د. جمال سالمي: 7 أسباب لفقدان ثقة الجزائريين بالجامعة العربية وقممها

د. جمال سالمي: 7 أسباب لفقدان ثقة الجزائريين بالجامعة العربية وقممها

 

 

د. جمال سالمي

لا أمل في الجامعة العربيّة إلا بتحرير الأنظمة.. لقد صار التساؤل ملحّا اليوم عن جدوى بقاء منظومة هذه الجامعة (التي تكاد تصبح عبرية) بواقعها الحالي.. تستغلها أنظمة التطبيع لتركيع المقاومة وشل أي تحرك قومي جدي وصادق..
 لم يتفاجأ قراء هذه الجريدة الجزائرية (عروبية الهوى/فلسطينية المواقف) من كلمات رئيس تحريرها عبد الحميد عثماني حين كتب يوم 2025/03/09
افتتاحية قوية جدا عن القمة العربية الطارئة في القاهرة..
ـ أولا: إنها من أسوإ المحطات التي زادت الشرخ القومي اتساعًا على مستوى النظام الرسمي العربي..
ـ ثانيا: كرّست يأس الشعوب من جدوى هذا الفضاء الإقليمي، بصفته مُعبّرًا عن آمالها وتطلعاتها في مواجهة التحديات الجيوسياسية والدفاع عن مصالحها العليا وإعلاء قيم التضامن والأخوّة بين أقطارها..
ـ ثالثا: خذلان المقاومة الفلسطينية كأخطر ما تمخّضت عنه هذه القمة..
ـ رابعا: مخرجاتها الباهتة في سياق الأوضاع المصيريّة التي تواجه القضية المركزية للأمة (فقد ألفت الشعوب العربية من الأنظمة الوظيفية عدم تجاوز الخطوط المرسومة لها من مراكز القرار الدولي)..
ـ خامسا: الأسوأ هذه المرّة هو الدوس على آليات العمل والتشاور والتنسيق والتوافق بخصوص الأجندة المطروحة على طاولة القادة..
إذ عرفت التحضيرات المسبقة حالة غير مسبوقة لاختطاف الموقف العربي من تكتل “السلام الإبراهيمي” لأنظمة التطبيع، في مسعى غير أخلاقي لاحتكار القرار الجماعي خارج القواعد المتعارف عليها..
ـ سادسا: قمة القاهرة تشكل في وعي الجماهير العربية تعريةً لظهر المقاومة الفلسطينية..
إنها محاولة مكشوفة لتطويقها عبر عزل رجالها عن إدارة الشأن العامّ لقطاع غزة في “اليوم التالي للعدوان”، أي أنّ المخرجات المسوَّقة بعنوان اللقاء العربي الطارئ لا تعدو أن تكون تصوّرًا مُهذبًا لأطروحات ترامب ونتنياهو، حتى لو رفعت شعار “لا للتهجير”، وقد لا نسيء الظنّ إذا اعتبرناها “خطة ب” متفقا عليها بين هؤلاء، لصرف النظر عن جوهر المشروع الصهيوني- الأمريكي باجتثاث المقاومة الفلسطينية..
ـ سابعا وأخيرا: غياب تبون عن القمة مؤشر على فشلها (من وجعة نظر الجزائريين طبعا).
للتذكير، لا يختلف اثنان على أن النظام الإقليمي العربي (الذي ظهر بتأسيس جامعة الدول العربية عام 1945) ظلّ مهلهلا في كل فترات التاريخ المعاصر..
إذ تزامن بروزه مع وقوع أقطار كثيرة منه تحت نير الاحتلال..
ثمّ تفرغت دوله لاحقا لمعركة البناء على أنقاض الخراب الاستعماري الذي مسّ الإنسان قبل العمران..
لكن (ولسوء حظ العرب) فقد طعنتهم الإمبريالية العالميّة في وقت مبكّر بغرس الكيان الصهيوني في خاصرة الأمة لأهداف جيو- استراتيجية..
فتوالت عليهم النكبة والنكسة..
ليزيد فتح مسار التطبيع منذ اتفاقية كامب ديفيد نهاية سبعينيات القرن العشرين من تشرذم النظام العربي..
لقد كان  التعاطي مع القضية الفلسطينية دائمًا من أبرز معاول الفرقة العربية الرسمية..
لأن الشعوب العربية والإسلامية تعلّقت بها وناصرتها منذ 1948  بكل ما تملك..
بينما خذلتها الأنظمة السياسيّة..
مع استثناءات خاصّة، ضمن حسابات العروش والكراسي والتدخُّلات الخارجيّة..
زادت حروب الخليج (خلال عقدي الثمانينيات والتسعينيات) من الانقسام العربي..
قبل أن يجهز “الربيع” مطلع العشرية الثانية من الألفية الجديدة على ما بقي من النظام العربي الإقليمي..
إذ دخلت المنطقة في دوامة كبرى من الحروب الأهلية والتفتُّت الذاتي..
على أسُس عرقية وطائفية ومذهبية..
لا يبدو أن التعافي منها سيكون قريبًا..
لأنّ آثارها العميقة ستستمرّ عقودا أخرى في ذاكرة الأجيال، حتى لو نجح العرب في إعادة الإعمار المادي..
لم تنجح قمم العرب المتعاقبة في جمع الكلمة ولا توحيد القرار.. ولا حتّى التوافق عمليا على الحد المعقول من العمل المشترك..
لأن بعض الأنظمة العربية انخرطت في مسارات قُطرية ضيقة، بل وظيفية أحيانا لصالح قوى الهيمنة الغربيّة، على حساب التطلعات القومية للأمة، مقابل أنظمة أخرى (ربما كانت صادقة في تحيُّزها للشعوب العربية) لكن خانتها الرشادة والحوكمة والأخذ بالأسباب الفعلية للنهضة والتقدُّم..
فلم تكن أقلّ سوءا من غيرها، وانتهى بها المطاف إلى جنايات فظيعة في حق شعوبها..
لذلك صار التساؤل ملحّا اليوم عن جدوى بقاء منظومة الجامعة العربية بواقعها الحالي؟ وهل غلقُها نهائيًّا أو الانسحاب منها هو الحل الأمثل في ظل استمرار عجزها عن أداء دورها المنوط بها؟
نحن لا نؤيد الدعوات اليائسة، وتلك المشبوهة، التي تنادي بالتحرُّر من الجامعة العربية، لأنّ العالم يعيش عصر التكتلات الدولية والإقليمية، مع بروز معالم إعادة تشكُّل النظام الدولي وفق موازين قوى جديدة، ولأننا كأمة واحدة نملك كل عوامل الوحدة والتعاون والقوّة، بالنظر إلى الدين واللغة والثقافة والتاريخ والجغرافيا والمصير المشترك، فضلا عن الحاجة الذاتية البراغماتية للتعاون البيني.
لذلك لا مفرّ من تفعيل إصلاح منظومة الجامعة عاجلا غير آجل، وهو المطلب الذي تبنَّته الجزائر قبل 20 عامًا، ولكنه لم يعرف تقدّما، بل من المؤكد أنه يواجه المقاومة في مستويات كثيرة.
صحيحٌ أنّ مثل هذا الهدف يبقى أقرب إلى الأماني في ظل واقع عربي متشرذم رسميًّا، محكوم بالإملاءات الخارجية عن طريق قوى وظيفيّة بالمنطقة، تقاطعت أجنداتها السلطوية الخاصة مع المصالح الأمريكية والإسرائيلية الاستراتيجية، فتحوّلت إلى أدوات طيّعة في خدمة مشاريعها الغربية الصهيونية، وهو الوضع الشاذ الذي يجعل مقاربات الجزائر، مع بقايا العرب التحرّريين إنْ وُجدوا، منبوذة ومحاصَرة، لكنّ دوام الحال من المحال، إذ سيدور التاريخ دورته نحو مجد الأمة واستعادة سيادتها.
بقيت الإشارة إلى أنَّ حال الجامعة العربية سياسيًّا هو انعكاسٌ تلقائي لأوضاع الأقطار الوطنيّة، ولن يُكتب لها الإصلاح والفعاليّة إلا بتحرير أنظمتها والاحتكام إلى الإرادة الشعبية السيّدة، يومها سيكون للقادة الشرعيّين موقفٌ آخر متناغم مع تطلعات الشعوب.
كاتب جزائري