إسرائيل تمنع أجهزة التعرف.. جثث مجهولة تتكدس بغزة

إسرائيل تمنع أجهزة التعرف.. جثث مجهولة تتكدس بغزة

غزة / جمعة يونس / الأناضول
في واحد من أكثر المشاهد إيلاما بقطاع غزة، تتكدس مئات الجثامين والرفات داخل مشرحة “مجمع الشفاء الطبي” دون معرفة هويات أصحابها، بينما تعيش عائلاتهم مرارة الفقد والعجز تحت وطأة الإبادة الجماعية التي ترتكبها إسرائيل بدعم أمريكي مطلق منذ أكثر من عام ونصف.
هذا الواقع المأساوي سببه غياب أجهزة فحص الحمض النووي DNA، نتيجة الحصار الإسرائيلي ومنع إدخال المعدات الطبية، ما يجعل مهمة التعرف على الجثث التي قتل أصحابها بقصف إسرائيلي شبه مستحيلة.
** جثث وصمت
داخل المشرحة بمدينة غزة، يعمل الطبيب الشرعي الفلسطيني عماد شحادة بصمت ثقيل وسط ظروف كارثية، محاولا التعرف على الجثامين المجهولة.
في هذه الغرفة التي غابت عنها الحياة كما غابت عنها الأجهزة، لا يسمع سوى صوت أدواته البسيطة وهي تلامس العظام المتناثرة، وسط رائحة تختلط فيها رائحة الموت بالبارود.
ومع غياب المعدات الحديثة، يضطر الأطباء إلى الاعتماد على وسائل بدائية لتحديد هوية الضحايا، كملامح الجسد والملابس والمقتنيات الشخصية، أو ما يقدمه ذوو المفقودين من أوصاف.
ويواجه الأهالي صعوبة بالغة في التعرف على ذويهم جراء تفحم الجثث وتقطع أوصالها، حيث يصبح من المستحيل التفريق بين الأشلاء بسبب الغموض والتشويه الذي أصابها.
يقول الطبيب شحادة، وهو يقيس طول عظم الفخذ لجثة، بمتر يدوي: “نعاني من تزايد أعداد الجثث المجهولة المتحللة، ونفتقر لأبسط المقومات الطبية، وعلى رأسها أجهزة فحص الشيفرة الوراثية”.
ويضيف للأناضول: “إسرائيل تمنع إدخال هذه الأجهزة والمواد اللازمة لتشغيلها، مما يجعل عملية تحديد الهويات شبه مستحيلة”.
** وسائل بدائية
وتفرض إسرائيل حصارا خانقا على قطاع غزة منذ 18 عاما، ودمرت في حربها الأخيرة عشرات الآلاف من المنازل، ما تسبب بتشريد نحو 1.5 مليون فلسطيني من أصل 2.4 مليون يقطنون القطاع، الذي دخل مجاعة نتيجة إغلاق المعابر بوجه المساعدات الإنسانية.
ويتابع شحادة: “نعمل بوسائل بدائية جداً، نقيس العظام، نتحقق من الأسنان، نتفقد الملابس أو المقتنيات الشخصية مثل الخواتم والمفاتيح والساعات، ونقارن البيانات التي يقدمها الأهالي بما نمتلكه من معلومات”.
** تفاصيل مؤلمة
وبين طاولات الفحص، يقف الطبيب وقد تكدست حوله الجثامين، بعضها لم يتبق منه سوى هيكل عظمي مفكك، يرفع جمجمة بين يديه، يتفحص تفاصيلها، محاولا تقدير الجنس والعمر بناء على السمات العظمية.
ويقول: “نستطيع أحيانا تحديد ما إذا كانت الجثة لذكر أو أنثى، وتقدير العمر التقريبي، لكن هذا لا يكفي، الفحص الجيني هو الفيصل”.
ويشير إلى أن المشرحة استقبلت جثثا كانت مدفونة منذ أكثر من ستة أشهر، وبعضها مر عليه عام كامل، ما أدى إلى تحلل الأنسجة بالكامل، وبقاء العظام فقط، الأمر الذي يصعب عملية التعرف عليها.
ويتابع: “حتى الآن، تمكنا من التعرف على 10 جثث فقط من أصل نحو 450 جثة موجودة لدينا، والعدد في تزايد مستمر، هذه الأزمة ليست جديدة، لكنها تفاقمت بعد الإبادة الإسرائيلية”.
وخلال الحرب، اضطر الفلسطينيون إلى دفن الشهداء في أماكن غير مخصصة لذلك مثل ساحات المستشفيات والحدائق العامة والساحات المفتوحة، نتيجة القصف المتواصل وصعوبة الوصول إلى المقابر، فيما تمكن آخرون من انتشال جثامين من تحت أنقاض منازلهم المدمرة.
وتؤكد وزارة الصحة الفلسطينية بغزة أن عددا من الضحايا ما زالوا تحت الركام وفي الطرقات، بسبب عجز طواقم الإسعاف والدفاع المدني عن الوصول إليهم بسبب القصف ونقص الإمكانيات.
وتستخدم طواقم الدفاع المدني أدوات بدائية في محاولاتها لانتشال جثامين الشهداء من تحت أنقاض مئات آلاف المنازل التي دمّرتها إسرائيل في قطاع غزة.
الطبيب شحادة خلال عمله ناشد المجتمع الدولي لدعم القطاع الصحي في غزة، قائلا: “هذه الجثامين لها عائلات ينتظرون خبرا أو لحظة وداع تليق بهم، لا يمكننا فعل شيء دون توفر المعدات الضرورية”.
وبحسب المكتب الإعلامي الحكومي بغزة، فإن الإبادة الإسرائيلية خلفت أكثر من 11 ألف مفقود من بينهم قتلى لم تتمكن الطواقم الطبية من نقلهم إلى المستشفيات، وآخرون ما زال مصيرهم مجهولًا حتى الآن.
وبدعم أمريكي مطلق ترتكب إسرائيل منذ 7 أكتوبر/ تشرين الأول 2023، إبادة جماعية بغزة خلفت نحو 168 ألف شهيد وجريح من الفلسطينيين، معظمهم أطفال ونساء، وما يزيد على 11 ألف مفقود.