نزار حسين راشد: غرفة الرواية السّرية

نزار حسين راشد: غرفة الرواية السّرية

نزار حسين راشد
لا أزالُ أبحثُ عن المفتاح لتلك الغرفة السّرّية المُسمّاة الرواية، ففي فضائها تختمرُ الأحداث، وتدورُ الأحاديث بحرّيّة،ليس لأنّها سجن، ولكن لأنّ لها خصوصية، وذلك برغم نوافذها المفتوحة على الفضاء الكبير، فالنوافذ المفتوحة ضروريّة، حتى لا يختنق بين جدرانها الهواء، ولها شرفات تطلّ منها على سعة العالم، فهي معتزلٌ كالخلوة أو الصومعة، تخلّص الرّوح من زحام العالم، لتمنحها الشفافيّة وجلاء الرؤيا، وطول التأمُّل، فتشحذ الحواس وتحدّ البصيرة، وتنظّم فوضى العالم، فالرواية غرفةٌ مفروشةٌ بأناقة، يمكنك فيها أن تنام وتحلم، فالخيال هو جناح الرواية الذي تحلّق به فوق أرض الحدث، لتلتقط المشاهد وتؤلف بينها لتحكم تلك السلسلة التي تصنع الحكاية وتحتويها داخل ذلك الإطار الذي نسمّيه الهيكل الروائي الذي تتحرك داخله الأحداث او تتنامى وتتفاعل الشخصيات في منظومة علائقية تجعل العالم  مفهوماً في تناقضاته وتوافقاته وتُطوع حتى لامعقوليته الظاهرة للنظر الإنساني فما يسميه النقاد التفكيكية والبنيوية هي مجرّد أوصاف وأدوات تدخلك للعالم الروائي وتريق الضوء على جوانبه وزاوياه وتضيء أعماقه، فأين تقف الرواية الحديثة أو اللاروائية من هذا الفهم؟
لعل ما تفعله هو كسر القوالب لتعيد بنائها على نحو آخر،فهو خروج على المألوف وليس نقضاً له، لأنهالو ترامت بعيداً عن الفهم الإنساني تفقد قيمتها،فهي محاكمة على نحو ما ولكن في حرم المحكمة الروائية وحتى الفانتازيا أو الواقعية السحرية هي تلاعب بالخطوط والألوان  ولكنها لا بد في النهاية أن ترسم لوحة وتضعها داخل إطار وإلا تحوّلت إلى لطخات لونية وخطوط مرسلة فاقدة للمعنى.
هذا هو مفتاح الغرفة السّرية،فلندلف إلى فضائها معاً الكاتب والقاريء ونجول في داخلها ونحصل على متعة السياحة فالرواية التي لا تحقق المتعة والإشباع  ولو حتى من خلال الإثارة والتساؤل والإدهاش لا تستحق هذه التسمية.
كاتب اردني