علي أحمد محمد المقدشي: السياسة الأمريكية في الصومال: فوضى مُدارة أم عبث عشوائي؟

علي أحمد محمد المقدشي: السياسة الأمريكية في الصومال: فوضى مُدارة أم عبث عشوائي؟

 

 

علي أحمد محمد المقدشي

ما تفعله أمريكا في الصومال ليس عبثًا عشوائيًا، بل هو جزء من سياسة مدروسة تهدف إلى تحقيق أهداف استراتيجية بعيدة المدى، من أبرزها:
التحكم الدائم في المواقع الجغرافية الحيوية في القرن الإفريقي، وخاصة السواحل الصومالية المطلة على المحيط الهندي ومدخل باب المندب، لما لها من أهمية في طرق التجارة الدولية والسيطرة البحرية.
ومنع تشكّل دولة صومالية مستقرة وموحدة في المستقبل القريب، قد تشكل تهديدًا لمصالح القوى الكبرى إذا ما تبنت مشروعًا وطنيًا أو إسلاميًا مستقلاً.
اوستنزاف ونهب الموارد الطبيعية، مثل النفط، والغاز، واليورانيوم، والثروات البحرية، في ظل غياب دولة قادرة على حماية هذه الثروات أو التفاوض عليها بشروط عادلة.
وإضعاف الدور أو النفوذ التركي المتصاعد في المنطقة، وخاصة من خلال تقويض الحضور التركي في مقديشو، كونه يمثل مشروعًا تنمويًا وعسكريًا لا يخضع للإملاءات الغربية.
واستخدام الورقة الصومالية للضغط على الجارتين كينيا وإثيوبيا، في ملفات إقليمية وأمنية، لضمان بقائهما في دائرة الطاعة السياسية والاقتصادية للغرب.
ورغم هذا المشهد المظلم أو ذلك، نبشّر أن زمام الأمور أولًا وأخيرًا بيد الله سبحانه وتعالى، وهو القادر على قلب المعادلات متى شاء. كما أن التطورات السياسية تشير إلى احتمال تغير في موازين القوى داخل الصومال لصالح مشروع أكثر توازنًا واستقلالية.
فتركيا، كدولة ذات قوة إقليمية متنامية، أظهرت مؤخرًا رغبة قوية في التدخل الفعّال لحماية مصالحها الاستراتيجية في الصومال، ليس فقط بالمساعدات أو التدريب العسكري، بل أيضًا عبر دور سياسي مباشر.
هذه الرغبة تعززت بعد الزيارة الأخيرة للرئيس الصومالي حسن شيخ محمود إلى أنقرة، حيث اتُّفق على ضرورة متابعة تركيا الدقيقة للأوضاع في الصومال، بما في ذلك التمدد الإماراتي المتسارع هناك. وقد طلب الجانب التركي من الحكومة الصومالية تقليص الوجود الإماراتي داخل البلاد، في إشارة إلى بداية إعادة تشكيل التحالفات وملء الفراغ الذي تركه انسحاب نسبي للغرب.
هذه الخطوة تعني أن تركيا تُخطط لمرحلة جديدة من الحضور النوعي في الساحة الصومالية، الأمر الذي قد يُحدث توازنًا في مواجهة مشاريع الهيمنة والتقسيم التي ترعاها بعض القوى الأخرى.
وعلى كل حال، السياسة الأمريكية في الصومال تُظهر نمطًا متكررًا من الفوضى المُدارة، لا تهدف إلى بناء دولة، بل إلى منعها من التشكل. ورغم كل ذلك، تبقى السنن الإلهية فوق كل مخططات البشر، (ويمكرون ويمكر الله والله خير الماكرين)
كاتب صومالي