د. شذى صخر: الموازنة بين التحديث السياسي وأولية ترتيب الساحة الداخلية: تعامل الحكومة الأردنية مع الإخوان المسلمين في الأردن

د. شذى صخر
تحظى جماعة الإخوان المسلمين في الأردن، والتي قضت محكمة التمييز الأردنية عام 2020 بحلّها واعتبارها فاقدة للشخصية القانونية والاعتبارية بسبب عدم قيامها بتصويب أوضاعها وفقًا للقانون، بنفوذ مجتمعي وسياسي ملحوظ. ويعد حزب جبهة العمل الإسلامي، الذي تأسس عام 1992 بعد تعديل قانون الأحزاب، الواجهة التنظيمية للجماعة، والذراع السياسي لها.
يتمتع الحزب بدعم شعبي واسع، خاصة في المدن الكبرى والمخيمات ذات الأصول الفلسطينية كحاضنة شعبية، وله نفوذ في عدد من النقابات المهنية والعمالية، ويمتلك حضورًا سياسيًا قويًا كما أظهرته نتائج انتخابات 2024، مما يعزز قدرته على الحشد والتأثير في الرأي العام.
بحكم الانتماء الفكري والتنظيمي مع مواقف الإخوان خارج الأردن، والتفاعل المنسق مع قضايا إقليمية، فإن حزب جبهة العمل الإسلامي في الأردن يتأثر بشكل مستمر بالأجندات الإقليمية، ويجعله يبدو كجزء من شبكة إسلامية يحمل خطابه طابعًا عابرًا للدولة، مما أدى إلى حالة من التوتر بين الحزب والدولة الأردنية.
يمارس الحزب في الأردن براغماتية سياسية، خصوصًا فيما يختص بدعم المقاومة الفلسطينية، ودعمه للفصائل الفلسطينية مثل حماس والجهاد الاسلامي سياسيا واعلاميا بصورة علنية، تقرأ على المستوى المحلي الأردني الأمني كموقف متقارب مع محور إيران، ورغم غياب أدلة رسمية على وجود علاقة تنظيمية أو تمويل مباشر خارجي، تُثار شبهات حول قنوات تواصل غير معلنة.
تمكنت الأجهزة الأمنية في الأردن مؤخرًا من القبض على خلية إرهابية مكونة من 16 شخصًا، تم اكتشاف ارتباطهم بجماعة الإخوان المسلمين حسب اعترافهم، إذ كانت الخلية تخطط لتنفيذ أعمال إرهابية تهدد الأمن الوطني. توضيحا لذلك أصدر حزب جبهة العمل الإسلامي بيانًا رسميًا حاول فيه النأي بنفسه عن أي تورط مباشر، ووصف ما جرى بأنه أعمال فردية لا تمثل الحزب ولا منهجه، وعبّر البيان أن الموقوفين كانوا جزءًا من حركة المقاومة ضد الاحتلال الإسرائيلي، وأنهم لم يتورطوا في أي أعمال تهدد أمن الأردن. كما أكد الحزب على أن دعمها للمقاومة الفلسطينية لا يعني دعمها للأعمال الإرهابية داخل الأردن.
هذا البيان أثار الرأي العام الأردني، حيث اعتبر العديد من المواطنين والمراقبين أن رد الحزب تجاهل السيادة الأردنية وأمنها الداخلي، وأنه لم يتضمن إدانة صريحة للمخطط الإرهابي، في الوقت الذي كان من المفترض أن يلتزم بموقف وطني يدعم استقرار الدولة، مما زاد من تعميق الشكوك حول ولاء الحزب وانسجام مواقفه مع متطلبات الأمن الوطني، وفُهم على أنه محاولة للحفاظ على علاقاته الخارجية، حيث شكل ذلك حالة من التناقض بين الولاء التنظيمي والانتماء الوطني وهو ما وسع فجوة الثقة بين الحزب والدولة.
الدولة الأردنية تدعم القضية الفلسطينية سياسيًا ودبلوماسيا وعلى كافة السبل المتاحة، لكنها ترفض استخدام هذا الدعم كذريعة لنشاطات غير منظمة على أراضيها، خاصة فيما يرتبط بحماس، وهو ما يبرر القبضة الأمنية على أعضاء الجماعة، في إطار السعي لضبط أنشطتهم ضمن حدود الحزب، للحفاظ على استقرار الجبهة الداخلية وتماسكها.
في جلسة مجلس النواب الأردني بتاريخ 21 نيسان 2025، أُعيد بث رسالة سابقة لجلالة الملك عبد الله الثاني داخل قبة البرلمان، تضمنت إشارات تحذيرية مباشرة لجهات تعمل بأوامر خارجية تحاول النيل من الأردن، حيث أكدت هذه الرسالة الملكية السامية على أن ما يجري داخليًا له أبعاد إقليمية تستوجب الحذر.
في هذا السياق، ازدادت التوترات تحت القبة بعد مداخلة النائب صالح العرموطي رئيس كتلة جبهة العمل الإسلامي التي اتهم فيها الحكومة بإثارة الفتنة، مما دفع رئيس المجلس أحمد الصفدي للرد عليه بصرامة، مؤكدًا أن “لا أحد في الحكومة خائن، ونحن نعرف أين الخونة”، في موقف يظهر تأهبا على المستوى السياسي والأمني لمواجهة أي فرصة من قبل جبهة العمل الإسلامي لتقويض الأمن من خلال إثارة العواطف الشعبية عبر توظيف القضية الفلسطينية لمصالحهم، وتضليل الرأي العام. العرموطي، دافع عن موقف الحزب مشددًا بأنهم كانوا سندًا للدولة في محطات تاريخية.
السياق العام لجلسة مجلس النواب والحزم في كلمات النواب، والمواقف والرؤى السياسية لدى الشارع الأردني تعكس عددا من الاتجاهات السياسية إزاء نشاطات الحزب وعلاقاته الخارجية، فقد تباينت بين مطالبات بحل حزب جبهة العمل الإسلامي استنادًا إلى أحكام المادة 36 من قانون الأحزاب السياسية الأردني، والتي تنص على إمكانية حل الحزب بقرار من المحكمة في حال ثبتت مخالفته للنظام العام أو تهديده لأمن الدولة. بينما يرى آخرون أن الحسم لا يكون استئصاليا، لتفاد الاحتقان أو دفع بعض الأطراف نحو الراديكالية، ضمن مقاربة تاريخية مارسها الأردن “الاحتواء المشروط”. وترى بعض الجهات الفاعلة سياسيا تعزيز الدعم لتيارات إسلامية معتدلة غير مرتبطة بالخارج كبدائل سياسية، بهدف إعادة توزيع الشرعية السياسية في الساحة الأردنية، مما ينعكس على تقليص دور حزب جبهة العمل الإسلامي في العمل السياسي، وقد يؤدي إلى تفككه وانقسامه داخليا إذا بدأت قواعده في تتجه لتيارات جديدة تتسم بمرونة أكبر، وأقل بالتبعات الأمنية، كما هو الحال مع مبادرة البناء الوطني “زمزم”.
في ظل هذه المعطيات، فإن مستقبل الحزب مقترن بقدرته على مراجعة علاقاته الخارجية والخروج من خانة الشك الأمني والسياسي، والتأكيد على التزامه بثوابت الدولة الأردنية الأمنية والسياسية والقانونية، وتركيز أجنداته على القضايا المحلية. بنقيض ذلك وفي حالة استمرارية الحزب في إعطاء إشارات على ولائه الخارجي؛ فإن الحكومة ستضطر لاتخاذ تدابير أكثر حزما تجاهه، والتي قد تتراوح من تقييد نشاطاته السياسية، إلى إمكانية اللجوء إلى القانون وحل الحزب والحظر الكامل لنشاطاته.
رغم أن حل أي حزب سياسي في الأردن قد يبدو ظاهريا مغايرا لتوجهات الدولة نحو التحديث السياسي وتعزيز التعددية الحزبية، إلا أن التعددية لا تعني التساهل مع أي كيان يُشتبه بتورطه في أعمال تمس الأمن الوطني. فالدولة، وفق مخرجات اللجنة الملكية لتحديث المنظومة السياسية، تعمل على تمكين الأحزاب المتمسكة بالأطر الدستورية، بينما تحتفظ بحقها القانوني في محاسبة أي حزب يثبت عليه مخالفته الصريحة للنظام العام، استنادًا إلى المادة 36 من قانون الأحزاب، التي تخوّل المحكمة حل الحزب إذا ثبتت مسؤوليته عن أي عمل سياسي يستخدم كغطاء للمساس بالاستقرار الداخلي للدولة.
في هذا الإطار، فإن الدولة تُمارس مسؤوليتها السيادية في ضبط المشهد الحزبي، عبر المسار القضائي، وضمن معايير الشفافية والنزاهة، مع ضمان حق التقاضي، تجنبا لأي اتهامات بالتضييق السياسي. كما أن تقديم الأدلة للرأي العام الداخلي والخارجي سيُعزز من مشروعية القرار ويُرسّخ صورة الأردن كدولة مؤسسات تحتكم إلى القانون، وتوازن بين الحريات العامة والحفاظ على الأمن والسيادة، والتزامها بمسار التحديث السياسي، دون الخلط بين النشاط الحزبي والعمل غير المشروع.
كاتبة اردنية