النحات الإسباني “ماركو أوغوستو دوينياس”: “أبعاد الجمال واكتشاف عوالم النحت

ترجمة سعاد خليل
بين الحجر والرخام ، يولد الجمال نري الابداع ليس باستخدام أدواته فقط لنحت الأشكال، بل ليحكي قصصاً صامتة تسكن في أعماق المواد. في هذه المقابلة، نقترب أكثر من عقل وقلب هذا الفنان، لنتعرف على رحلته مع النحت، ما يلهمه، وكيف يرى العالم من خلال منحوتاته. إنها دعوة لاكتشاف الفن كحالة إنسانية تتجاوز الشكل، وتحتفي بالروح.”
الفن هو لغة غير قابلة للترجمة، لكنه في ذات الوقت يجسد التعبير الأعمق عن أحاسيس الإنسان.
من الموقع الاسباني بروجكتو جارلو تحصلنا علي هذه المقابلة الحصرية حيث نشرت في الموقع من قبل صاحب الموقع خوسيه جارلو الذي كتب:
خلال أبحاثي كمؤرخ فني وموثق، وجدت معلومات بارزة تتعلق بالنحات الإسباني ماركو أوغوستو دوينياس. وفيما يلي أنقل “حرفيًا” هذه المقابلة التي جرت في عام 2011 بمناسبة تدشين التمثال الذي نُحت من الرخام والذي يُجسّد القديس مارون، حيث وُضع في إحدى واجهات بازيليكا القديس بطرس في الفاتيكان.
أُجريت المقابلة من قبل موقع InfoCatólica على يد الصحفي برونو مورينو. وقد أعدّ مشروع “Garlo” هذه النسخة النصية، مدعّمةً بوثائق وصور قدّمها لنا الفنان النحات نفسه، ونحن نشعر بامتنان عميق لتعاونه معنا في هذا النشر.
ان الأجوبة التي قدّمها ما تزال تحتفظ براهنتيها الكاملة بالنسبة للفن الديني المعاصر.
ماركو أوغوستو دوينياس، النحات القرطبي، افتتح مؤخرًا تمثالاً ضخمًا له من الرخام يُمثّل القديس مارون، نُصب على إحدى الواجهات الخارجية لبازيليكا القديس بطرس في الفاتيكان. يُضاف هذا العمل إلى تمثال سابق من نفس الفنان يُجسّد القديسة رافائيلا ماريا بورّاس، والذي وُضع أيضًا في الفاتيكان. هذا النحات الكاثوليكي البارز، والذي يُعد مجهولًا إلى حد ما في بلده إسبانيا بشكل مفارِق، يجيب في هذه المقابلة على أسئلة موقع InfoCatólica حول أعماله ورؤيته لدور الفنان داخل الكنيسة، كما يشارك برأيه، والذي يمكن اعتباره استفزازيًا نوعًا ما، حول الفن الديني المعاصر.
س – : دون ماركو أوغوستو، احتراف النحت هو مغامرة محفوفة بالمخاطر. كيف خطرت لك فكرة أن تصبح نحاتًا؟
ج- : ليس أمرًا يخطر ببالك فجأة. هو أشبه بمن يغني: إما أن تمتلك الموهبة أو لا. منذ الصغر وأنا أرسم وأعمل… وليس الأمر مقتصرًا على النحت فقط: لقد صممت كذلك المجوهرات، وصوّرت مشاهد من أسبوع الآلام. الأمر ليس سهلًا. منذ أن كنت صغيرًا، كان عليّ أن أتحمّل مسؤولية إعالة نفسي، ودفع رسوم الجامعة… وتصل في النهاية إلى القيام بأعمال تستحق العناء، بعد سنوات من العمل المتواصل.
س – كيف تُعرّف أسلوبك الفني؟
ج – حديث، لكن دائمًا من خلال دراسة الكلاسيكيين. ليس أسلوبي واقعيًا مفرطًا، لأن ذلك يُشبه الصورة الفوتوغرافية، وهو أمر لا يقربنا من الله ولا من الجمال. الفن يقوم بتحويل ما نراه، لا بنسخه. النسخ المحض يقودنا إلى التفاهة، إلى فنّ زخرفيّ بحت.
أحاول أن أُحقق نوع التحويل الفني الذي كان يحققه ليوناردو، أو بيرنيني… لكن بروح معاصرة. فنّ حديث، لكن دائمًا بنظرة إلى الماضي، وهذا بالضبط ما كانوا يبحثون عنه في الفاتيكان: فنان يدمج بين الكلاسيكية والحداثة.
لا يوجد شيء أحبّه أكثر من إنجاز فن ديني، مخصص لكنيسة، لأن هذا النوع من الأعمال يصل إلى قلب الإنسان، ويساعد على الصلاة والتأمل. لا يوجد مال يعادل قيمة ذلك. قد تُدفع أجور عالية مقابل عمل “مدني”، لكن لا يتعدى ذلك شيئًا. قد يكون جميلاً أو قبيحًا، وهذا كل ما في الأمر.
س -أنتم من قرطبة. هل أثّرت في أعمالكم “أسبوع الآلام” القرطبي؟
ج -بالتأكيد. أعمالي تحمل في داخلها كل ما أحمله أنا من خلفية: فن الصور الدينية، والفن الديني الأندلسي… حتى لو نظرت إلى لحية تمثال القديس مارون، يمكنك أن ترى ذلك. لا أظن أن هناك أندلسيًا يعمل في الفن ولم يستلهم، بطريقة أو بأخرى، من فن الصور الدينية.
لقد عملت لسنوات طويلة هنا في إيطاليا، لكنني جلبت معي من أرضي كل ما عشته هناك. لا يمكن للمرء أن يهرب من جذوره. وأعتقد أن هذا أحد الأسباب التي تجعل الناس هنا يُحبّون فني.
كيف تُحضّر نفسك لنحت تمثال ديني؟
أبدأ بدراسة الشخصية التي سأُجسّدها، وفي هذه الحالة، القديس مارون. كان ناسكًا، ومؤسس الكنيسة المارونية، وهي إحدى الكنائس الكاثوليكية الشرقية. درست حياته ومعجزاته. وجهه يحمل ملامح شخص عاش حياة قاسية جدًا، ناسكًا مليئة بالمعاناة والحرمان.
في هذا العمل، كان عليّ أن أوفّق بين الشرق والغرب. كيف قمت بذلك؟ عن طريق التبسيط في الخطوط، حتى لا يشعر من اعتاد على الأيقونات أن هذه الصورة غريبة. القديس مارون يُقدّم الكنيسة المارونية للعالم، وهو يحمل عصا الرعاية (الباكوليا)، مصنوعة من الفولاذ المقاوم للصدأ، مما يرمز إلى الجمع بين القديم والحديث. كما أن شكل التمثال يحمل في داخله تقاليد الغرب.
رسّام أيقونات يُدعى الأب عبده قال لي إن هذا العمل مهم جدًا، لأنه سيصبح صورة القديس مارون بالنسبة للغرب كله.
س -كم استغرق نحت التمثال؟
طوله 5.40 متر. على سبيل المقارنة: تمثال “داوود” لمايكل أنجلو أصغر. وكان من الصعب جدًا التعامل مع كتلة رخام ضخمة تزن 80,000 كجم، إلى أن خُفّض وزنها إلى 25 طنًا.
استغرق العمل ستة أشهر فقط، وهذا وقت قصير نسبيًا. كان ذلك بمناسبة الذكرى 1600 لوفاة القديس مارون. أُطلقت مسابقة لاختيار من سينحت التمثال، لكن الكاردينال كوماستري وقداسة البابا قرّرا أن يُسندوا العمل لي مباشرة، لأنني كنت قد أنجزت تمثال القديسة رافائيلا وكانوا واثقين من النتيجة. هذا جعل المهلة قصيرة. كنت سأستفيد كثيرًا من الأشهر التي أُهدرت في التخطيط.
س – من بين كل أعمالك، ما هو المفضل لديك؟
ج – حاليًا، أشعر بفخر كبير بهذا العمل. أن يقول الكاردينال برتوني إن تمثالك من أجمل التماثيل في الفاتيكان، وأن يقول البابا إن الصورة أثّرت فيه… لا شيء يضاهي ذلك.
س -ما هو دور الفنان في الكنيسة؟
ج -الفن هو لغة. الحقيقة هي الجمال، والجمال يقرّبنا من الله. الفنانون القدماء كانوا يبحثون عن الجمال المثالي لأنه الأقرب لله. لم يكونوا يسعون لإحداث صدمة كما يحدث الآن. بعض الفنانين اليوم يقدّمون أعمالًا هدفها الإثارة لا أكثر.
أنا أحاول أن تساعد صوري الناس على الصلاة. مهمة الفنان في الكنيسة أن يفتح نافذة نحو الإلهي. الفن الديني هو وسيلة للتأمل والتقرّب من الرب.
س – ما المشكلة الكبرى في الفن الديني المعاصر؟
ج – اليوم، كثيرًا ما يُختار الفنانون لأسمائهم فقط، حتى وإن لم يكونوا مؤمنين ولا يفهمون الدين. تلك الأعمال تمتلئ بالأنانية والتمركز حول الذات. لغة تلك الأعمال ليست دينية.
تُصرف مبالغ طائلة على أسماء مشهورة، لكن الناس لا يشعرون بالقرب من الله. نحن لدينا تقليد فني ديني عريق استوعب أفضل ما سبق. لكن الفن الحديث قطع علاقته بهذا واستسلم للتجارية.
لحسن الحظ، بدأت الكنيسة تلاحظ هذا، لكن هناك فراغ كبير في المجال. النحت الديني الحقيقي أصبح نادرًا جدًا.
س – سمعنا أنه سيتم تدشين بعض أعمالك في كاتدرائية ألمودينا بمناسبة زيارة البابا بندكتوس السادس عشر؟
ج – نعم، تم تنظيم مسابقة، وفزت بها، رغم مشاركة نحاتين معروفين مثل رامون تشابارو ولويس سانغوينو، الذين سبق لهم العمل في الكاتدرائية.
نحتُّ مشهد “بانتوكراطور”، وأربعة نقوش بارزة من حياة السيدة العذراء سيدة ألمودينا، وتمثالاً للقديس ميخائيل وآخر للقديس جبرائيل. سيتم وضعها على الواجهة الرئيسية، مقابل القصر الملكي.
معلومة:
يحتفل بعيد القديس مارون الطقسي في التاسع من فبراير. وقد منح البابا بندكتوس الرابع عشر (الذي شغل السدة البابوية بين 1740 و1758) الغفران الكامل، ضمن الشروط المطلوبة، لكل مؤمن يزور في ذلك اليوم كنيسة أو ديرًا مارونيًا (تاياه، 1999).
في 23 فبراير 2011، قام قداسة البابا بندكتوس السادس عشر (الذي تولّى البابوية بين 2005 و2013)، برفقة غبطة البطريرك نصرالله بطرس الكاردينال صفير (الذي تولّى البطريركية من 1986 إلى 2011)، بمباركة تمثال للقديس مارون يبلغ ارتفاعه 5.40 أمتار، نُحت من رخام كرّارا، وتم وضعه في آخر تجويف خارجي متاح في الجهة الخلفية من بازيليكا القديس بطرس في الفاتيكان.
وقد صُمم التمثال من قِبل الراهب الماروني عبدو بدوي، من رهبانية لبنان المارونية (O.L.M.)، المولود في مزرعة يشوع عام 1948، ونحته الفنان الإسباني أوغوستو دوينياس، المولود في قرطبة عام 1971.
ملخص عن ماركو أوغوستو دوينياس :
هو نحات فني متخصص في النحت الديني بدأ دراسته الفنية منذ الصغر، حيث أبدع في الرسم والنحت، وطور مهاراته في العمل مع الرخام تتنوع أعماله بين النحت الديني والتصميم، وله خبرة كبيرة في تصميم المجوهرات أيضًا.
تأثر منذ الصغر بالفن الديني التقليدي الإسباني، ولا سيما الفن الكاثوليكي الذي ارتبط بتراثه الأندلسي. من أبرز أعماله:
تمثال القديس مارون: الذي اشرنا اليه سابقا حيث يُعد تمثال القديس مارون الذي نُحت من رخام كرّارا والذي وُضع في بازيليكا القديس بطرس في الفاتيكان من أبرز أعماله. يبلغ ارتفاعه 5.40 مترًا وهو تمثال يُجسد شخصية القديس مارون مؤسس الكنيسة المارونية.
تمثال القديسة رافائيلا ماريا بورّاس: عمل آخر له في الفاتيكان، يعكس اتساع نطاق أعماله وتفرده في النحت الديني. أعمال أخرى في الفاتيكان وكاتدرائيات أخرى: عمل أيضًا في العديد من الأماكن المقدسة في إيطاليا ودول أخرى، وحقق شهرة دولية لقدرته الفائقة في دمج الفن الكلاسيكي مع الفن الحديث.
يتميز أسلوبه بالتركيز على الجمال الإيماني، حيث يحاول أن يخلق أعمالًا فنية قادرة على مساعدة الناس على الصلاة والتأمل. لا يُعتبر فنه مجرد زخرفة، بل هو وسيلة تواصل روحية.
يأخذ الإلهام من الكلاسيكيات، مثل أعمال ليوناردو دافنشي وجيوفاني بيرنيني، لكنه يُعيد تفسيرها بروح معاصرة.
يدمج بين القديمة والحديثة، كما فعل في تمثال القديس مارون الذي جمع بين الرخام الكلاسيكي والعناصر الحديثة مثل العصا المصنوعة من الفولاذ المقاوم للصدأ. يواصل عمله في الفن الديني المعاصر، ويُشارك في مشاريع مع الكنائس الكاثوليكية حول العالم. مثل عمله الأخير في كاتدرائية ألمودينا في مدريد، حيث نحت مشهد “بانتوكراطور” وعدد من التماثيل التي تُعبّر عن الحياة الدينية المسيحية.
ماركو أوغوستو دوينياس يؤمن بأن الفن هو لغة إيمانية قادرة على التقريب بين البشر والله. يرفض الفن الذي يُستخدم للإثارة أو جذب الانتباه، ويسعى إلى الفن الذي يُحفز على التأمل والصلاة.
هو يعتبر أن الفن الديني المعاصر يعاني من فراغ روحي، حيث يُركز البعض على الشهرة والمال بدلاً من على عمق الرسالة الروحية.
تأثر ماركو أوغوستو بشكل كبير بالفن الإسباني التقليدي، ولا سيما فنون أسبوع الآلام في مدينته قرطبة، حيث تغلب العناصر الدينية التقليدية على أسلوبه الفني.
عمله في إيطاليا، حيث نشأ وترسّخ في أجواء الفن الكلاسيكي، ساعده في تطور مهاراته الفنية ودمج عناصر من الفن الشرقي والغربي.
على الرغم من كونه نحاتًا شهيرًا في الفاتيكان وعدد من الكنائس المهمة حول العالم، إلا أن ماركو أوغوستو يُعتبر غير معروف نسبيًا في بلده إسبانيا، وهو ما يُعتبر من المفارقات حيث لم يحصل على نفس القدر من التقدير في وطنه مثلما حدث على المستوى الدولي.