الجدار على حدود الأردن خارطة تصفية.. لا خارطة أمن

علياء الكايد
في حزيران، يبدأ الاحتلال الإسرائيلي بناء جدار جديد على الحدود الأردنية. المروّجون للمشهد يسوقونه كإجراء أمني، لكن الحقيقة أعمق وأخطر: هذا ليس جدارًا ضد التهريب، بل جدار ضد التاريخ، ضد الهوية، ضد الدور الأردني في فلسطين، وضد السيادة الوطنية.
ما يتم التحضير له بصمت، هو إعلان دفن سياسي لمعاهدة وادي عربة، ورصاصة استراتيجية تُجهز على ما تبقى من شراكة مزعومة، وتفتح الباب أمام عصر جديد عنوانه: إخراج الأردن من المعادلة الفلسطينية، وتصفير دوره الإقليمي، وتهميش ثقله السيادي، وسوقه للمجهول.
الجدار يأتي ضمن سلسلة تحركات مركبة: تهويد القدس، توسيع المستوطنات، قضم الأراضي، تهجير آمن، تغيير دور السلطة الفلسطينية للأسوأ وهيكلة وتكريس الواقع الإسرائيلي من طرف واحد. إنه جدار لا يُبنى فقط على الأرض، بل يُبنى أيضًا على فراغ قانوني، تستغله إسرائيل ببراعة فيها استغفال، مستفيدة من عدم تحديث خريطة حدود الأردن في الأمم المتحدة حتى اليوم، ما يسمح بإعادة تعريف خطوط السيادة على الأرض، من دون اشتباك سياسي مباشر.
معاهدة السلام الموقعة عام 1994 تضمنت وانطوت على التزامات قانونية متبادلة، منها:
— أنها جاءت في إطار حل شامل وعادل للصراع الفلسطيني مع الإحتلال
— احترام الحدود الدولية المعترف للملكة مع فلسطين الأراضي المحتلة .
–الحفاظ على الوضع القانوني والتاريخي في القدس.
–التنسيق الأمني والاقتصادي. تحاشيا لما يخل بأمن واستقرار الطرفين وليس طرف واحد
–الحفاظ على الحقوق السيادية وعدم اتخاذ خطوات أحادية تؤثر على الطرف الآخر.
إن بناء هذا الجدار ينتهك كل ذلك: وينسف الحدود المتفق عليها، ويعزل الأردن عن فلسطين، ويُجهض فكرة الدولتين، ويحوّل الأردن من شريك إلى “ممر” و”حاجز”، ومحلاً للتهجير.
لكن الجدار لا يُنهي فقط الدور الجيوسياسي للأردن، بل يفتح الباب أمام مشروع الترانسفير والتوطين بصيغته الجديدة. فبمنع الفلسطيني من التنقل أو الحياة بكرامة، وتحويل الضفة إلى كانتون مغلق، يُدفع الفلسطيني إلى خيارين:
الهجرة القسرية تحت الضغط الإنساني.
أو الانفجار الاجتماعي نحو الخارج، حيث لا وجهة سوى الأردن.
وهنا، يُفرض على الأردن واقعًا ديموغرافيًا وسياسيًا خطيرًا: لا عودة، لا وصاية، لا حدود سيادية. بل استقبال قسري لمهجرين تحت ضغط الواقع.
الجدار إذًا مشروع إحلال سياسي بامتياز، لا يهدد فقط الفلسطينيين، بل يضرب القلب السيادي الأردني، ويمهد لتذويب الهوية الوطنية الأردنية والفلسطينية معًا.
ما يجب فعله فورًا
1. إعلان رسمي بأن بناء الجدار يمثل عملًا عدائيًا مباشرًا، يرقى لإعلن حرب وانتهاكًا صريحًا لمعاهدة السلام.
2. إيداع خريطة حدودية محدثة للأردن لدى الأمم المتحدة وتثبيت الإحداثيات السيادية قانونيًا.
3. تجميد العلاقات الدبلوماسية بكل أشكاله فورًا مع تل أبيب، وطلب مغادرة السفير الإسرائيلي من عمّان دون تأخير.
4. عقد جلسة طارئة لمجلس الأمن الدولي لوصف الجدار كعمل عدائي يهدد سيادة دولة عضو. وينعى حل الدولتين
5. إطلاق مؤتمر دولي بالتنسيق مع الجهات الدولية الفاعلة والجامعة العربية لإعلان الدولة الفلسطينية وعاصمتها القدس.
6. إعادة تعريف العلاقة مع الاحتلال باعتباره تهديدًا وجوديًا لا شريك سلام.
7. إعادة تفعيل فك الارتباط بما يحافظ على الهوية الأردنية ويصون ويرسخ الهوية الفلسطينية وحق العودة
عقد مؤتمر إقليمي غير إقصائي – برعاية الأمم المتحدة – لتثبيت الرؤية المشتركة حول رفض الترانسفير والتوطين، ودعم سيادة الأردن وحقوق الشعب الفلسطيني.
رسالة إلى النخب، كفى عبثًا… الأردن يُجرّد من تاريخه أمام أعينكم. ويستخدم صهيونياً لتصفية القضية الفلسطينية. هذا ليس جدارًا عاديًا، بل بوابة لعصر ما بعد الأردن كفاعل سيادي. اصطفوا الآن مع السيادة أو استعدوا لمزبلة التاريخ.
إن لم نتحرك اليوم، فغدًا سنُصفق بمرارة عند بوابات المخيمات، حين تصبح السيادة نكتة، والخريطة وجهة نظر، والوطن مجرد ذكرى.
هذا الجدار… جدار العار والقرار إما أن يُسقط سياسيًا وواقعاً… أو يسقط معه الأردن
كاتبه أردنية