د. هاني محمود العدوان: الأردن والإخوان ـ جدلية الحذر والشراكة في وجه التحديات

د. هاني محمود العدوان: الأردن والإخوان ـ جدلية الحذر والشراكة في وجه التحديات

د. هاني محمود العدوان

في قلب منطقة تعصف بها رياح التغيير والاضطرابات، يقف الأردن شامخا كجبل أشم، مستمدا قوته من جذوره التاريخية العميقة ودوره المحوري الذي لا يمحوه الزمن.
 وضمن هذا المشهد السياسي المعقد، تتجلى العلاقة بين الدولة الأردنية وحركة الإخوان المسلمين كحالة فريدة، قوامها حذر فطري وتوتر خفي، لتكشف عن تفاعل حيوي بين سلطة مركزية راسخة وجماعة ذات امتداد شعبي واسع
لطالما آثرت الحركة الإسلامية في الأردن سلوكا يجنبها الاصطدام المباشر مع الدولة، بل إن صفحات التاريخ تحفظ للحركة مواقف عديدة وقفت فيها كتفا بكتف مع النظام في وجه التحديات المصيرية.
هذا الولاء النسبي، وإن شابته بعض الملاحظات حول أداء الحركة، وعلى رأسها اتهامات باستغلال الحراكات الشعبية لتحقيق مكاسب سياسية وتوسيع نفوذها، لم يزعزع ثقة الدولة بقدرتها على الاحتواء وإيمانها الراسخ بكونها دولة مؤسسات، وقد تجلى هذا الإيمان في إتاحة الفرص للتعددية السياسية في مختلف الاستحقاقات الانتخابية، وصولا إلى الانتخابات النيابية الأخيرة التي منحت المواطنين حرية اختيار ممثليهم، وحصدت فيها الحركة مقاعد تعكس حجمها وتأثيرها في المشهد السياسي.
في المقابل، تعاملت الدولة بحذر معهود، مانحة الحركة هامشا للمناورة ضمن حدود واضحة، انطلاقا من إدراكها بأن الحركة جزء أصيل من النسيج المجتمعي الأردني، وتضم في صفوفها شخصيات وطنية تحظى بالتقدير والاحترام.
لكن، ومع تصاعد وتيرة العدوان الإسرائيلي الغاشم على غزة، بدا أن الحركة تسعى لاستثمار التعاطف الشعبي الأردني المتزايد مع القضية الفلسطينية وحماس، عبر بيانات اتسمت بالحماس ودعوات للتظاهر والاعتصام، ولوحظ رفع أعلام الحركة وحماس في بعض الفعاليات، مما أثار تساؤلات مشروعة حول مدى التزامها بالقوانين المرعية الإجراء، بيد أن ما دق ناقوس الخطر بشدة هو إعلان الأجهزة الأمنية عن تورط عناصر محسوبة على الحركة في تصنيع صواريخ ومسيرات، وهو تجاوز صارخ للقانون وتهديد مباشر لأمن الدولة، وقد جاء رد الحركة على هذا الكشف باهتا، خاليا من إدانة واضحة لهذا الفعل الإجرامي، وبدا أقرب إلى تقديم تبريرات واهية لانتهاك قوانين الدولة المتعلقة بحيازة وتصنيع الأسلحة، مما يطرح تساؤلات عميقة حول مسؤوليتها والتزامها بسيادة القانون.
إن الهدف الأسمى من هذا الطرح هو التأكيد على حتمية معالجة ملفاتنا الداخلية بحكمة وروية، بعيدا عن صخب التشهير الإعلامي الذي قد تستغله قوى خارجية متربصة، فالمعارضة البناءة هي نبض الحياة السياسية الصحية، لكن شرطها الأساسي هو الولاء الخالص للوطن وتقديم مصالحه العليا على أي أجندات خارجية أو مطامع شخصية ضيقة، والتحلي بالحكمة في تناول قضايا الوطن الحساسة.
إن الحركة الإسلامية جزء لا يتجزأ من هذا الوطن، والدولة الأردنية، بعراقة مؤسساتها وقوتها، قادرة على التعامل بحزم مع أي تجاوزات تهدد أمنها واستقرارها، وكشف المخطط الإجرامي منذ عام 2021، وغيره من المحاولات المماثلة، ليس إلا دليلا قاطعا على يقظة أجهزتنا الأمنية وقدرتها الفائقة على إحباط أي تهديد يمس أمن الوطن، لكن التضخيم الإعلامي الرسمي لهذا الحدث المدان ضمنيا من كل أبناء هذا الوطن المعطاء قد يفتح ثغرة يستغلها العدو الإسرائيلي لتقديم صورة نمطية زائفة عن الأردن ووصفه زورا وبهتانا بحاضنة للإرهاب.
لقد كان من الحكمة والتبصر التعامل مع هذه القضية بحساسية وعقلانية، وعدم تحويلها إلى أداة للفتنة والانقسام بين أبناء الوطن الواحد.
من هنا، يصبح واجبا وطنيا على الجميع تقدير قيمة هذا الوطن وقيادته الرشيدة التي أرست دعائم الديمقراطية كنهج حياة أصيل للأردن، وتلتزم بها قولا وفعلا، كما يجب تثمين الدور الأردني الفريد والمشهود في الدفاع عن القضية الفلسطينية والقدس والمقدسات، تحت الوصاية الهاشمية الشرعية الحصرية، فالأردن، بقيادته الحكيمة، هو الدولة الوحيدة التي تجرأت على تحدي الاحتلال وفك الحصار عن غزة.
لنعالج جراحنا بأيدينا، بعيدا عن أعين المتربصين وأقلامهم المسمومة، فـ “الجرح بالكف “، وما أحوجنا في هذه الظروف الدقيقة إلى تعزيز جبهتنا الداخلية وتمتين اللحمة الوطنية بين كافة مكونات مجتمعنا الأردني الأصيل، فوحدة الصف وقوة النسيج الاجتماعي هما الضمانة الحقيقية لاستقرار الأردن وازدهاره في وجه كل المخاطر والتربصات.
إن تقدير قيمة الوطن والالتفاف حول قيادته الحكيمة، مع إعلاء صوت الحكمة والعقلانية وتغليب المصلحة العليا، هو السبيل الأمثل للحفاظ على منعة الأردن ودوره الريادي في محيطه الإقليمي والدولي، فلنعمل سويا، بروح الفريق الواحد، على صيانة هذا الوطن العزيز، وتعزيز وحدته وتماسكه، ليظل الأردن قويا شامخا، عصيا على كل محاولات النيل من أمنه واستقراره، وليكون قادرا على أداء رسالته الوطنية والقومية الأصيلة وسندا وعونا لأهلنا وأخواتنا في فلسطين المحتلة.
كاتب اردني