للكارثة.