تأثير الضربات الأمريكية في تغذية الانقسام الداخلي والتحريض ضد الهاشميين

الدكتور علي أحمد الديلمي
لطالما لعب الهاشميون دورًا بارزًا في الحياة السياسية والاجتماعية في اليمن حيث ارتبطوا بتاريخ طويل من العمل على تعزيز الوحدة الوطنية لا باعتبارهم جماعة منفصلة أو نخبوية بل كجزء أصيل من النسيج الاجتماعي والثقافي والقبلي في البلاد فالهاشمي ابن إب هو إبي ومن حضرموت حضرمي ومن تعز تعزي ومن صعدة صعداوي لم يكن الانتماء السلالي لدى الهاشميين عائقًا أمام اندماجهم في العصبيات الجغرافية والولاءات السياسية والحزبية بل كانوا جزءًا من مختلف التكوينات السياسية مؤتمر وإصلاح واشتراكي وبعثي وغيرها أسوة ببقية فئات الشعب اليمني.
ومع ذلك تصاعد في السنوات الأخيرة خطاب إقصائي خطير يستهدف الهاشميين جماعيًا ويربطهم تعسفًا بجماعة أنصار الله (الحوثيين) رغم أن هذه الجماعة لا تمثلهم جميعًا ولا تعبر عنهم ككيان اجتماعي هذا الخطاب يحاول الترويج لفكرة أن الهاشميين كتلة متآمرة تسعى إلى استعادة الحكم الإمامي وهو طرح لا يمت للواقع بصلة بل هو نتاج مزيج خطير من الجهل والافتراء والتوظيف السياسي.
الهاشميون كغيرهم من اليمنيين ليسوا كيانًا واحدًا وفيهم من عارض جماعة الحوثي بل ومن دفع حياته ثمنًا لذلك وفيهم من وقف على الحياد وفيهم من انخرط في صفوف الجماعة كما انخرط فيها أبناء قبائل وأسر متعددة من مختلف الانتماءات إلا أن التعميم الإعلامي والسياسي جعل من كل من يحمل هذا اللقب هدفًا سهلًا لخطاب الكراهية والإقصاء تحت ذريعة الإمامة. و المظلومية التاريخية في حين أن هذا الخطاب يخدم بالدرجة الأولى مصالح أطراف سياسية تبحث عن شماعة تعلق عليها فشلها المتراكم في إدارة الدولة وتحقيق التنمية والاستقرار.
الإعلام الممول من قوى سياسية وإقليمية معينة مارس نوعًا من التضليل الواسع قائم على مزج الحقائق بالأكاذيب وتضخيم بعض الوقائع وتعميم الاتهامات في سبيل خلق عدو وهمي يمكن حشد الرأي العام ضده والهدف في جوهره ليس الدفاع عن الجمهورية أو الديمقراطية كما يزعمون بل حماية الإقطاع ومراكز النفوذ القديمة التي اغتنت على حساب معاناة اليمنيين ونهبت ثرواتهم لعقود وهي اليوم تعيش أزمة شرعية ووجود وتسعى لصرف أنظار الشعب عن فشلها عبر خطاب التحريض.
في ظل هذا المشهد جاءت الضربات الأمريكية على مواقع الحوثيين لتضيف بعدًا جديدًا للصراع هذه الضربات رغم أنها حملت أهدافًا دولية تتعلق بأمن الملاحة أُعيد توظيفها داخليًا لتغذية الانقسام وترويج فكرة أن كل هاشمي هو مشروع تهديد للدولة في واقع الأمر لم يكن للهاشميين كجماعة اجتماعية دور في هذه الضربات ولا يملكون تأثيرًا موحدًا في القرار الحوثي ومع ذلك يتحملون تبعات التصعيد السياسي والعسكري ويتعرضون للتمييز بل وللتهديدات في بعض المناطق.
الأدهى أن هذا الخطاب لم يعد مقتصرًا على خصوم الحوثيين فقط بل أصبح رائجًا في المساحات العامة ووسائل التواصل وحتى في تصريحات بعض النخب الثقافية والإعلامية التي سقطت في فخ العنصرية والفكر الإقصائي واستسهلت استخدام الشتم والتخوين كأدوات للنقاش لقد تم تحويل النقاش حول الصراع في اليمن من معركة سياسية إلى تصفية حسابات اجتماعية ما ينذر بكارثة طويلة الأمد على النسيج الوطني.
اليمن في واقعها السياسي لم تكن يومًا دولة موحدة بالمعنى المؤسسي المستقر بل كانت ساحة لصراعات مزمنة تتكرر فيها الحروب مع تغير الرايات والشعارات فشلت النخب المتعاقبة في بناء دولة تحترم التعدد وتوزع السلطة والثروة بعدالة واستعاضت عن ذلك باستخدام السلاح والقمع والإقصاء واليوم تتهدد البلاد بانهيار كلي ليس فقط بفعل الحرب بل بفعل الانقسام المجتمعي العميق الذي يغذيه هذا النوع من الخطاب العنصري الممنهج.
إن اختزال كل أزمات اليمن في وجود فئة معينة مثل الهاشميين هو استخفاف بالعقول وبالتاريخ الحل لا يكمن في خلق عدو جديد بل في مصالحة وطنية شاملة تعترف بحق كل مكون اجتماعي في الوجود والمشاركة نعم يمكن أن يكون بعض الهاشميين جزءًا من الأزمة كما أن في كل المكونات من تلوث بالفساد والعنف لكن لا يجوز تعميم التهمة أو استخدام الانتماء كأداة لتصفية الحسابات السياسية.
اليمن بحاجة إلى مشروع وطني جامع يتجاوز الأسماء والألقاب ويرتكز على المواطنة ويعيد الثقة في الدولة كضامن للعدالة والكرامة وبدلًا من الاتكاء على أدوات الخارج أو اجترار شعارات الحرب لا بد من العودة إلى الداخل إلى اليمنيين بكل فئاتهم بمن فيهم الهاشميون بوصفهم شركاء في الوطن لا خصومًا مفترضين.
ربما يكون من الصعب اليوم تصور مصالحة حقيقية في ظل حجم العنف والانقسام لكن ذلك لا يجب أن يمنع السعي إلى بناء خطاب عقلاني بديل يُخرس أصوات الشتم ويُفسح المجال للعقلاء من كل الأطراف للالتقاء حول ما تبقى من وطن هنا يأتي دور السعودية التي تمتلك علاقات مع معظم المكونات اليمنية وقد تكون قادرة على لعب دور ضامن لحوار يمني – يمني حقيقي لا تديره المشاريع الخارجية بل ينطلق من مصلحة اليمن وحدها.
في النهاية الهاشميون ليسوا الخطر الخطر الحقيقي هو أن يستمر اليمن في إعادة إنتاج الأعداء بدل بناء الدولة أن نحاسب الناس على أسمائهم بدل أفعالهم أن نهدم الجسور ونبني الجدران أما الوطن فهو للجميع أو لا يكون.
سفير بوزارة الخارجية اليمنية