الأردن بين فكيّ الجغرافيا والسياسة: صمود تحت الضغط

الأردن بين فكيّ الجغرافيا والسياسة: صمود تحت الضغط

إيهاب الحباشنة

على مرّ التاريخ، ومنذ قيام الدولة الأردنية، كانت ولا تزال المملكة تواجه ضغوطًا سياسية مستمرة ناتجة عن موقعها الجغرافي في منطقة الشرق الأوسط، باعتبارها ساحة لقضايا عالقة ومطامع نفوذ. إذ يتأثر الأردن بالأزمات الإقليمية والعالمية، ما يفرض عليه تحديات سياسية واقتصادية وأمنية، أبرزها: القضية الفلسطينية، وأزمة اللاجئين، والضغوط الاقتصادية المرتبطة بالمساعدات الدولية، إضافة إلى الأمن الداخلي، وتحديات الإصلاح السياسي.
يُعدّ الأردن لاعبًا أساسيًا في القضية الفلسطينية، بحكم وصايته على المقدسات الإسلامية والمسيحية في القدس، فضلًا عن موقعه الجغرافي الذي جعله هدفًا رئيسيًا لممارسة إسرائيل، ودول غربية وإقليمية، ضغوطًا متعددة عليه بسبب موقفه الثابت الرافض للسياسات التوسعية الإسرائيلية ورفضه لمبدأ التوطين. وخير مثال على ذلك موقفه من “صفقة القرن”، التي قوبلت برفض سياسي مباشر من عمّان، لما تمثله من تهديد وجودي للقضية الفلسطينية ولمستقبل الأردن.
لقد استقبل الأردن على مدى العقود الماضية ملايين اللاجئين من فلسطين وسوريا والعراق. هذا الواقع ألقى بظلاله الثقيلة على الوضعين السياسي والاقتصادي في البلاد، نتيجة الحاجة المستمرة لتوفير موارد إضافية وخدمات أساسية. ويُعدّ الاعتماد على المساعدات الخارجية، وخاصة من الدول المانحة والمؤسسات الدولية، عاملًا ضاغطًا، إذ غالبًا ما تُربط هذه المساعدات بشروط سياسية واجتماعية تضع الدولة الأردنية في موقف حرج، قد يضطرها إلى اتخاذ مواقف لا تنسجم مع مصالحها الوطنية.
من جانب آخر، يتأثر الأردن بالآثار السلبية للتوترات بين إيران ودول الخليج، بحكم علاقاته المتوازنة مع جميع الأطراف. وأي تصعيد في المنطقة يضع المملكة أمام تحدٍّ دقيق في الحفاظ على أمنها الداخلي من جهة، وعلاقاتها الخارجية من جهة أخرى.
على الصعيد الداخلي، تتواصل المطالب الشعبية بالإصلاح السياسي والاقتصادي ومكافحة الفساد. وقد عبّر الشارع الأردني عن ذلك بوضوح خلال الانتخابات النيابية الأخيرة، حيث حصلت جماعة الإخوان المسلمين على نحو 50% من أصوات المشاركين، ما وضع مؤسسة العرش تحت ضغط داخلي لإجراء تغييرات هيكلية تضمن التوازن بين الأمن والاستقرار من جهة، والحريات السياسية من جهة أخرى. وقد انعكس ذلك في اختيار رئيس الحكومة الحالي، الذي يُعد شخصية محايدة، اقتصرت مهمته على التركيز في الجانب الاقتصادي فقط.
من العوامل التي ساعدت في تعزيز حضور الإخوان المسلمين في المشهد الانتخابي الأخير، الأحداث الإقليمية، ولا سيما الحرب في غزة، حيث تصدّرت الجماعة المشهد الأردني عبر تنظيم مسيرات وفعاليات داعمة للفلسطينيين، إضافة إلى نشاطها المتواصل في المجال الاجتماعي، وتواصلها مع القواعد الشعبية. وقد استثمر الإخوان المناخ السياسي المحلي والإقليمي لمصلحتهم، في ظل ضعف الأحزاب المنافسة، التي نشأت بدفع من الدولة العميقة، وسُمّيت بـ”الأحزاب الورقية”، لكونها تفتقر إلى البرامج الواضحة وتقودها شخصيات غير معروفة، محسوبة في الغالب على فئة الموالين للعرش، وترتبط بعلاقات مع الأجهزة الأمنية.
وقد ساعد على صعود الإخوان أيضًا تفاقم التحديات الاقتصادية والاجتماعية، في ظل غياب الحلول من الحكومات المتعاقبة، ما أدى إلى ظهور رغبة متزايدة لدى شريحة واسعة من المواطنين في إحداث تغيير في السياسات العامة، خاصة في الجانب الاقتصادي والسياسي. وهو ما تجلّى في لجوء المواطنين من مختلف الأصول والمشارب إلى انتخاب الإخوان المسلمين، كتعبير عن الغضب من الحالة العامة السائدة في البلاد.
وفي ظل تصاعد الضغوط السياسية في المنطقة، تسعى الدولة الأردنية إلى الحفاظ على استقرارها، خاصة بعد فوز دونالد ترامب في الانتخابات الأمريكية، وهو الذي لم يُخفِ توتر علاقاته مع الأردن بسبب مواقفه الشخصية من إسرائيل والقضية الفلسطينية. وفي هذا السياق، يعمل الأردن على تعزيز تحالفاته الإقليمية والدولية، سعيًا للعودة إلى موقعه كلّاعب أساسي في قضايا المنطقة. وخير دليل على ذلك، تحييد الأردن بالكامل عن أي دور في حرب غزة الأخيرة، في مقابل تصدّر دول أخرى للمشهد.
في الداخل، تسعى الدولة إلى تعزيز جبهتها السياسية عبر الدفع الجزئي نحو إصلاحات داخلية، من دون الغوص في ملفات جوهرية عالقة، مثل الفساد، وشكل نظام الحكم، والحريات السياسية.
خبير استراتيجي اردني