هل جسدت زيارة الجنرال زامير قائد الجيش الإسرائيلي للجنوب السوري المحتل فوز بلاده في سباق النفوذ مع تركيا عرابة النظام وحاضنته الدمشقية؟ ولماذا غاب الرد العسكري التركي واختفت المقاومة للتغلغل الإسرائيلي؟

هل جسدت زيارة الجنرال زامير قائد الجيش الإسرائيلي للجنوب السوري المحتل فوز بلاده في سباق النفوذ مع تركيا عرابة النظام وحاضنته الدمشقية؟ ولماذا غاب الرد العسكري التركي واختفت المقاومة للتغلغل الإسرائيلي؟

عبد الباري عطوان

أن يقوم الجنرال أيال زامير، رئيس أركان الجيش الإسرائيلي، بجولة ميدانية تفقدية في المناطق المحتلة في جبل الشيخ والمنطقة العازلة على رأس وفد عسكري يضم الجنرال أوري غوردين قائد المنطقة الشمالية، ودون ان يواجه أي مقاومة، فهذا يعني أن “سورية الجديدة” باتت بلا هيبة، ولا سيادة، ومستسلمة كليا للأمر الواقع الذي تفرضه دولة الاحتلال بالقوة.
جنوب سورية يتحول وبشكل متسارع الى “جولان” أخرى، وبات الاحتلال الإسرائيلي دائما، وليس مؤقتا، وأكد هذه الحقيقة بنيامين نتنياهو بقوله قبل بضعة أيام: “ان سيطرة القوات الإسرائيلية على الجنوب السوري ستستمر الى أجل غير مسمى”.

***

الجنرال زامير، الذي كان يتجول بكل حرية وأمان في الجنوب السوري المحتل، برر الاحتلال بأنه جاء نتيجة دخول الدولة السورية مرحلة التفكك النهائى، وأن إسرائيل أقدمت على هذه الخطوة من “منطلقات دفاعية” صرفة، والسعي من أجل استثمار الانسحاب الأمريكي المنتظر في شمال البلاد بملء الفراغ الذي يمكن أن يترتب عليه.
وربما يجادل البعض من أنصار النظام السوري الجديد بأن النظام ما زال في مرحلة بناء لقواته العسكرية، فلم يمض على وجوده في السلطة إلا خمسة أشهر، وهذا صحيح، ولكن ألم يكن لهذا النظام قوات ومدرعات وشبكات صاروخية جعلت من إدلب التي يسيطر عليها بحماية تركية دولة داخل دولة، قادرة على التصدي لأي هجمات من الجيش السوري، بل والتهديد العسكري الروسي؟
فإذا كان هذا النظام السوري الجديد هو “الابن الشرعي” للحاضنة التركية، لماذا تلتزم هذه الحاضنة الصمت المطبق، وترفض الإقدام على خطوة عسكرية تضع حدا لهذه التوغلات الاحتلالية الإسرائيلية المهينة والمذلة؟
الطائرات الإسرائيلية شنت أكثر من مئتي غارة قبل أسبوعين على جميع المطارات العسكرية في الشمال السوري المحاذي للحدود التركية في منطقة “التي فور” في ريف حمص وقواعد عسكرية أخرى في حماة وحلب، لتدميرها بالكامل، وبعد ساعات من زيارة وفد عسكري تركي لها، لإحباط أي محاولة لتعزيز التواجد العسكري التركي فيها، ولم تتحرك أي طائرة أو منظومات دفاعية صاروخية تركية للتصدي لها؟
نطرح هذه التساؤلات المشروعة ونحن نعرف مسبقًا أننا لن نجد أي إجابات لها، سواء من حكومة دمشق، أو شقيقتها الكبرى في أنقرة، ويبدو أن دولة الاحتلال الإسرائيلي تقضم الأراضي السورية قطعة قطعة، وبالتقسيط المريج، ومطمئنة في الوقت نفسه أنها لن تواجه أي مخاطر.

***

فإذا صحت النظرية المتداولة حاليا التي تقول إن هناك تنافسا تركيا إسرائيليا للاستيلاء على “الورثة السورية”، فإن كل الدلائل تشير إلى أن دولة الاحتلال فازت في هذا السباق حتى الآن “وخلا لها الجو، وباضت وصفّرت”.
سورية “دولة فاشلة” في الوقت الراهن، وهرولة الزوار المباركين لنظامها الجديد بانتصاره وإسقاطه للنظام السابق لا يمكن أن تخفي هذه الحقيقة، ولا يلوح في الأفق ان هذا الوضع سيتغير في المستقبل المنظور.
مقاومة الاحتلالات، والإسرائيلية منها على وجه الخصوص، هو “الترمومتر” الأَدَق لقياس السيادة الوطنية، وتحسس ملامح المستقبل، وفي ظل غياب هذه المقاومة كليًا عسكريًا أو حتى لفظيا، فإن صورة المستقبل تبدو قاتمة جدًا ولا تبعث على التفاؤل.