اكتشاف الخلايا المسلحة وهشاشة التماسك المجتمعي الاردني

الأستاذ الدكتور أنيس الخصاونة
كشفت حادثة الخلايا المسلحة عن مدى الانقسام في مواقف الاردنيين وتباين اتجاهاتهم ليس فقط نحو الافراد المتورطين في استيراد السلاح وادوات تصنيعه فقط ولكن نحو جماعة الاخوان المسلمين التي ينتمي اليها بعض من المتهمين ،لا بل فقد تجاوز هذا الانقسام الى الموقف من المقاومة الفلسطينية في غزة والضفة الغربية. يأتي هذا الانقسام في اوقات صعبة تتطلب من الاردنيين إبداء أعلى درجات الوحدة ورص الصفوف امام حملة همجية على اهلنا في غزة والضفة الغربية تهدف الى تهجير السكان . وفي الوقت الذي يبدو ان الاردن هو ابرز الدول المرشحة لاستقبال المهجرين فإن انعكاسات ما تقوم به سلطات الاحتلال على الاردن يجعل ما يجري في فلسطين شأنا اردنيا اصيلا يقتضي مواجهته ، ناهيك عن الواجبات القومية للدولة الاردنية في الدفاع عن فلسطين والوصاية الهاشمية على المقدسات الاسلامية والمسيحية في القدس.
تأتي هذه المقدمة توطئة لما شهده الاردن خلال الأيام القليلة الماضية من انقسام وتباين حول الموقف من اكتشاف شبكة مسلحة هدفها تصنيع السلاح والصواريخ والتي يبدو انها كانت تعد لاستخدامها لاغراض المقاومة في الضفة الغربية او غزة او كلاهما في حين ان الرواية الرسمية روجت الى ان هذه الاسلحة موجهة للاستخدام الداخلي والنيل من امن واستقرار الاردن . وقد تمايزت المواقف من قبل الاردنيين ليس نحو اكتشاف الخلايا المسلحة ولكن نحو جماعة الاخوان المسلمين التي ينتمي لها عنصرين او ثلاثة عناصر من الخلايا المكتشفة وفد انقسم الاردنيون الى فسطاطين احدهما يجرم الاخوان المسلمين ويكيل لهم التهم قبل ثبوت أي توجيه رسمي او صلة رسمية للجماعة بالخلايا المكتشفة في حين ان موقف الفسطاط الثاني مدافع عن الاخوان المسلمين ويؤكد على اهمية انتظار ما يبت به القضاء وفيما اذا كان ما قام به هؤلاء النفر سلوك فردي ام انه بتوجيه رسمي من الجماعة.
لقد كشفت حادثة الخلايا المسلحة عن هشاشة التماسك المجتمعي الاردني نحو قضية أساسية طالما أكد الموقف الرسمي للقيادة الاردنية على ان قضية فلسطين هي القضية الاولى للاردن باعتبار ان ما يقارب نصف سكان المملكة هم من الاجئين او النازحين من الارض الفلسطينية.المقلق حقا هو ما يظهره ذلك التراشق الاعلامي والصفة الاتهامية التي تغلب على مواقف الاطراف من قضية الخلايا المسلحة. وفي هذا السياق يبرز لدينا بعض التساؤلات الهامة حول موقف الدولة الاردنية إزاء الجوانب التالية:
ـ اولا: مدى استمرار الدولة الاردنية في تبني القضية الفلسطينية كقضية الاردن الاولى باعتبار ان امن الاردن واستقراره متأثر بشكل مباشر بما يجري في فلسطين ،وأن المطالبة بحقوق الفلسطينيين هي قضية اردنية تمس حقوق نصف سكان الاردنيين من اصل فلسطيني.
ـ ثانيا: قضية الوحدة الوطنية والمساواة بين المواطنين الاردنيين بغض النظر عن تلاوينهم واصولهم ومنابتهم وهو مبدأ طالما أكد عليه ملوك الاردن وقياداته وحكوماته.فمعيار المواطنة هو ما نص عليه الدستور والتشريعات النافذة. إن ما كشفته حادثة خلايا السلاح قبل ايام واحداث سابقة مماثلة وما صاحبها من طعن واتهامات ذات طابع عنصري وجهوي أظهرت مدى هشاشة الوحدة الوطنية والتماسك المجتمعي مما يدق جرس الانذار بخطورة ازدواجية الهوية والانتماءات على الهوية والوحدة الوطنية مستقبلا.
إن بناء هوية وطنية مشتركة يقع على عاتق الدولة وهذا الهدف الكبير لا يتأتى بالكلام والخطابات الرنانة والعبارات المنمقة وانما يحتاج الى فعل حقيقي على الارض والى اعتماد مبدأ المواطنة كأساس في تعامل الدولة مع مواطنيها في شتى المجالات والحقوق والفرص والامتيازات .إن استحضار اصول المواطنين واعرافهم ومنابتهم واديانهم عند كل حدث او وظيفة او موقف سياسي لا يبني وطنا ولا ينشئ هوية وطنية جامعة مما يزيد من التراكمات السياسية السلبية ويوسع من مخزون الاحباط لدى طيف او اطياف مختلفة في المجتمع الاردني.
ـ ثالثا: مدى جدية الدولة الاردنية في إحداث تحديث سياسي حقيقي ينعكس على الحياة السياسية ويلمس الاردنيون نتائجه وخصوصا في مجال الحريات العامة ،وقاتون الاحزاب ،ووقوف الدولة وأجهزتها المختلفة على مسافة واحدة من جميع الاحزاب السياسية في المملكة .نعم إن الضرورة تقتضي توقف احهزة الدولة عن رعاية او مناهضة بعض الاحزاب ووصم بعضها بالوطنية او عدم الوطنية من خلال وسائل الاعلام او عبر ملاحقات إدارية او غيرها وتوطيف ذلك للتأثير على اتجاهات الرأي العام. وفي هذا السياق لا بد للدولة الاردنية ان تحزم أمرها فيما يتعلق بجبهة العمل الاسلامي والتعامل معها كحزب سياسي مثل سائر الأحزاب الاردنية والتوقف عن التشكيك به وبمقاصده بحجة روابطه مع جماعة الاخوان المسلمين(التي سحب منها الترخيص).
الأردن يمر بمرحلة حساسة من تاريخه والعدو الصهيوني يصرح علانية بأطماعه في بلدنا وتهديدات المتطرفين لا تترك مجالا للشك بأن هذا البلد مستهدف وينبغي عدم الركون لمعاهدة سلام هشة لن تمنع الصهاينة من اختراقها والقفز عنها عندما تحين الفرصة .وعليه فإن الوحدة الوطنية وتماسك الاردنيين هو خط الدفاع الأول والأخير عن الاردن وعلى عقل الدولة وقيادتها أن تدرك أن الولايات المتحدة الامريكية لن تحمي الاردن ونظامه وسيادته اذا ما كانت مصالح اسرائيل تتطلب غير ذلك فهل من مدكر….
كاتب اردني