بفعل الإبادة الإسرائيلية.. كتب غزة من إنارة العقول إلى جمر ووقود

بفعل الإبادة الإسرائيلية.. كتب غزة من إنارة العقول إلى جمر ووقود

غزة/جمعة يونس/الأناضول
في واحدة من أكثر الصور إيلاما لحجم الكارثة الإنسانية في قطاع غزة، تحولت الكتب الجامعية من أدوات للعلم والمعرفة إلى وقود بديل يستخدم لإشعال النار من أجل الطهي، في ظل حرب الإبادة الجماعية الإسرائيلية على القطاع.
بفعل الحصار المشدد وإغلاق المعابر منذ شهور، اضطر نازحون لجأوا إلى حرم الجامعة الإسلامية في مدينة غزة لاستخدام ما تبقى من كتب مكتبتها المدمرة كمصدر بديل للطاقة، في ظل انعدام الغاز وندرة الحطب.
المكتبة، التي كانت إحدى أكبر الصروح الأكاديمية في القطاع، تعرضت لدمار واسع نتيجة قصف إسرائيلي مكثف، أسفر عن تلف آلاف الكتب والمخطوطات والدوريات، وترك مئات النازحين أمام البرد والجوع، أو إحراق ما تبقى من إرث علمي وثقافي.
**حسرة ممزوجة بالنار
في أحد أركان الركام، جلست النازحة أم إبراهيم العطار تمزق صفحات كتاب جامعي بعينين تغمرهما الحسرة، ويدين ترتجفان من ألم لا يرى فكل صفحة تقلبها تصدر صوتا خافتا، كأنها آخر ما تبقى من صدى الفصول الدراسية.
وقالت للأناضول: “العلم وقودنا اليوم”، حيث قالتها بينما تضع مجموعة جديدة من الصفحات في فرن طيني صنعته لطهي العدس وخبز القليل من الطحين، وسط غياب كامل للغاز والحطب.
أما أم رائد، فقالت وهي تراقب لهب الكتب :”العلم هو أحسن شيء بالحياة، واليوم نشعل فيه النار”.
**من منارة علمية إلى مأوى هش
لطالما كانت الجامعة الإسلامية مركزا للتعليم والبحث العلمي، وحققت تقدما في التصنيفات الأكاديمية العربية والدولية.
لكن بفعل الإبادة الإسرائيلية المستمر منذ 19 شهرا، تحوّلت مبانيها إلى مأوى هش للنازحين.
داخل ما تبقى من هياكل خرسانية مدمرة، نصب نازحون خياما مؤقتة بين الجدران المتصدعة والأسقف المهددة بالسقوط، على الرغم من خطورة الانهيار.
وأضافت أم رائد: “في غزة، لم يجبر الناس على ترك الدراسة فقط، بل على تحويل كنوز المعرفة إلى وسيلة بقاء”.
وتابعت: “من يصدق أن نمسك كتابًا ثمينًا ونحوّله إلى وقود للنار، فقط لنتمكن من طهي طعام مفقود؟”.
أما أبو محمد حمد، نازح من بلدة بيت حانون شمال غزة، وجد ملاذا مؤقتا داخل الجامعة الإسلامية بعد أن دمر منزله بالكامل.
وقال للأناضول: “المكتبة كانت الأكبر في غزة، وكانت تحتوي ما يقارب 200 طن من الكتب والمراجع، لكن اليوم أغلبها ممزق ومحروق ومبعثر تحت الركام”.
وأضاف: “حاولت الاحتفاظ بعشرات الكتب، واستخدمتها لحماية عائلتي من حر الشمس وبرد الشتاء، لكننا مضطرون لحرق بعضها من أجل البقاء”.
وتابع: “إذا طلب مني أحدهم كتابا أقدّمه له، الكتب أصبحت وسيلة بقاء، رغم الألم”.
والثلاثاء، قال المتحدث باسم مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية (أوتشا) ينس لايركه، إن قطاع غزة يشهد “أسوأ وضع إنساني” منذ بداية الحرب بسبب منع إسرائيل إدخال المساعدات الإنسانية.
ومنذ 2 مارس/ آذار الماضي، أغلقت إسرائيل معابر القطاع أمام دخول المساعدات الغذائية والإغاثية والطبية والبضائع، ما تسبب بتدهور كبير في الأوضاع الإنسانية للفلسطينيين وفق ما أكدته تقارير حكومية وحقوقية ودولية.
ويعتمد فلسطينيو غزة البالغ عددهم 2.4 مليون نسمة، بشكل كامل على تلك المساعدات بعدما حولتهم الإبادة الجماعية المتواصلة منذ 19 شهرا إلى فقراء، وفق ما أكدته بيانات البنك الدولي.
**وسيلة للبقاء
وفي 12 أكتوبر/ تشرين الأول 2023، شنت الطائرات الحربية الإسرائيلية سلسلة غارات عنيفة على الجامعة الإسلامية الواقعة غرب مدينة غزة، مما أسفر عن تدميرها بشكل شبه كامل.
وتُعدّ الجامعة الإسلامية من أعرق الجامعات في فلسطين؛ حيث تأسست عام 1978، وتضمّ 10 كليات و81 برنامجًا أكاديميًا، وتخرج منها أكثر من 60 ألف طالب وطالبة، وفق رئيسها الأسبق كمالين شعث الذي تحدث للأناضول بوقت سابق.
وسبق وقالت وزارة التربية والتعليم العالي الفلسطيني في تقرير حول الانتهاكات الإسرائيلية بحق التعليم منذ 7 أكتوبر 2023 وحتى 21 يناير/ كانون الثاني 2025، إن حرب الإبادة الجماعية دمرت أكثر من 51 مبنى تابعا للجامعات بشكل كامل و57 مبنى تابعا للجامعات بشكل جزئي.
بينما تعرضت نحو 20 مؤسسة تعليم عالٍ لأضرار بالغة جراء الهجمات الإسرائيلية، وفق التقرير.
وتحاصر إسرائيل غزة منذ 18 عاما، وبات نحو 1.5 مليون فلسطيني من أصل حوالي 2.4 مليون بالقطاع، بلا مأوى بعد أن دمرت حرب الإبادة مساكنهم، ودخلت غزة مرحلة المجاعة؛ جراء إغلاق تل أبيب المعابر بوجه المساعدات الإنسانية.
وبدعم أمريكي مطلق ترتكب إسرائيل منذ 7 أكتوبر/ تشرين الأول 2023 إبادة جماعية بغزة خلفت أكثر من 168 ألف شهيد وجريح فلسطينيين، معظمهم أطفال ونساء، وما يزيد على 11 ألف مفقود.