يونس الديدي: لماذا يبدو الرئيس الفلسطيني محمود عباس يائساً هذه الأيام؟

يونس الديدي
تصريحات الرئيس الفلسطيني محمود عباس التي وصف فيها حركة حماس بـ”أولاد الكلب” خلال خطاب ألقاه في 23 أبريل 2025، أثارت جدلاً واسعاً وتعكس عمق الانقسام السياسي الفلسطيني. هذه العبارة، التي جاءت خلال افتتاح الدورة الـ32 للمجلس المركزي الفلسطيني في رام الله، لم تكن مجرد زلة لسان، بل تعبير عن استراتيجية سياسية تتبناها السلطة الفلسطينية بقيادة عباس، ترى في حماس تهديداً ليس فقط لسلطتها، بل لمشروعها السياسي القائم على التفاوض مع إسرائيل تحت مظلة الشرعية الدولية. في هذا السياق، يمكننا تحليل هذا الموقف من عدة زوايا مع إدراج آخر المستجدات.
تساءلت: ما الذي يدفع رجل السلطة المتشبث بكرسيه منذ 19 أوأكثر سنة، رغم فقدان شرعيته التمثيلية، إلى هذا الحد من الحنق؟ لماذا يبدو يائساً، مهموماً، كمن فقد بوصلته وتخلى عن كل ما تبقى من أوراقه السياسية والأخلاقية؟
الجواب ربما يكمن في المشهد الأوسع، مشهد يعكس سقوط المشروع السياسي الذي مثله عباس: مشروع “السلام” تحت رعاية أمريكية، والرهان على التفاوض كسبيل وحيد، والتنسيق الأمني كطريق للحفاظ على الذات السياسية. هذا المشروع انتهى… وانتهى معه شيء من المعنى الذي كان يمنح الشرعية لمن يمثله.
من رام الله إلى العالم: غزة تحرجهم
الرئيس الفلسطيني لا يحكم سوى جيوب مبعثرة في الضفة، محاصرة بجدران الاحتلال ونقاط تفتيشه، ومربوطة اقتصادياً بمساعدات مشروطة من الإدارة الأمريكية والاتحاد الأوروبي. في المقابل، تخرج غزة المحاصرة من تحت الركام، في كل معركة، لتعلن للعالم أن فلسطين ليست مجرد سلطة مرتبطة ببروتوكولات أوسلو، بل مقاومة حيّة تتجدد رغم القصف والتجويع.
غزة، بما تحمله من رمزية، أحرجت محمود عباس. أحرجته أمام شعبه، وأمام نفسه. لا أحد يهتف لعباس في شوارع العالم، لكن اسم “كتائب القسام” و”المقاومة الفلسطينية” بات على كل لسان، حتى في جامعات أمريكا وأوروبا، حيث ترفع صور شهداء غزة في قاعات محاضرات لا علاقة لها بالسياسة.
هذه الإزاحة الرمزية من مركز التمثيل إلى هامش التاريخ، ربما هي ما تصيب الرجل باليأس. لم يعد الفلسطينيون يرونه رئيساً، بل موظفاً في مؤسسة منتهية الصلاحية، لا تتجاوز مهمته التنسيق الأمني والظهور في مؤتمرات بلا أثر.
تحالف الضرورة مع الاحتلال؟
ما يزيد من قتامة المشهد هو طبيعة العلاقة المتشكّلة بين قيادة السلطة والاحتلال. ليست علاقة صراع كما يُفترض، بل تشبه علاقة التابع بالمتبوع. الرئيس الفلسطيني، الذي لا يملك حتى حرية التنقل بين المدن الفلسطينية، يستمرئ لغة التنسيق مع إسرائيل، حتى لو كانت نتيجته اعتقال مقاوم أو اغتيال شاب لمجرد أنه فكر في رمي حجر.
في هذا السياق، يبدو عباس وكأنه استبدل الخصم، وبدلاً من مواجهة الاحتلال الذي يمزق ما تبقى من الوطن، وجّه سهامه إلى شركائه في النضال الفلسطيني: حماس، الجهاد، وكل من يؤمن بالمقاومة. بات يرى فيهم تهديداً شخصياً لمكانته، أكثر مما يرى في الاحتلال خطراً على مستقبل فلسطين.
لكن، هل هو يائس فعلاً؟
نعم، يائس… لأن الزمن تجاوزه. لا لأنه رجل مسن، بل لأنه رجل مفرغ من الرؤية. لم يعد لديه ما يقدمه لشعبه سوى الخوف من الفوضى، بينما يمارس نوعاً آخر من الفوضى: الفوضى السياسية، الفوضى في المعايير، الفوضى في التحالفات.
يائس، لأنه حين يسمع الناس يتحدثون عن فلسطين، لا يسمعون اسمه. يسمعون عن غزة، عن الشهداء، عن مشافي تقصف وأمهات يدفنّ أطفالهن بأيديهن. يسمعون عن المقاومة، لا عن الخطابات الرسمية.
في الختام…
لا أحد يطلب من محمود عباس أن يكون تشي غيفارا، لكن كان يمكن له، على الأقل، أن يكون صوتاً أخلاقياً في هذا الزمن المعطوب. أن يحافظ على كرامة الموقع ولو خسر السلطة. لكنه اختار أن يكون ظلّ نفسه، رجلاً يقف على ركام مشروعه، ويصوب بندقيته نحو أشقائه، فيما العدو يسعى إلى تحقيق الإبادة الجماعية.
كاتب مغربي