رقعة الشطرنج الأمريكية: من قلعة أوكرانيا إلى بيادق الهند

رقعة الشطرنج الأمريكية: من قلعة أوكرانيا إلى بيادق الهند

 

 

د. شذى صخر
منذ عام 2022 لعبت أوكرانيا دور “القلعة” في الشطرنج الغربي، حيث كانت تمثل رأس حربة لمواجهة التمدد الروسي في أوروبا الشرقية. وقد دعمت الولايات المتحدة وحلفاؤها أوكرانيا اقتصاديا وعسكريًا، في سعيها لاستنزاف موارد وقوة روسيا، ضمن حرب طويلة. ومع تزايد الضغوط الداخلية في الولايات المتحدة وأوروبا لإنهاء هذه الحرب واقتراب الصراع من الجمود، برزت الحاجة لتحريك رقعة جديدة، لإعادة خلط الأوراق وضمان إبقاء الخصوم في حالة استنزاف.
في أبريل 2025، وبعد هجوم مسلح في إقليم كشمير، اتهمت الهند باكستان بدعم الانفصاليين في كشمير. واتخذت الهند عددا من التدابير التصعيدية، حيث قطعت العلاقات الدبلوماسية والتجارية بين البلدين، وعلقت معاهدة مهمة لتقاسم مياه نهر السند. من جهتها باكستان حذّرت من تجاوز “الخطوط الحمراء” والذي قد يؤدي إلى عمل حربي.
تمثل المنطقة الواقعة بين كل من باكستان والهند والصين، من أبرز بؤر التوتر الجيوسياسي في العالم، نتيجة لتاريخ طويل من الصراع والنزاع الباكستاني الهندي حول إقليم كشمير، كما أن الدول الثلاث تمتلك ترسانة نووية، لكل منها حلفاؤها فالهند أبدت تعاون عسكري متزايد مع فرنسا والولايات المتحدة ضمن “تحالفات الرباعي” (QUAD). وباكستان تدعمها علاقات وثيقة مع الصين وتركيا. وعليه، فإن أي تصعيد محلي على الحدود الباكستانية الهندية قد يتطور إلى صراع إقليمي في المحيطين الهندي والهادئ.
تسعى أمريكا لإرباك الحسابات الصينية، خاصة بعد أن أصبحت العلاقة بين روسيا والصين أكثر تماسكًا ووضوحًا، في محاولة لإرغامها على تشتيت تركيزها بين بحر الصين الجنوبي وتايوان وحدودها مع الهند وباكستان، وبالتالي فتح جبهة جديدة على حدودها الغربية. أيضا، إن أي اضطراب في باكستان سيؤثر مباشرة على المصالح الاقتصادية الصينية، ويحدّ من قدراتها على التمدد الجيوسياسي، فالمشروع الصيني للتوسع العالمي “الحزام والطريق” يربط غرب الصين بميناء جوادر في باكستان. كل ذلك، يصب مباشرة في مصلحة أمريكا حيث ستحقق فوائد استراتيجية دون التورط الميداني؛ فالهند ستجد نفسها في مواجهة الصين في منطقة آسيا والمحيط الهادئ.
اقتصاديًا، فقد دأبت أمريكا على اشعال بؤر عسكرية لزيادة مبيعاتها من التكنولوجيا الدفاعية والأسلحة وبالتالي تحقيق أرباح بالمليارات للمجمّع الصناعي العسكري الأمريكي، والهيمنة على سوق السلاح العالمي، وتشكيل أداة استراتيجية لأمريكا من تثبيت نفوذها العالمي في مناطق الحلفاء، وتعزيز التبعية السياسية والتقنية والعسكرية لها.
بالنظر إلى زيادة التوترات بين الهند وباكستان، ولجوء كل منهما إلى التصعيد الاقتصادي والدبلوماسي واقتصادي، فإن السيناريو المحتمل هو حرب طويلة الأمد وموجهة بدقة لاستنزاف الحلفاء، وبقاء الجهة الغربية للصين في حالة توتر دائم، ضمن استراتيجية احتواء جديدة للصين على غرار ما حدث بين روسيا وأوكرانيا، دون التصعيد الكامل إلى حرب نووية، فالحرب ستدار بالوكالة عبر المجموعات المسلحة والتكنولوجيا السيبرانية.
يبقى خيار الوساطة الدولية بديلا قائما، إذا ما سعت دول الخليج لاحتواء الأزمة بين البلدين، تبعا لمجموعة من الاعتبارات الأمنية والاقتصادية، والعسكرية، والسياسية، والدينة.

كاتبة اردنية