نيويورك تايمز: هناك فوضى تسود العالم.. وليس ترامب المسؤول عنها

نشرت صحيفة نيويورك تايمز مقالا للكاتب آرون بيناناف يلخص فيه ملامح “الفوضى” في العالم، التي تقف وراءها “حالة الركود الاقتصادي”، وأسباب تراجع وتيرة نمو الاقتصاد العالمي ومستويات الدخل والتصنيع في العقود الأخيرة، وسبل الخروج من هذا “الركود”.
يقدم الكاتب في البداية ملخصاً لأوجه الاضطرابات في العالم، ففي الوقت الذي “يقلب فيه الرئيس الأمريكي ترامب أساسيات التجارة العالمية رأساً على عقب عبر الرسوم الجمركية العقابية، ويعيد رسم التحالفات الأمريكية”، تواجه الدول الديمقراطية موجة مناهضة للمسؤولين، كما أن الحكومات تخسر في الانتخابات أو “بالكاد تصمد” في مواجهة حالة من “السخط”، وحتى الدول “غير الديمقراطية” مثل الصين، تواجه اضطرابات اجتماعية وعدم استقرار اقتصادي.
يطرح بيناناف نظريات عدة لتفسير هذه الحالة التي تسود العالم، إذ يجادل البعض بأن التغير الاجتماعي السريع، خاصة المتعلق بمسائل مثل الهجرة والهوية الجنسية، يغذي “رد فعل ثقافياً عنيفاً”. والبعض الآخر يرى أن النخب أخطأت في استجابتها لجائحة كوفيد-19 أو انفصلت عن واقع شعوبها، ما خلق شعوراً مضاداً للمؤسسات. فيما يرى آخرون أن وسائل التواصل الاجتماعي وخوارزمياتها جعلت من السهل “نشر المعلومات المضللة ونظريات المؤامرة”.
لكن الكاتب يرى أن هناك قوة أكثر عمقاً تقف وراء حالة الاضطراب العالمية هذه، وهي الركود الاقتصادي، ويقول إن العالم يشهد تباطؤاً في النمو الاقتصادي طويل الأمد منذ سبعينيات القرن الماضي، وإن هذا الوضع ازداد سوءاً بعد الأزمة المالية العالمية عام 2008، إذ أصبح العالم “عالقاً” في معدلات نمو منخفضة، كما أن الإنتاجية في حالة تراجع، والقوى العاملة أصابتها الشيخوخة، وكل ذلك جعل الاقتصاد في حالة من الجمود.
يطرح الكاتب مثالاً في هذا السياق، ويقول إن اقتصادات دول مجموعة العشرين كانت تنمو في الماضي بمعدل 2 إلى 3 في المئة كل عام، وهذا يعني أن مستوى الدخل كان يتضاعف كل 25 إلى 35 عاماً، أما اليوم، فمعدلات النمو تتراوح بين 0.5 إلى واحد في المئة، وهذا يعني أن الدخل أصبح يتضاعف مرة كل 70 إلى 100 عام، وهي وتيرة “بطيئة للغاية ليشعر الناس بأي تقدّم في حياتهم”.
وبنظر الكاتب، فإن الناس حين لا يفترضون أن مستوى معيشتهم أو مستوى معيشة أطفالهم سيتحسن مع الوقت، “تتآكل الثقة في المؤسسات وتزداد حالة السخط”.
يقدم بيناناف أسباباً لهذا التباطؤ في النمو الاقتصادي، ويتمثل أحدها في التحول العالمي من قطاع التصنيع إلى قطاع الخدمات، وهذا أدى إلى تعطّل المحرك الأساسي للتوسع الاقتصادي، ألا وهو الإنتاجية.
ويتجلى السبب الثاني في تراجع معدلات النمو السكاني، ومن ثم تراجع حجم القوى العاملة، وهذا يعني أسواقاً مستقبلية أصغر، ما يثني الشركات عن التوسع. كما أن تراجع نسبة الأشخاص في سن العمل داخل المجتمع، يعني انخفاض أعداد دافعي الضرائب الذين يدعمون برامج التقاعد، ما يرفع من تكاليف التقاعد والعناية الصحية، ويدفع الحكومات لرفع الضرائب، وزيادة المديونية.
يستعرض بيناناف عدة حلول مقترحة، أولها: أن الذكاء الاصطناعي قد يكون المخرج من “فخ الركود”، فالذكاء الصناعي قد يحسن الكفاءة وينعش النمو في قطاعات تتطلب الأيدي العاملة، مثل الرعاية الصحية والتعليم. لكن الكاتب يشكك في ذلك، فالمكاسب المتأتية من الذكاء الاصطناعي لا تزال “محدودة”، كما أن وتيرة التطور في هذه التكنولوجيا “تتباطأ بدلاً من أن تتسارع”.
فيما يجادل آخرون أن إعادة إنعاش القطاع الصناعي في ظل حماية جمركية صارمة، هي الوصفة لاستعادة الاقتصاد حيويته، وهو رهان إدارة ترامب، بحسب ما يرى الكاتب، الذي يعود ليشكك في مثل هذه الطروحات، فالصناعات المأمول منها إنعاش الاقتصاد، برأيه، صارت توظف عدداً قليلاً نسبياً من العمّال، بخلاف ما كان سابقاً.
ويرى فريق آخر من المنظّرين أن الحل يكمن في زيادة عدد السكان، إما عبر حث الناس على إنجاب المزيد من الأطفال، أو عبر تشجيع الهجرة، لكن الكاتب يرى أنه ومع تولي ترامب رئاسة الولايات المتحدة، وزيادة حدّة الدعوات “المناهضة للمهاجرين”، فإن هذا الحل يبدو “ضرباً من الخيال”.
ومع ذلك، يقدّم بيناناف منهجين “معقولين” للتعامل مع الركود العالمي، الأول في زيادة إنفاق الدول رغم العجز في الميزانية. أملاً في تحفيز النمو، خاصة إذا تم توجيهه نحو الاستثمارات العامة.
النهج الثاني، برأي الكاتب يتمثل في إعادة توزيع الثروة والدخل، إذ يمكن للحكومات فرض ضرائب أعلى على الأغنياء وإعادة توزيع الدخل على بقية أفراد المجتمع، وهذه المهمة، وإن كانت شاقّة، ستحسن الطلب وتعزز الأسواق على المستويين المحلي والدولي. لكن الكاتب يرى أن ذلك يجب أن يترافق مع إجراءات أخرى لتحسين نوعية حياة الناس في المجتمع، مثل إصلاح النظم البيئية، وإعادة تأهيل البنى التحتية.
يختم الكاتب بالقول، إن كل تلك الحلول “لن تؤدي تلقائياً إلى تحقيق الاستقرار العالمي، إذ ستنشأ صراعات سياسية جديدة مع تبلور هذا المستقبل الجديد، لكن الأمر يبدو جديراً بالمحاولة”.
(بي بي سي)